الكافرين بشدة ذلك اليوم وعسرته (١).
وذكر المفسرون: أن ذلك اليوم يهون على المؤمنين [بدلالة الخطاب؛ وذلك أنه لما ذكر شدته على الكفار كان مفهومه أنه يهون على المؤمنين] (٢) فدل تفسير المفسرين لهذه الآية على مسألة المفهوم (٣).
٢٧ - قوله: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ﴾ اختلف المفسرون في سبب نزوله. فقال مجاهد: إن عقبةَ (٤) دعا مجلسًا فيهم النبي في -صلى الله عليه وسلم- لطعام، فأبى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يأكل، وقال: "لا آكل حتى تشهد أنه لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله" فشهد بذلك عقبة، وطعم النبي -صلى الله عليه وسلم- من طعامه. فبلغ ذلك أمية بن خلف (٥) فقال: صبوتَ يا عقبة، وكان خليله، فقال: لا والله ما صبوت فإن أخاك على ما تعلم، ولكنْ صنعتُ طعامًا فأبى أن يأكل حتى قلت ذلك،
(٢) ما بين المعقوفين، في (أ)، (ب).
(٣) وأشار إلى هذا الاستدلال القرطبي ١٣/ ٢٤. والمفهوم مقابل للمنطوق، والمنطوق أصل للمفهوم. ودلالة المفهوم، المقصودة هنا هي مفهوم المخالفة. ومعناه: الاستدلال بتخصيص الشيء بالذكر على نفي الحكم عمَّا عداه ويُسمَّى أيضًا دليل الخطاب. "الإحكام" للآمدي ٣/ ٦٣، و"روضة الناظر"، ٢/ ٧٧٥.
(٤) هو: عقبة بن أبي معيط، واسم أبيه: أبان بن ذكوان بن أمية، من مقدمي قريش في الجاهلية، كان شديد الأذى للمسلمين عند ظهور الدعوة، قتله يوم بدر عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، أخو بني عمرو بن عوف. "السيرة النبوية" لابن هشام ٢/ ٣٦٦، و"الأعلام" ٤/ ٢٤٠.
(٥) أمية بن خلف بن وهب الجمحي، من بني لؤي. أحد جبابرة قريش في الجاهلية، أدرك الإسلام ولم يسلم، وهو الذي عذب بلالاً الحبشي -رضي الله عنه- في أولى ظهور الإسلام، قتل يوم بدر. "السيرة النبوية" لابن هشام ٢/ ٢٨٣، و"الأعلام" ٢/ ٢٢
واستحييت أن يخرج من بيتي قبل أن يطعم، فشهدت له وليس من (١) نفسي. هذا قول مجاهد، والكلبي (٢).
وقال ابن سابط: دعا أُمية مجلسًا فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- فقاموا غير النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: لا أقوم حتى تسلمَ وتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فشهد، فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- فلقيه عقبةُ فأنكر عليه، فقال: أنا قلته لطعامنا (٣). وهذا قول ابن عباس في رواية عطاء الخراساني (٤).
وقال السدي: كان عقبة يغشى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهمَّ أن يسلم، فلقيه
(٢) "تفسير مجاهد" ٢/ ٤٥١. وأخرجه عنه ابن جرير ١٩/ ٨ وابن أبي حاتم ٨/ ٢٦٨٣. و "تنوير المقباس" ص ٣٠٢. وذكره ابن قتيبة، في تأويل مشكل القرآن ٢٦٢، عن ابن عباس رضي الله عنهما. ثم بين أن الآية عامة؛ فقال: فأراد سبحانه بـ ﴿الظَّالِمُ﴾ كل ظالم في العالم، وأراد بـ: فلان، كل من أطيع بمعصية الله، وأرضي بإسخاط الله، واستشهد على أن الظالم يراد به جماعة الظالمين، بقوله تعالى: ﴿وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا﴾ [النبأ: ٤٠]. وقد ردُّ -رحمه الله- في ص: ٢٦٠، على من ذهب إلى أنها نازلة في أبي بكر، وعمر رضي الله عنهما، ونعتهم: بالمتسمين بالمسلمين. وصرح الرازي ٢٤/ ٧٥، بانهم الرافضة، حيث قالوا: هذا الظالم رجل بعينه، وإن المسلمين غيروا اسمه، وكتموه، وجعلوه: فلاناً! قال الرازي في الرد عليهم: المقصود من الآية زجر الكل عن الظلم، وذلك لا يحصل إلا بالعموم، وأما قول الرافضة فذلك لا يتم إلا بالطعن في القرآن، وإثبات أنه غير وبدل، ولا نزاع في أنه كفر.
(٣) نسبها السيوطي ٦/ ٢٥٢، لابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم. ولم أجد هذه الرواية في تفسير ابن أبي حاتم المطبوع.
(٤) أخرج عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٦٨، روايتين، عن ابن عباس رضي الله عنهما من طريق: مِقْسَم، نحواً من هذا. وأخرجه ابن جرير ١٩/ ٨، من طريق عطاء الخراساني. وذكره الثعبي ٨/ ٩٥ ب، وعنه الوا حدي، في "أسباب النزول" ٣٣٣.
أمية بن خلف فقال: يا عقبة، بلغني أنك صبوت. قال: ما فعلت، قال: فوجهى من وجهك حرام حتى تأتيه فتتفل في وجهه! وتتبرأ منه، فيعلم قومك أنك عدو من عاداهم وفرق جماعتهم. فأطاعه، وفعل ذلك واشتد علي النبي -صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله فيه يخبره بما هو صائر إليه (١).
وهذا قول الشعبي (٢)، ونحو هذا قال مقاتل، سواء، إلا أنه ذكر أبيًّا بدل أمية (٣).
وقال الكلبي: قال أُبي لعقبة: ما أنا بالذي أرضى عنك أبدًا حتى تأتي محمدًا -صلى الله عليه وسلم- وتبزق في وجهه! وتطأ عنقه! ففعل ذلك عقبة، فأنزل الله: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ﴾ يعني: عقبة، في قول الأكثرين (٤).
(٢) "تفسير الثعلبي" ٨/ ٩٥ ب، وفي خبر الشعبي، أن عقبة أسلم، فعاتبه أمية، وقال له... إلخ. وعنه الواحدي، في "أسباب النزول" ص ٣٣٣.
(٣) "تفسير مقاتل" ص ٤٤ ب. وأخرجه ابن أبي حاتم ٨/ ٢٦٨٤، عن قتادة. قال ابن عطية ١١/ ٣٣: ومن أدخل في هذه الآية أمية بن خلف، فقد وهم، إلا على قول من يرى ﴿الظَّالِمُ﴾ اسم جنس.
(٤) وممن قال بذلك عمرو بن ميمون، أخرجه ابن أبي حاتم ٨/ ٢٦٨٥. وأكثر الروايات عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، ورواية أخرى عن السدي، ليس فيها ذكر أنه فعل ما همَّ به من التفل، ووطْء العنق، بل في رواية مِقْسَم التصريح بأن الله تعالى لم يسلطه على ذلك، فيتعين الأخذ بها لما فيها من حفظ النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الإهانة، إضافة إلى أنها أخبار تحتاج إلى تأكيد؛ لأن من رواها لم يعاصر هذه الحادثة، والله أعلم. أخرج هذه الروايات ابن جرير ١٩/ ٨، وابن أبي حاتم ٨/ ٢٦٨٤. وذكر الثعلبي ٩٥ ب، عن الضحاك، أن عقبة لَمَّا فعل ذلك رجع بزاقه في وجهه، وانشعب شعبتين، فأحرق خديه، فكان أثر ذلك فيه حتى الموت. وكان يحسن من الواحدي -رحمه الله- إيراد هذه الرواية وقد أعرض ابن كثير -رحمه الله- عن إيراد هذه الروايات كلها.
وفي قول ابن سابط، ورواية عطاء الخرساني، الظالم هنا: أُبي بن خلف (١).
قال ابن عباس، في رواية عطاء بن أبي رباح، يريد: عقبة بن أبي معيط (٢)، يقول: يأكل يديه حتى يذهب إلى المرفق، ثم تنبت، لا تزال هكذا كلما أكلها نبتت بندامة على ما فرط (٣).
(٢) في "تنوير المقباس" ص ٣٠٢، الظالم: عقبة بن أبي معيط. وليس فيه ذكر شيء من هذه القصة. وفيه أيضًا تفسير اليد بالأنامل. قال النحاس: ولم يُسميا في الآية؛ لأنه أبلغ في الفائدة، ليُعلم أن هذه سبيل كل ظالم قَبِل من غيره في معصية الله -عز وجل-. "إعراب القرآن" ٣/ ١٥٨. وعليه فإن الألف واللام يجوز أن تكون للعهد، فيراد به عقبة خاصة، ويجوز أن تكون للجنس، فيتناول عقبة، وغيره. "تفسير الزمخشري" ٣/ ٢٦٩.
(٣) أخرج ابن أبي حاتم ٨/ ٢٦٨٤، نحوه عن سفيان. ونسبه في: "الوسيط" ٣/ ٣٣٩، لعطاء. وهو عض حقيقي لليدين، كما ذكر الواحدي -رحمه الله- من شدة ما يجد من الحسرة، والندامة، كما هو ظاهر الآية، وليس هناك ما يدفعه، وعليه فإن ما ذكره الزمخشري ٣/ ٢٦٨، وكذا ابن جزي ص ٤٨٣، وغيرهما، من أن هذا كناية عن الغيظ والحسرة، فغير مسلم؛ لأنه صرفٌ للفظ عن ظاهره بدون دليل. قال ابن كثير ٦/ ١٠٨: فكل ظالم يندم يوم القيامة غاية الندم، ويعض على يديه قائلاً: ﴿يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا﴾ قال البقاعي: فيكاد يقطعهما لشدة حسرته، وهو لا يشعر. "نظم الدرر" ١٣/ ٣٧٤. لكنه بعد هذا التقرير الجيد لظاهر الآية، رجع فنقل كلام الزمخشري بنصه، في أن هذا كناية، ولم يتعقبه. قال الشوكاني ٤/ ٦٩: الظاهر أن العض هنا حقيقة، ولا مانع من ذلك، ولا موجب لتأويله. ويشهد لهذا تعدية العض بـ (على) لإفادة التمكن من المعضوض، إذا فصدوا عضاً شديداً كما في هذه الآية. "تفسير ابن عاشور" ١٩/ ١٢.
وقال أبو إسحاق: إذا كان يوم القيامة أكل يده ندمًا، وتمنى أنه آمن (١).
وقال أبو القاسم الزجاجي: هكذا يعض على يديه يوم القيامة ندمًا وحسرة على كفره بالله. والعض على اليد يجري عندهم مجرى معاقبة اليد بما صنعت، وإن لم تكن لليد في (٢) الكفر صنيع؛ فإن الله تعالى قد أسند الفعل إليها، فقال: ﴿ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ [الأنفال: ٥١] وذلك: أن مباشرة الذنوب بها، فاللائمة ترجع عليها (٣)؛ لأنها هي الجارحة العظمى فيسند إليها ما لم تباشره. ونظير ذلك قوله تعالى: ﴿فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ﴾ [الكهف: ٤٢] وقد مَرَّ (٤).
قوله تعالى: ﴿يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا﴾ قُرأ: (يَلَيْتَنِي) بسكون الياء، وفتحها (٥). والأصل التحريك؛ لأنها بإزاء الكاف التي
(٢) في (أ)، (ب): (على) بدل: (في).
(٣) في (ج): (إليها).
(٤) قال الواحدي في تفسير قول الله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ [الأنفال: ٥١]: قال ابن عباس: جرحت قلوبكم. قال أهل المعاني: إنما قال: ﴿ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ مع أن اليد لا تعقل شيئاً للبيان عن أن اعتقاد الكفر بالقلب بمنزلة ما يعمل باليد في الجناية، ولذلك لم يذكر القلوب وإن كان بها معتمد العصيان؛ لأن القصد إظهار ما تقع به الجنايات في غالب الأمر وتعارف الناس.
وقال الواحدي في تفسير آية الكهف: قال أبو عبيدة والزجاج والمفضل وابن قتيبة: فلان يقلب كفيه على ما فاته، وتقليب الكفين يفعله النادم كثيرًا، والعرب تقول للرجل إذا ندم على الشيء وجعل يفكر فيه: يقلب يديه وكفيه لأن ذلك يكثر من فعله فصار تقليل الكف عبارة عن الندم كعض اليد.
(٥) قرأ بفتح الياء، أبو عمرو. وأسكنها الباقون. "السبعة" ص ٤٦٤. و"النشر في القراءات العشر" ٢/ ٣٣٥.
للمخاطب إلا أن حرف اللين تكره فيه الحركة، فلذلك أسكن مَنْ أسكن (١) قال ابن عباس: يقول: ليتني اتبعت محمدًا على دينه (٢). وقال مقاتل: ليتنيْ اتخذت مع محمد سبيلاً إلى الهدى (٣).
وقال السدي: يقول: ليتني أطعت محمدًا (٤). وقال أبو إسحاق: تمنى أن اتخذ مع النبي -صلى الله عليه وسلم- طريقًا إلى الجنة (٥).
