آيات من القرآن الكريم

هُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗ ﭙﭚﭛ ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ ﮥﮦﮧﮨﮩﮪ ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃ ﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ

(سورة النمل)
(مكية حروفها أربعة آلاف وستمائة وتسعة وتسعون كلمها ألف ومائة وتسعة آياتها ثلاث وتسعون)
[سورة النمل (٢٧) : الآيات ١ الى ١٤]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ (١) هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٣) إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (٤)
أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (٥) وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (٦) إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٧) فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٨) يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٩)
وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (١٠) إِلاَّ مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (١١) وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (١٢) فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٣) وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٤)
القراآت:
إِنِّي آنَسْتُ بفتح الياء: أبو جعفر ونافع وابن كثير وأبو عمرو. بِشِهابٍ منونا على أن قبسا وهو بمعنى مقبوس بدل أو صفة: عاصم وحمزة وعلي وخلف ورويس.
الباقون بالإضافة مَنْ فِي النَّارِ ممالة: عليّ غير ليث وأبي حمدون وحمدويه وحمزة وفي رواية ابن سعدان والنجاري عن ورش وأبو عمرو غير إبراهيم بن حماد وكذلك في «القصص».
الوقوف:
طس هـ مُبِينٍ هـ لا بناء على أن هُدىً حال والعامل معنى الإشارة

صفحة رقم 291

في تِلْكَ أو هو مرفوع بدلا من ال آياتُ أو خبرا بعد خبر وإن كان التقدير هي هدى به فلك الوقف لِلْمُؤْمِنِينَ هـ لا لأن الَّذِينَ صفتهم يُوقِنُونَ هـ يَعْمَهُونَ هـ ط تنصيصا على أن أُوْلئِكَ مبتدأ مستأنف. الْأَخْسَرُونَ هـ عَلِيمٍ هـ ناراً هـ تَصْطَلُونَ حَوْلَها ط الْعالَمِينَ هـ الْحَكِيمُ هـ لا لعطف الجملتين الداخلتين تحت النداء عَصاكَ ط للعدول عن بيان حال الخطاب إلى ذكر حال المخاطب مع حذف أي فألقاها فحييت وَلَمْ يُعَقِّبْ ط لابتداء النداء الْمُرْسَلُونَ هـ لا لأن «إلّا» إن كان بمعنى «لكن» فالاستدراك يوجب الوصل أيضا. رَحِيمٌ هـ وَقَوْمِهِ ط فاسِقِينَ هـ مُبِينٌ ج هـ للآية والعطف وَعُلُوًّا ط لاختلاف الجملتين وتعظيم الأمر بالاعتبار بعد حذف أي فأغرقناهم الْمُفْسِدِينَ هـ.
التفسير:
تلك الآيات التي تضمنتها هذه السورة آيات القرآن الذي علم أنه منزل مبارك مصدق لما بين يديه وكتاب مبين. فإن أريد به اللوح فآياته أنه أثبت فيه كل كائن، وإن أريد به السورة أو القرآن فالغرض تفخيم شأنهما من قبل التنكير. فآياتهما أن إعجازهما ظاهر مكشوف وفيهما من العلوم والحكم ما لا يخفى، ولأن الواو لا تفيد الترتيب فلا حكمة ظاهرة في عكس الترتيب بين ما هاهنا وبين ما في أول «الحجر». ومعنى كون الآيات هدى وبشرى أنها تزيد في إيمانهم وتبشرهم بالثواب. قال جار الله: يحتمل أن يكون قوله وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ من تتمة الموصول إلا أن الأوجه أن يكون جملة مستقلة ابتدائية شبيهة بالمعترضة بدليل تكرير المبتدأ الذي هو هم فكأنه قيل: وما يؤمن بالآخرة حق الإيقان إلا هؤلاء الجامعون بين الإيمان والعمل الصالح، لأن خوف العاقبة هو الذي يسهل عليهم متاعب التكاليف. وأقول: إنه وصفهم بالإيمان ليكون إشارة إلى معرفتهم المبتدأ، ثم وصفهم بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وهما الطاعة بالنفس والمال، وهذه إشارة إلى وسط. ثم وصفهم بمعرفة المعاد فلا أحسن من هذا النسق. وفيه أن المهتدي بالقرآن حقيقة هو الذي يكون موقنا بأحوال المعاد لا شاكا فيها، آتيا بالطاعات للاحتياط قائلا: إن كنت مصيبا فيها فقد نلت السعادة وإن كنت مخطئا فلم تفتني إلا لذات يسيرة زائلة. ثم أورد وعيد المنكرين للمعاد وإسناد تزيين الأعمال إلى الله ظاهر على قول الأشاعرة، وأما المعتزلة فتأولوه بوجوه منها: أنه استعارة فكأنه لما متعهم بطول العمر وسعة الرزق وجعلوا ذلك التمتع ذريعة إلى اتباع الشهوات وإيثار اللذات فقد زين لهم بذلك أعمالهم. ومنها أنه مجاز حكمي وهو الذي يصححه بعض الملابسات. ولا ريب أن إمهال الشيطان وتخليته حتى زين لهم أعمالهم كما قال وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ [النمل: ٢٤] ملابسة ظاهرة للتزيين. ومنها أنه أراد زينا

صفحة رقم 292

لهم أمر الدين ولا يلزمهم أن يتمسكوا به وذلك بأن بينا لهم حسنه وما لهم فيه من الثواب فَهُمْ يَعْمَهُونَ يعدلون ويتحيرون عما زينا لهم قاله الحسن لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ أي القتل والأسر كيوم بدر. ثم مهد مقدمة لما سيذكر في السورة من الأخبار العجيبة فقال وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ لتؤتاه وتلقنه من عند أيّ حكيم وأيّ عليم. وإِذْ قالَ منصوب ب عَلِيمٍ أو باذكر كأنه قيل: خذ من آثار حكمته وعلمه قصة موسى العجيبة الشأن. والخبر خبر الطريق لأنه كان قد ضله. وفي قوله سَآتِيكُمْ مع قوله في «طه» و «القصص» لَعَلِّي آتِيكُمْ [طه: ١٠] دليل على أنه كان قوي الرجاء إلا أنه كان يجوّز النقيض، وعد أهله بأنه يأتيهم بأحد الأمرين وإن أبطأ لبعد المسافة أو غيره. قالوا: في «أو» دليل على أنه جزم بوجدان أحد الأمرين ثقة بعناية الله تعالى أنه لا يكاد يجمع بين حرمانين على عبده والاصطلاء بالنار الاستدفاء بها والاجتماع عليها وإنما خصت هذه السورة بقوله فَلَمَّا جاءَها وقد قال في «طه» و «القصص» فَلَمَّا أَتاها [طه: ١١] نُودِيَ لأنه كرر لفظ آتِيكُمْ هاهنا بخلاف السورتين فاحترز من تكرار ما يقاربه في الاشتقاق مرة أخرى.
وأَنْ مفسرة لأن النداء فيه معنى القول لا مخففة من الثقيلة بدليل فقدان «قد» في فعلها.
قال جار الله: معنى بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ بورك من في مكان النار، ومن حول مكانها، ومكانها البقعة التي حصلت النار فيها كما قال في القصص نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ [القصص: ٣٠] وسبب البركة حدوث أمر ديني فيها وهو تكليم الله إياه وإظهار المعجزات عليه. وقيل: معنى بورك تبارك، والنار بمعنى النور أي تبارك من في النار وهو الله سبحانه مروي عن ابن عباس. وعن قتادة والزجاج أن من في النار هو نور الله، ومن حولها الملائكة. وقال الجبائي: ناداه بكلام سمعه من الشجرة في البقعة المباركة وهي الشام فكانت الشجرة محلا للكلام والمتكلم هو الله بأن خلقه فيها، ثم إن الشجرة كانت في النار ومن حولها الملائكة. وقيل: من في النار هو موسى لقربه منها، ومن حولها الملائكة. وفي الابتداء بهذا الخطاب عند مجيء موسى بشارة له بأنه قد قضي أمر عظيم تنتشر منه البركة في أرض الشام.
وفي قوله وَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ تنزيه له عما لا يليق بذاته من الحدوث والحلول ونحوهما مما هو من خواص المحدثات، وتنبيه على أن الكائن من جلائل الأمور التي لا يقدر عليها إلا رب العالمين. والهاء في إِنَّهُ إما للشأن وإما راجع إلى ما دل عليه سياق الكلام أي أن المتكلم أَنَا وعلى هذا فالله مع وصفيه بيان لانا وفيه تلويح إلى ما أراد إظهاره عليه، يريد أنا القادر القوي على إظهار الخوارق الحكيم الذي لا يفعل جزافا

