آيات من القرآن الكريم

وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا
ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ ﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ

قوله عز وجل: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ يعني: اتخذ هوى نفسه إلهاً، يعني: يعمل بكل ما يدعوه إليه هواه. ويقال: إنهم كانوا يعبدون حجرا، فإذا رأوا أحسن منه تركوا الأول، وعبدوا الثاني أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا يعني: أتريد أن تكون بيدك المشيئة في الهدى والضلالة، ويقال: معناه أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا يعني: أتريد أن تكون رباً لهم، فتجزيهم بأعمالهم، يعني: لست كذلك، فأنذرهم، فإنما أنت منذر.
ثم قال عز وجل: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يعني: أتظن أنهم يريدون الهدى يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ الهدى إِنْ هُمْ يعني: ما هم إِلَّا كَالْأَنْعامِ في الأكل والشرب، ولا يتفكرون في أمر الآخرة، بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا يعني: أخطأ طريقاً من البهائم، لأن البهائم ليسوا بمأمورين ولا منهيين.
وقال مقاتل: البهائم تعرف ربها وتذكره، وكفار مكة لا يعرفون ربهم، فيوحدونه.
قوله عز وجل: أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ قال بعضهم: فيه تقديم، ومعناه: ألم تر إلى الظل كيف مده ربك. وقال بعضهم: فيه مضمر، ومعناه: ألم تر إلى صنع ربك كيف مد الظل؟ يعني: بسط الظل بعد انفجار الصبح إلى طلوع الشمس وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً يعني:
دائماً كما هو لا شمس معه، كما يكون في الجنة ظل ممدود، ويقال: تلك الساعة تشبه ساعات الجنة إلا أن الجنة أنور ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا حيث ما تكون الشمس يظهر الظل.
وقال القتبي: إنما يكون دليلاً، لأنه لو لم تكن الشمس لم يعرف الظل، لأن الأشياء تعرف بأضدادها ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً أي: الظل بعد غروب الشمس، وذلك أن الشمس إذا غابت عاد الظل، وذلك وقت قبضه، لأن ظل الشمس بعد غروب الشمس لا يذهب كله جملة، وإنما يقبض الله ذلك الظلّ قبضاً خفياً شيئاً بعد شيء، فدلّ الله تعالى بهذا الوصف على قدرته، ولطفه في معاقبته بين الظل والشمس لمصالح عباده، وبلاده. ويقال: ثم قَبَضْناهُ، أي:
قبضناه سهلاً. ويقال: يسيراً عند طلوع الشمس، ويقال: ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً يعني: هيناً سهلاً.
ويقال: يَسِيراً يعني: خفياً، فلا يدري أحد أين يصير، وكيف يصير ويقال: ثُمَّ قَبَضْناهُ يعني: رفعناه رفعاً خفيفاً.
ويقال قوله: ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا أي: على الأوقات في النهار ليعرف زوال الشمس وأوقات الصلاة.
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٤٧ الى ٥٢]
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً (٤٧) وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ مَآءً طَهُوراً (٤٨) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً (٤٩) وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً (٥٠) وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً (٥١)
فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً (٥٢)

صفحة رقم 540

قوله عز وجل: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً يعني: سكناً لتسكنوا فيه. ويقال:
لِباساً يعني: ستراً يستر جميع الأشياء وَالنَّوْمَ سُباتاً يعني: راحة للخلق ليستريحوا فيه بالنوم وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً أي: للنشور ينتشرون فيه لابتغاء الرزق.
ثم قال عز وجل: وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً يعني: تنشر السحاب، والاختلاف في القراءات كما ذكرنا في سورة الأعراف بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ يعني: قدام المطر وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ مَآءً طَهُوراً يعني: مطهراً يطهر به الأشياء، ولا يطهر بشيء لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً يعني:
أرضاً لا نبات فيها، فينبت بالمطر وَنُسْقِيَهُ يعني: نسقي بالمطر مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً وهو جماعة الإنس يعني: نسقي به الناس والدواب، لفظ البلدة مؤنث، إلا أن معنى البلدة والبلد واحد، فانصرف إلى المعنى، ولو قال: ميتة، لجاز إلا أنه لم يقرأ.
ثم قال عز وجل: وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ يعني: قسمناه بين الخلق. ويقال: نصرفه من بلد إلى بلد، مرة بهذا البلد، ومرة ببلد آخر. كما روي عن ابن مسعود أنه قال: «ما من عام بأمطر من عام، ولكن الله تعالى يصرفه حيث يشاء»، فذلك قوله وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ- وكما روي عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «ما من سنة بأمطر من الأخرى ولكن إذَا عَمِلَ قَوْمٌ بِالمَعَاصِي، حَوَّلَ الله ذلك إلَى غَيْرِهِمْ، فَإذَا عَصَوْا جَمِيعاً، صَرَفَ الله ذلك إلَى الفَيَافِي وَالبِحَارِ» وقال ابن عباس رضي الله عنه: «ما من عام، بأكثر من عام ولكن يصرفه حيث يشاء» فذلك قوله: ولكن يصرفه حيث يشاء «١» -.
لِيَذَّكَّرُوا يعني: ليتعظوا في صنعه، فيعتبروا في توحيد الله تعالى، فيوحدوه. وقرأ حمزة والكسائي لّيَذْكُرُواْ بالتخفيف، وضم الكاف. وقرأ الباقون بالتشديد والنصب.
ثم قال: فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً يعني: كفراناً في النعمة، وهو قولهم: مطرنا بنوء كذا، ويقال: إلا جحوداً وثباتاً على الكفر.
قوله عز وجل: وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا قال مقاتل: ولو شئنا لبعثنا في زمانك فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً يعني: رسولاً، ولكن بعثناك إلى القرى كلها رسولاً اختصصناك بها فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وذلك حين دعوه إلى ملة آبائهم وَجاهِدْهُمْ بِهِ أي بالقرآن جِهاداً كَبِيراً يعني: شديداً.

(١) ما بين معقوفتين ساقط من النسخة: «أ».

صفحة رقم 541
بحر العلوم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية