
﴿والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا﴾ قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاًءَاخَرَ﴾ يعني لا يجعلون لله تعالى
صفحة رقم 156
شريكاً، ولا يجعلون بينهم وبينه في العبادة وسيطاً. ﴿وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ﴾ يعني حرم قتلها، وهي نفس المؤمن والمعاهد. ﴿إِلاَّ بِالْحَقِّ﴾ والحق المستباح به قتلها، ما روي عن النبي ﷺ أنه قال: (لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِىءٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِِإِحْدَى ثَلاَثٍ: كُفرٍ بَعْدَ إِيمَانٍ، أَوْ زِنىً بَعْدَ إِحْصَانٍ، أَوْ قَتْل نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ). ﴿وَلاَ يَزْنُونَ﴾ والزنى إتيان النساء المحرمات في قبل أو دبر، واللواط زنى في أحد القولين وهو في القول الثاني موجب لقتل الفاعل والمفعول به، وفي إتيان البهائم ثلاثة أقاويل: أحدها: أنه كالزنى في الفرق بين البكر والثيب. الثاني: أنه يوجب قتل البهيمة ومن أتاها للخبر المأثور فيه. الثالث: أنه يوجب التعزير. فجمع في هذه الآية بين ثلاث من الكبائر الشرك وقتل النفس والزنى، روى عمرو بن شرحبيل عن ابن مسعود قال: قلت: يا رسول الله (أو قال غيري): أي ذنب أعظم عند الله؟ قال: (أَن تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدّاً وَهُوَ خَلَقَكَ) قال: ثم أي؟ قال: (أَن تَقْتُلَ وَلَدَكَ خِيفَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ) قال: ثم أيّ. ؟ قال: (أَنْ تُزَانِي حَلِيلَةَ جَارِكَ) قال فأنزل الله ذلك. ﴿وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ﴾ يعني هذه الثلاثة أو بعضها ﴿يَلْقَ أَثَاماً﴾ فيه ثلاثة أوجه:
صفحة رقم 157
: أحدها: أن الأثام العقوبة قاله بلعام بن قيس:
(جزى اللَّه ابن عروة حيث أمسى | عقوقاً والعقوق له أثام) |
(لقيت المهالك في حربنا | وبعد المهالك تلقى أثاما) |
(وإن مقامنا ندعو عليكم | بأبطح ذي المجاز له أثامُ) |

حمزة إلى النبي صلى الله عليه وسلم: هل من توبة؟ فإن الله أنزل بمكة إياسي من كل خير ﴿وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاًءَاخَرَ﴾ الآية وإن وحشياً قد فعل هذا كله، وقد زنى وأشرك وقتل النفس التي حرم الله، فأنزل الله ﴿إلاَّ مَن تَابَ﴾ أي من الزنى وآمن بعد الشرك وعمل صالحاً بعد السيئات، فكتب بها رسول الله ﷺ إليه فقال وحشي: هذا شرط شديد ولعلي لا أبقى بعد التوبة حتى أعمل صالحاً، فكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هل من شيء أوسع من هذا؟ فأنزل الله ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ﴾ [النساء: ٤٨، ١١٦]، فكتب بها رسول الله ﷺ إلى وحشي. فأرسل وحشي إلى النبي صلى الله عليه وسلم: إنى لأخاف أن لا أكون في مشيئة الله، فأنزل الله في وحشي وأصحابه ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرًُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً﴾ [الزمر: ٥٣] الآية. فبعث بها رسول الله ﷺ إلى وحشي إلى النبي ﷺ فأسلم.
صفحة رقم 159