صفحة رقم 293

ولا عبثا. وقوله وَأَلْقِ عَصاكَ معطوف على بُورِكَ وكلاهما تفسير ل نُودِيَ والمعنى:
قيل له بورك وألق: ومعنى لَمْ يُعَقِّبْ لم يرجع يقال: عقب المقاتل إذا كر بعد الفر.
وإنما اقتصر هاهنا على قوله لا تَخَفْ ولم يضف إليه أقبل كما في «القصص» لأنه أراد أن يبني عليه قوله إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ وسبب نفي الخوف عن الرسل مشاهدة مزيد فضل الله وعنايته في حقهم. ثم استثنى من ظلم منهم بترك ما هو أولى به، وقد مر بحث عصمة الأنبياء في أول «البقرة». وفي الآية لطائف وإشارات منها: أنه أشار بقوله إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ إلى أن موسى قد جعل رسولا. ومنها أنه أشار بقوله إِلَّا مَنْ ظَلَمَ إلى ما وجد من موسى في حق القبطي، وبقوله ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ أي توبة بعد ذنب إلى قول موسى رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي [القصص: ١٦] وقرىء «ألا» بحرف التنبيه.
ومنها أنه أشار بقوله ثُمَّ بَدَّلَ معطوفا على ظَلَمَ إلى أن النبي المرسل بدّل النية ولم يصر على فعله وإلا كان هذا العطف مقطوعا عن الكلام ضائعا، فإنه إذا ظلم ولم يبدل كان خائفا أيضا. ومنها أنه أشار بقوله فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ إلى أن الخوف وإن لحق المستثنى إلا أنه منفي عنه أيضا بسبب غفرانه ورحمته، فنفي الخوف ثابت على كل حال فهذا الاستثناء قريب من تأكيد المدح بما يشبه الذم كقوله:
هو البدر إلا أنه البحر زاخر وكقوله:

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب
وهذه اللطائف مما سمح بها الخاطر أوان الكتابة أرجو أن تكون صوابا إن شاء العزيز.
قوله وَأَدْخِلْ يَدَكَ وفي «القصص» اسْلُكْ يَدَكَ [القصص: ٣٢] موافقة لأضمم ولأن المبالغة في أَدْخِلْ أكثر منها في اسْلُكْ لأن سلك لازم ومتعد. وهناك قال فَذانِكَ بُرْهانانِ [القصص: ٣٢] وهاهنا قال فِي تِسْعِ آياتٍ وكان أبلغ في العدد فناسب الأبلغ في اللفظ. قال النحويون: متعلق الجار محذوف مستأنف أي أذهب في تسع آيات. أو المراد وأدخل يدك في تسع أي في جملتهن وعدادهن، اذهب إلى فرعون. وتفسير التسع قد مر في آخر «سبحان» وإنما قال هاهنا إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ دون أن يقول وَمَلَائِهِ [الآية: ٣٢] كما في القصص لأن الملأ أشراف القوم وقد وصفهم هاهنا بقوله فَلَمَّا جاءَتْهُمْ إلى قوله ظُلْماً وَعُلُوًّا فلم يناسب أن يطلق عليهم لفظ ينبىء عن المدح. ومعنى مُبْصِرَةً ظاهرة بينة كأنها تبصر بطباق العين فتهدي، ويجوز أن يكون الإبصار مجازا باعتبار إبصار صاحبها وهو

صفحة رقم 294

كل ذي عقل أو فرعون وقومه. والواو في وَاسْتَيْقَنَتْها للحال وقد مضمرة وفي زيادة أَنْفُسُهُمْ إشارة إلى أنهم أظهروا خلاف ما أبطنوا والاستيقان أبلغ من الإيقان. وقوله ظُلْماً وَعُلُوًّا أي كبرا وترفعا مفعول لأجلهما. وقرىء مُبْصِرَةً بفتح الميم نحو «مبخلة» قرأها علي بن الحسين وقتادة والله أعلم.
التأويل:
طا طلب الطالبين، وسين سلامة قلوبهم من تعلقات غير الله، تلك دلالات القرآن وشواهد أنواره وَكِتابٍ مُبِينٍ فيه بيان كيفية السلوك ولذلك قال هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ بالوصول إلى الله الذين يستقيمون في المعارج لحقائق الصلوات ويؤتون الزكاة أموالهم وأحوالهم بالإضافة على المستحقين زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ الدنيوية النفسانية فَهُمْ يَعْمَهُونَ لعمي قلوبهم عن رؤية الآخرة ونعيمها، ولا يكون في عالم الآخرة أعمى إلا كان أصم وأبكم ولهذا
قال ﷺ «حبك للشيء يعمي ويصم» «١»
فبحب الدنيا عميت عين القلب وصمت أذنه وصار أبكم عن العلم اللدني والنطق به، وهو سوء العذاب، وهو الموجب لخسران الدارين مع خسران المولى، وإنما يكون خسران الدارين ممدوحا إذا ربح المولى.
وجد أبو زيد في البادية قحفا مكتوبا عليه خسر الدنيا والآخرة فبكى وقبله وقال: هذا رأس صوفي. وحين أخبر عن مقامات المؤمنين ودركات الكافرين أخبر عن مقام النبي ﷺ بقوله وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ لا من عند جبريل بل مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ تجلى لقلبك بحكمة القرآن عَلِيمٍ يعلم حيث يجعل رسالته. ثم ضرب مثالا لذلك وهو أن موسى القلب لما كشف له أنوار شواهد الحق في ليلة الهوى وظلمة الطبيعة قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ وهم النفس وصفاتها إِنِّي آنَسْتُ ناراً بوادي أيمن السر لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ بتلك النار عن جمود الطبيعة فَلَمَّا جاءَها على قدمي الشوق وصدق الطلب نُودِيَ من الشجرة الروحانية أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي نار المحبة نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة وَمَنْ حَوْلَها كالفراش يريد أن يقع فيها وَأَلْقِ عن يد همتك كل ما تعتمد عليه سوى فضل الله فإنه جان في الحقيقة وَلَّى مُدْبِراً هاربا إلى الله وَلَمْ يُعَقِّبْ لم يرجع إلى غيره فلذلك نودي ب لا تَخَفْ فإن القلوب الملهمة الموصلة إليها الهدايا والتحف والألطاف لا تخاف سوى الله إلّا من ظلم نفسه بالرجوع إلى الغير وَأَدْخِلْ يد همتك في جيب قناعتك تَخْرُجْ بَيْضاءَ نقية من لوث الدارين فِي تِسْعِ آياتٍ من أسباب هلاك النفس وصفاتها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الذين أفسدوا الاستعداد الفطري والله أعلم.

(١) رواه أبو داود في كتاب الأدب باب ١١٦. أحمد في مسنده (٥/ ١٩٤) (٦/ ٤٥٠).

صفحة رقم 295
غرائب القرآن ورغائب الفرقان
عرض الكتاب
المؤلف
نظام الدين الحسن بن محمد بن حسين القمي النيسابوري
تحقيق
زكريا عميرات
الناشر
دار الكتب العلميه - بيروت
سنة النشر
1416
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية