
تفسير سورة الفرقان عدد ٤٢- ٢٥
نزلت بمكة بعد سورة يس وهي سبع وسبعون آية، وثلاثمائة واثنتان وتسعون كلمة، وثلاثة آلاف وسبعمائة وثلاثون حرفا، ويوجد في القرآن سورتان مبدوءتان بلفظ تبارك هذه وسورة الملك، ومنها الآيات ٦٨ و ٦٩ و ٧٠ نزلن بالمدينة، وما قيل إنها نزلت في مسجد قباء بالمدينة لا صحة له، وإنما قرأها ﷺ بالمدينة، عند هجرته إليها كسائر السور التي نزلت بمكة للاطلاع عليها والتقيد بما فيها من أمر ونهي وغيره.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قال تعالى «تَبارَكَ» علوه وتعالى عزّه وتعاظم مجده، وتسامى جلاله، وتكاثر خيره، وتعمم عطاؤه وبره، وتنزه عن صفات خلقه جنابه، وتبرأت عن كل نقص حضرته، واعلم أن فعل تبارك وتعالى لا يسندان لغيره عز وجل ولا ينصرفان غالبا لمشابهتهما اسم الفعل، وكرر في الآيتين ١٠ و ٦١ منها، وفي الآية ٣٥ من الأعراف المارة، وفي الآية ٤٣ من الزخرف وفي الآية ٦٣ من المؤمن وفي الآية ١٤ من المؤمنين في ج ٢ وفي الآية ٧٨ من من سورة الرحمن، وأول تبارك الملك في ج ٣. قال الحسن معناه تزايد خيره وتكاثر عطاؤه، وذلك لأنه مأخوذ من البركة لمجمع الماء ولذلك قالوا: معناه دام لدوام الماء فيها عند كبرياء «الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ» الفارق بين الحق والباطل ولفظه يدل على الكثير، لأنه مصدر فرق فرقا، وهذا فرقان، وزيادة المبني تدلّ غالبا على زيادة المعنى، والفرق الفصل بين الشيئين بما يدركهما البصر أو البصيرة وقيل إذا كان بين الأجسام يقال تفريق، وإذا كان بين المعاني يقال فرق. والمراد به القرآن العظيم بدليل قوله جل علاه «عَلى عَبْدِهِ» محمد صلى الله عليه وسلم، وهو أحب أسمائه إليه ولهذا كرره في سورة الكهف وفي الآية ٣٦ من سورة الزمر في ج ٢ وفي الآية ١٠ من سورة الحديد والآية ٢٣ من البقرة والآية ٤١ من الأنفال في ج ٣ وفي الآية ١٠ من سورة النجم والآية ١٩ من سورة الجن المارتين. وقد صفحة رقم 65
أضيف إلى ضمير المتكلم والغائب وإلى اسم الكريم إضافة تشريف، ولا شك أن العبودية أفضل من العبادة لبقائها في الآخرة، وإنما أنزلنا على عبدنا هذا القرآن «لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً» ١ محظرا ومخوفا وزاجرا ومحذرا من سوء العاقبة لمن لم يؤمن به في العالمين أجمع أحمرهم وأخضرهم، أسودهم وأبيضهم، إنسهم وجنهم، لان أل فيه للجنس، فيعم جميع أفراده، وفيها دليل قاطع لا يحتمل التأويل على أن محمدا ﷺ مرسل برسالة عامة للخلق كافة خلافا لما يقوله من لا ثقة به من أن رسالته خاصة بالعرب. وقد بينا ما يتعلق بهذا في الآية ١٥٨ من سورة الأعراف وله صلة في تفسير الآية ٢٨ من سورة سبأ في ج ٢، وتدل هذه الآية صراحة على أنه مرسل لجميع الناس على اختلاف مللهم ونحلهم. وقرأ ابن الزبير للعالمين بالتثنية، يريد الإنس والجن وقراءتها بالجمع أحسن، وعليها المصاحف. وفي تقديم الجار والمجرور على المتعلق تشويق للسامع بانتظار ما بعده، ومراعاة لفواصل الآي، لأن أكثرها جاءت على نسق واحد في هذه السورة كالإسراء وطه ومريم الآتيات والقمر والمرسلات المارتين وسورة الرحمن والإنسان في ج ٢. ثم وصف نفسه تعالت نفسه بقوله «الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» يتصرف فيهما وفيما بينهما وما فوقهما وتحتهما كما يريد ويختار، لا ينازعه فيها أحد إذ الكل تحت قبضته. واعلم أن لفظ الملك يطلق على الأرض، والملكوت على السماء، وما فيهما على الانفراد، وفي حالة الجمع كما في الآية ٧٥ من سورة الأنعام ج ٢ والآية ١٧٤ من سورة الأعراف المارّة، ويجوز استعمال أحدهما مكان الآخر، راجع تفسير الآية ٨٩ من سورة الأنبياء في ج ٢ «وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً» كما يقوله الظالمون لعدم حاجته إليه «وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ» يعاونه على تدبيره أو لا يعاونه، لأنه العظيم المدبر له وحده الجليل المنفرد في أمره الرحيم المستقل بشؤونه. وفيها ردّ على من يقول من العرب واليهود والنصارى بأن الملائكة وعزير والمسيح أبناؤه، وعلى التنويه القائلين بتعدد الآلهة وبأن خالق النور غير خالق الظلمة، وخالق الخير غير خالق الشر، تعالى الله في ذلك وتنزه
صفحة رقم 66
«وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ» من المكونات الأرضية والسماوية «فَقَدَّرَهُ» هيأه لما يصلح إليه، وما يليق به وما يكون منه «تَقْدِيراً» ٢ بديعا لا يبلغ كنهه أحد سبحانه خلق ووفق وسوى وهيأ لكل حيوان وشيء ما يناسبه ويحتاجه وقدر سائر مخلوقاته، وأحسن كل شيء خلقه، وهداه لما يحتاجه ويسر له ما يلزم، فهيأ للإنسان الفهم والإدراك والنظر والتدبر في أمور المعاش والمعاد واستنباط الصنايع المتنوعة ومزاولة الأعمال المختلفة، وجعل له فكرا واسعا كلما استعمله انصقل وازداد في المعارف الكونية، وهكذا سائر مخلوقاته يسرها لمنافعها
، وسهل عليها ما تحتاجه «وَاتَّخَذُوا» مع هذا كله «مِنْ دُونِهِ آلِهَةً» من الجماد والحيوان ومما صنعته أيديهم «لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً» البتة إنسانا ولا حيوانا ولا جمادا «وَهُمْ يُخْلَقُونَ» من قبل عبدتهم لأنهم ينحتونها ويصوغونها ويصورونها وينجزونها بأيديهم وهم مخلوقون بخلقنا، قال تعالى (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) الآية ٩١ من الصافات الآتية «وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً» فعجزهم عن نفع وضر غيرهم من باب أولى، لأن من لا يستطيع أن يحفظ نفسه فكيف يدافع عن غيره «وَلا يَمْلِكُونَ» كرره تأكيدا لبيان عجزهم وضعفهم «مَوْتاً» لأحد في الدنيا لأنهم ميتون فيها «وَلا حَياةً» لمن يموت في الدنيا «وَلا نُشُوراً» ٣ في الآخرة ليحيوا فيها حياة دائمة في الجنة، فالإله الذي يستحق العبادة هو من يقدر على أن يميت في الدنيا، ويحيي في الآخرة من يميته، وينعمه بالجنة إذا كان صالحا، ويعذبه بالنار إذا كان كافرا، فالذي لا يقدر على شيء من هذا كالآلهة المتخذة، يجب أن تهان وتداس لأنها لا ترضي ولا تخشى، فكيف يليق أن تكون آلهة فأعرضوا أيها الناس عن هذه الأوثان، واعبدوا الإله القادر على كل شيء الفعال لما يريد، مالك الملك والملكوت، المنصرف به إيجادا وإعداما، النافع الضار، المحيي المميت الذي يؤمل خيره ويخشى ضره ويحذر شره «وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ» ما «هَذا» الذي يتلوه عليكم محمد ويحسنه لكم ويرغبكم فيه ويأمركم باتباعه على أنه كلام الله ما هو «إِلَّا إِفْكٌ» كذب محض «افْتَراهُ» اختلقه من تلقاء نفسه واخترعه من تصوراته

وليس كما يزعم أنه كلام الله أنزله عليه، كلا وإنما زوره هو «وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ» يعنون عدّاسا وعايشا مولى حويطب بن عبد العزّى ويسار مولى العلاء ابن الحضرمي وجبر مولى عامر، لأنهم من أهل الكتاب يحسنون قراءة التوراة والإنجيل والزّبور، وكان ﷺ يتعاهدهم رأفة بهم، لا أنه يتعلم منهم، فهم أعجز من أن ينطقوا بآية من القرآن لأنهم أعاجم، وقال المبرد عنوا جماعة من المؤمنين، لأن لفظ آخر لا يكون إلا من جنس الأول، وقد غفل عن أن الاشتراك في الوصف غير لازم، ألا يرى قوله تعالى (فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ) الآية ١٣ من سورة آل عمران في ج ٣، فإن الأخرى فيها ليست من جنس الأولى من حيث الوصف، مما يدل على أن اللزوم الذي ذكره غير لازم كلزوميات المعرّي إذ سماها لزوم ما لا يلزم، وذلك أنه ألزم على نفسه فيها أن يكون حرف الرويّ وما قبله من جنس واحد من كل ما نظمه هناك، وهو غير لازم في أصول الشعر. وما قيل إن المراد بهم اليهود فغير صحيح، لأن اليهود لم يجالسوا الرسول في مكة، وكل ما وقع منهم معه في المدينة وهذه السورة مكية عدا الآيات المستثنيات الآتية وهذه ليست منها، وقال جل المفسرين إنها نزلت في النضر بن الحارث بن عبد الدار وجماعته رؤوس الكفر القائلين إن هذا القرآن ليس من عند الله وإنما هو من نفس محمد وأعوانه، فأكذبهم الله بقوله «فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً» لجعلهم العربي الفصيح يتلقن من الرومي والبربري، وكلام الله أعجز البلغاء بيانه وأفحم العقلاء معناه، وهؤلاء لا يقدرون على فهمه فضلا عن تعليمه فما جاءوا به تعسفا «وَزُوراً» ٤ لاتهامهم حضرة الرسول بنسبه ما هو بريء منه، كما هو منزه عما وصموه به من السحر والكهانة وشبهها في آيات أخرى «وَقالُوا» أيضا ما هذا القرآن إلا «أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ» خرافاتهم «اكْتَتَبَها» عن غيره «فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا» ٥ صباح ماء ليحفظها خفية قبل أن ينتشر خبرها بين الناس، وبعد انتهائه من كتابتها صار يتلوها علينا ويقول إن الله أوحاها إليه. واعلم أن هذه وأشباهها مما فيها لفظ أساطير الأولين
صفحة رقم 68
قد قال فيها ابن عباس إنها من جملة ثمان آيات في معناها، نزلت في النظر المذكور أعلاه ويراد بها أخبارهم البالية غير المخطوطة المحققة، كما تقول الآن عند ما تسمع حكاية غير معقولة هذه خرافة وإسرائيلية، أي لا قيمة لها لعدم الجزم بصحتها لانها لم تنقل عن حديث صحيح وسند حسن، ولهذا أمره الله بأن يردّ عليهم بقوله عز قوله «قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ» كل أمر خفي عن القلب فضلا عن غيره مما هو «فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ»
ومما تسرونه أنتم وليس كما تزعمون وتقولون «إِنَّهُ كانَ غَفُوراً» دائم المغفرة أزلا وأبدا «رَحِيماً» ٦ مستمر الرحمة لعباده لا يعجل العقوبة ويمهل عباده علهم يتوبوا ويرجعوا، ولا يهمل من بصر على كفره، وأحب شيء إليه رجوع عبده إليه، فقد جاء عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: (الله أشدّ فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح) - رواه الشيخان والترمذي-. أما الذي لا يتوب ومات على كفره فقد أعد له من العذاب ما لا تقواه قواه، والمعنى أن الذي أتلوه عليكم أيها الناس هو كلام الله، فمن اتبعه أوصله إلى الجنة، ومن كفر به أدى به كفره إلى النار، فآمنوا به لعلكم تفوزون في الدنيا والآخرة «وَقالُوا» أيضا مدعمين أقوالهم الواهية المارة بما هو أوهى منها وهو «مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ» كما نأكل «وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ» كما نمشي يبتغي الرزق مثلنا فمن كان رسولا يجب ان يكون ملكالا بشرا مثلنا يأكل ويتطلب الرزق ويحتاج إلى البشر «لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ» ردا له إذا لم يكن هو ملكا، وهذا على زعمهم أنهم نزلوا إلى درجة أدنى مما قبلها والحال أنها أكبر «فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً» ٧ للبشر ليصدقه في قوله ويقويه في أمره ثم تنزلوا إلى ما هو أدنى أيضا بوهمهم فقالوا أو يلقى إليه كنز من السماء يكتفي به عن السعي كآحاد الناس إذ لا يليق بمن يدعي هذه الدعوة أن

يساوي الناس، بل يجب أن يتنزه عن مضاهاتهم في المأكل والمشرب والملبس والعمل، ثم تنزلوا عما هو أقل من ذلك كله «أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها» على الأقل فيسدّ بها حاجته ويمتاز بها عما من شأن الغير وهم يعلمون أنه ما احتاج قط إلى غيره منذ نشأته بينهم إلا لربّه «وَقالَ الظَّالِمُونَ» وضع الظاهر موضع المضمر تسجيلا عليهم بالظلم في قولهم «إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً» ٨ مخدوعا مجنونا وقد وصموه بهذا بعد أن وصموه بالشعر والكهانة ووصموا كلام الله بأنه مفترى، وأنه من أساطير الأولين، وانه تعلمه من الغير وانه مملى عليه، إلى غير ذلك.
مطلب اجتماع أشراف قريش مع حضرة الرسول.
أخرج ابن إسحاق وابن المنذر وابن جرير عن ابن عباس أن عتبة وشيبة ابني ربيعة وأبا سفيان بن حرب والنضر بن الحارث وأبا البحتري والأسود ابن المطلب وزمعة بن الأسود والوليد بن المغيرة وأبا جهل بن هشام وعبد الله بن أمية وأمية ابن خلف والعاص بن وائل ونبيه ومنبه ابني الحجاج، اجتمعوا فقال بعضهم لبعض ابعثوا إلى محمد وكلموه وخاصموه حتى تعذروا فيه إذا لم يقبل منكم ما تعرضو عليه من الأمر، فبعثوا إليه ان أشراف قومك اجتمعوا ليكلموك فاحضر، فجاء ولما استقر به المقام، قالوا يا محمد، إنا بعثنا إليك لنعتذر منك، فان كنت إنما جئت بهذا الأمر تطلب به مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أغنانا وإن كنت تطلب الشرف نسوّدك بأن نجعلك سيدا علينا، وان كنت تريد الملك أيضا ملكناك علينا، فقال صلى الله عليه وسلم: ما لي مما تقولون ما جئنكم بما جئنكم أطلب أموالكم أو الشرف فيكم أو الملك عليكم، ولكن الله بعثني رسولا إليه وأنزل علي كتابا وأمرني أن أكون بشيرا بجنته ورضاه إن أطعتم، ونذيرا من سخطه وعذابه إن أبيتم، وإني بلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم، فإن تقبلوا مني ما جئنكم به فهو حظكم بالدنيا والآخرة، وان تردّوه عليّ أصبر لأمر الله تعالى حتى يحكم بيني وبينكم. قالوا يا محمد، فإن كنت غير قابل منا شيئا مما عرضناه

عليك فاسأل لنفسك ربّك أن يبعث معك ملكا يصدقك بما تقول ويراجعنا عنك، أو سله أن يجعل لك كنزا أو جنة تغنيك عما تبتغي حتى نعرف فضلك لديه، ومنزلتك عنده، إن كان ما تزعمه صحيحا، لأنه لا يجدر بك وأنت على دعوتك هذه أن تمشي بالأسواق وتلتمس المعاش مثلنا فقال صلى الله عليه وسلم: ما أنا بفاعل، ما أنا بالذي يسأل ربه، وما بعثت إليكم بهذا، وما أنا إلا بشر مثلكم. فتفروا منه وقالوا ما قالوا قال تعالى «انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ» التي لا علاقه لها بالرسالة ولا فائدة لهم بها فضلا عن أنها غير معقولة «فَضَلُّوا» بها طريق الهدى ومنهج الصواب «فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا» ٩ يخرجون منه لضعف حجتهم، ولا يقدرون أن يستدلّوا بدليل على ما قالوه وان ما وصموك به لا حجه لهم به ولا برهان كما انهم لا طريق لهم للرشد فلا يؤمنوا بما انزل إليك ولا يقدرون على مباراتك، وإنا نعلم قولهم هذا كما نعلم جوابك لهم القاطع لقلوبهم قبل أن تقوله لهم «تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ» يا سيد الرسل «خَيْراً مِنْ ذلِكَ» الذي عرضه عليك قومك وخيرا مما اقترحوه عليك وكلفوك بقبوله «جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ» دائمة مستمرة في جنان الدنيا والآخرة، لا جنة فانية مثل جنان هذه الدار «وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً» ١٠ بديعة من صنعه لا من صنع خلقه، عظيمة يعجز عن إنشاء مثلها البشر أجمع مثل قصور الآخرة، وهو قادر على أن يجعل لك ذلك كله في الدنيا، ولكن لا يريده لك فيها، بل إنه هيأها لك، خبأها للدار الآخرة، وذلك لعلمه جل علمه أنه ﷺ غير ميّال إلى الدنيا وزخارفها، لذلك قال إن شاء، وإلا لكونها له حال سؤالهم له. يدل على هذا ما جاء عن أبي أمامة أن النبي ﷺ قال عرض علي ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا، قلت لا يا رب، ولكن أشبع يوما وأجوع يوما فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك، وإذا شبعت حمدتك وشكرتك. وجاء عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو شئت «ما كلفني به ربي» لسارت معي جبال مكة ذهبا، جاءني ملك ان حجزته تساوي الكعبة «مقعد
صفحة رقم 71