قوله تعالى: ﴿يَا وَيْلَتَى﴾ قرأ حمزة والكسائي بالإمالة (٦). والإماله هاهنا وتركها حسنان، ولو قيل: إنَّ ترك الإمالة أحسن لكان قولًا. وذلك أنَّ أصل هذه الألف الياء، وكان حكمها: يا ويلتي، ويا حسرتي، فأبدل من الكسرة فتحة، ومن الياء الألف، كراهة للياء وفرارًا منها، فإذا أمال (٧) كان عائدًا إلى ما كان تركه، وآخذًا بما رفضه، ألا ترى أن الإمالة إنما هي: تقريب الألف من الياء وانتحاء بها نحوها، والإمالة إنما تكون في الألف بأن تنحو بالفتحة التي قبل الألف نحو الكسر، فتميل الألف لذلك نحو الياء (٨).
(٢) في "تنوير المقباس" ص ٣٠٢: استقمت على دين الرسول.
(٣) "تفسير مقاتل" ص٤٥أ.
(٤) أخرج ابن أبي حاتم ٨/ ٢٦٨٥، نحوه عن السدي.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٦٥. ومعنى ﴿سَبِيلًا﴾ على هذا: سببًا ووصلة. "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٧٤. قال ابن عاشور ١٩/ ١٣: وأصل الأخذ التناول باليد، فأطلق هنا على قصد السير فيه، قال تعالى: ﴿وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ﴾ [الكهف: ٦٣].
(٦) السبعة في القراءات ٤٦٤، و"إعراب القرإءات السبع وعللَّها" ٢/ ١٢١، و"الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٣٤٣.
(٧) في (أ)، (ب): (مال) بدون ألف.
(٨) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٣٤٢. قال السمين الحلبي معلقاً على قول أبي علي: =
قوله تعالى: ﴿لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا﴾ يعني: أُبيًّا في قول الأكثرين (١). وفي قول الشعبي، والسدي، يعني: أمية (٢). وفي قول ابن سابط يقول: أي ليتي لم أتخذ فلانًا، يعني: عقبة (٣). وكانا متخالين في الدنيا (٤).
وقال مقاتل: يقول: ليتني لم أطع فلانًا (٥). فعلى قول هؤلاء: فلان عبارة عن: الآدمي. وقال مجاهد: يعني الشيطان (٦). وهو قول أبي رجاء (٧). وعلى هذا القول: فلان كناية عن الشيطان. قال الزجاج: وتصديق هذا القول قوله في الآية الثانية: ﴿وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا﴾ (٨).
ومَنْ قال بالقول الأول قال: إنَّ قبوله من أبي بن خلف، وطاعتَه له من عمل الشيطان وإغوائه (٩). وفلانٌ في العربية: كناية عن واحد بعينه من
(١) "تنوير المقباس" ص ٣٠٢. واقتصر عليه البغوي ٦/ ٨١.
(٢) وهو قول مقاتل ٤٥أ.
(٣) سبق قريبًا التعليق على هذا.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم ٨/ ٢٦٨٦، عن سعيد بن المسيب.
(٥) "تفسير مقاتل" ص ٤٥ أ.
(٦) "تفسير مجاهد" ٢/ ٤٥٢. وأخرجه ابن جرير ٨/ ١٩، وابن أبي حاتم ٨/ ٢٦٨٦.
(٧) أخرجه ابن أبي حاتم ٨/ ٢٦٨٦. وأبو رجاء، هو: عمران بن مِلحان، التميمي البصري، أسلم بعد فتح مكة، ولم ير النبي -صلى الله عليه وسلم- مشهور بكنيته، ثقة، معمَّر. ت: ١٠٥، عن: ١٢٠. "السير" ٤/ ٢٥٣، و"التقريب" ٧٥٢.
(٨) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٦٥.
(٩) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٦٥. حاصل الأقوال في: (فلاَناً) أربعة؛
١ - أبي بن خلف.
٢ - أمية بن خلف.
٣ - عقبة بن أبي معيط.
٤ - الشيطان. وقد اقتصر في: "الوسيط" ٣/ ٣٣٩ و"الوجيز". ٢/ ٧٧٨، على أنه أبى. وذكر ابن عطية ١١/ ٣٣،=
الناس، قال الخليل: وتقديره: فُعَال، وتصغيره: فُعَيل (١)، فُلَين. قال: ولا يحسن فيه الألف واللام، يقال: فلان، وفلان آخر؛ لأنه لا نكرة له، ولكن العرب سَمَّوا به الإبل؛ فقالوا: الفلان، وهذه الفلانة، فإذا نسبت قلت: فلان الفلاني؛ لأن كل اسم ينسب إليه فإنَّ الياء التي تلحقه تُصَيَّره نكرة (٢).
وقال ابن السكيت: تقول لقيت فلانًا، إذا كنيت عن الآدميين قلته بغير الألف واللام، فإذا كنيت عن البهائم قلته بالألف واللام. تقول: حلبت الفلانة، وركبت الفلانة (٣). وأنشد في ترخيم فلان، فقال:
وهو إذا قيل له وَيْهَا فُلُ | فإنه أحجَّ به أن يَنْكلُ (٤) |
(١) كلمة: (فعيل) في (أ)، (ب).
(٢) "الكتاب" ٢/ ٢٤٨، بمعناه. وما ذكره الواحدي بنصه في كتاب "العين" ٨/ ٣٢٦ (فلن)، ونقله عنه الأزهري، "تهذيب اللغة" ١٥/ ٣٥٤. وذكر ابن خالويه، نحوًا من هذا، عن ابن دريد عن أبي حاتم. "إعراب القراءات السبع وعللَّها" ٢/ ١٢١.
(٣) بنصه في "إصلاح المنطق" ص ٢٩٦، دون إنشاد البيت.
(٤) "تهذيب اللغة" ١٥/ ٣٥٤ (فلن)، وفيه إنشاد البيت مع آخر بعده، ولم ينسبه. وهو كذلك في "لسان العرب" ١٣/ ٣٢٤. ولم أجد من نسبه.
(٥) في "تهذيب اللغة" ١٥/ ٣٥٥ (فلن): وقال المبرد: قولهم: يا فل ليس بترخيم، ولكنها على حدة. قال أبو حيان ٦/ ٤٥٤: وهم ابن عصفور، وابن مالك، وصاحب البسيط، في قولهم: فل، كناية عن العَلَم، كفلان. ويعني بصاحب "البسيط": ضياء الدين أبو عبد الله محمد بن علي الإشبيلي. "حاشية الدر =
في لَجَّةٍ أمْسكْ فلانًا عن فُلِ (١)
وروى أبو تراب عن الأصمعي: يا فلا، في النداء. (٢) وهذا يقوي قول المبرد. وذكرنا معنى الخليل، في سورة: النساء (٣).
(١) "المقتضب" ٤/ ٢٣٧، ولم ينسب البيت. ونسبه سيبويه لأبي النجم، "الكتاب" ٢/ ٢٤٨، واستشهد به على استعمال: فل، موضع فلان، في الشعر للضرورة. وأنشده الأزهري، ولم ينسبه، واستشهد به على أن اللجة: الصوت. "تهذيب اللغة" ١٠/ ٤٩٤ (لج). وذهب ابن قتيبة، في "تأويل مشكل القرآن" ص ٢٦٣، إلى أن قول القائل: ما جاءك إلا فلان بن فلان، يريد أشراف الناس المعروفين، كقول الشاعر: في لَجَّةِ أمْسكْ فلانًا عن فُلِ. يريد: أمسك فلانًا عن فلان، ولم يرد رجلين بأعيانهما، وإنما أراد: أنهم في غمرة الشر، وضجته، فالحَجَزة، يقولون لهذا: أمسك، ولهذا: كُفَّ. واللجة: كثرة الأصوات، "اللسان" ١٣/ ٣٢٥.
(٢) "تهذيب اللغة" ١٥/ ٣٥٥ (فلن)، ولفظه: أبو تراب عن الأصمعي يقال: قم يا فل، ويا فلاة.
أبو تراب، خراساني لغوي، استدرك على الخليل بن أحمد في كتاب العين، ورد عليه العلماء في ذلك كما قال القفطي، وصنف كتاب: الاستدراك على الخليل، ومن هذا الكتاب أخذ الأزهري ما نقله عن أبي تراب في كتابه: "تهذيب اللغة". "إنباه الرواة على أنباه النحاة" ٤/ ١٠٢. و"الفهرست" ص ٩٢.
(٣) قال الواحدي في تفسير قول الله تعالى: ﴿وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾ [النساء: ١٢٥]: قال أبو بكر بن الأنباري: الخليك معناه في اللغة: المُحب الكامل المحبة، والمحبوب الموفي حقيقة المحبة.. وقال بعض أهل العلم: ﴿وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾ أي: فقيراً إليه لا يجعل فقره وفاقته إلى غيره، ولا ينزل حاجته بسواه.. فهذان القولان ذكرهما جميع أهل المعاني؛ والاختيار هو الأول؛ لأن الله -عز وجل- =