(٨) أو بيوت أخوالكم.
(٩) أو بيوت خالاتكم.
(١٠) أو ما ملكتم مفاتحه، كأن تكونوا وكلاء عن أصحاب المال مثلا.
(١١) أو بيوت صديقكم، ومحل ذلك كله إذا كنت تعلم أنه يسر ويرضى كما هو مقتضى الصلة والصداقة والأخوة الإسلامية، فإذا ظننت أنه لا يرضى فحرام عليك الأكل
لقوله صلّى الله عليه وسلم. «لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّا عن طيب نفسه».
والواقع يؤيد ذلك فإن من يأكل الطعام في غيبة صاحب البيت يعتبر هذا عملا يسر له صاحب البيت بل ربما كان مثل هذا العمل من دواعي إزالة بعض ما في النفوس.
ليس عليكم أن تأكلوا جميعا أى مجتمعين أو أشتاتا أى: متفرقين فلا حرج عليكم في هذا أو ذاك.
فإذا دخلتم بيوت الأقارب والأهل والأصدقاء فسلموا على من فيه بتحية الإسلام، وهذا أدب قرآنى أى إذا دخلتم بيتا أبيح لكم دخوله كبيت أبيك أو أخيك أو صديقك مثلا فلا تتهجم وتدخل بلا إذن بل عليك أن تستأذن وتسلم على من فيه بتحية الإسلام تحية من عند الله مباركة نامية كثيرة الخيرات والبركات.
على هذا النحو من البيان الرائع والأدب العالي، والتوجيه السليم جرت عادة القرآن الكريم أن يبين الله آياته فيه فتملأ قلوبنا حكمة، ونفوسنا رحمة، وحياتنا تنظيما وكل هذا لعلكم تعقلون فيزداد تمكنكم بها، وتعلقكم بأهدابها، ويكثر شكركم من أجلها والله أعلم.
من آداب الجماعة نحو الرسول صلّى الله عليه وسلم [سورة النور (٢٤) : الآيات ٦٢ الى ٦٤]
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٦٢) لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٦٣) أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٦٤)
المفردات:
جامِعٍ أمر مهم يحتاج إلى الاجتماع والتشاور دُعاءَ الرَّسُولِ طلب الرسول لهم أن يجتمعوا يَتَسَلَّلُونَ التسلل الخروج خفية لِواذاً أى: متسترين بعضهم ببعض.
المعنى:
كان هذا خير ما يختم به تلك السورة العظيمة التي عالجت علاقة الناس مع بعضهم وبخاصة في الأسرة والبيوت وها هي الآن تعالج أدب الجلوس مع النبي صلّى الله عليه وسلّم في أمر هام.
إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله، وإذا كانوا مع النبي مجتمعين على أمر هام جامع، اجتمعوا فيه للتشاور وأخذ الرأى، لم يذهبوا حتى يستأذنوه، فالانصراف في هذه الحالة ضار بالشخص نفسه لحرمانه من شهود مجتمع هام، وضار بالمجتمعين أنفسهم، لما يلقيه من الوهن والضعف، وشديد على النبي صلّى الله عليه وسلّم لحرصه على هداية قومه، وانتفاعهم بكل مجالسه، لما فيها من الخير النافع لهم في دينهم ودنياهم، والآية
قد حصرت المؤمنين في من اجتمع فيه ثلاث خصال: الإيمان بالله، والإيمان برسوله، والتزام مجتمعه صلّى الله عليه وسلّم إذا كان أمر مهم فلا يذهب شخص حتى يستأذنه.
وفي هذا بيان لما يجب أن يكون عليه المؤمنون مع النبي صلّى الله عليه وسلم، وهذا الحكم يجرى مع الجماعة ورئيسها العام أم الخاص.
فالذين يذهبون ولا يستأذنون أولئك هم المنافقون، وليسوا من الإيمان في شيء وهذا ما يوافق سبب النزول، فقد
روى أن الآية نزلت في قوم منافقين كانوا ينصرفون عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أثناء الخطبة عند ما كانوا يحسون بالحرج والألم وقت أن يشرح النبي حال المنافقين.
إن الذين يستأذنونك، أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله، فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم، واستغفر لهم الله، وهذا يجعلنا نقول إن الاستئذان يكون للأمر المهم لا لكل أمر عارض، إن الإذن موكول للرئيس إن شاء أذن وإن شاء لم يأذن والمفروض فيه أنه يعالج ما يعرض له حسب الحكمة، ويحسن بنا ألا ننصرف- ولو بإذن لبعض الشئون الهامة- حيث كان الاجتماع لأمر مهم يتعلق بالجماعة، وقوله تعالى: وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ يفيد أن الإذن مهما كانت دواعية مما يقتضى الاستغفار.
يا أيها الناس لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم لبعض فإن النبي حينما يدعوكم لأمر يتعلق بدينكم أو بدنياكم يجب أن تأخذوه على أنه أمر مهم واجتماع من المصلحة العامة ألا تحرموا منه، ويجب أن تتقبلوه بصدر رحب ولا تظنوه كدعوة بعضكم لبعض في توافه الأمور، ودعاء بعضكم لبعض المراد منه دعاء من ليس له ولاية عليكم، فمتى ثبتت الولاية لشخص ثبت له الحكم، واعلموا أن الله يعلم الذين يتسللون ويخرجون خفية متسترين ببعض بلا إذن، وسيجازيهم على ذلك.
فليحذر الذين يخالفون خارجين عن أمره- سبحانه وتعالى- مهما كان ليحذروا أن تصيبهم فتنة في دينهم أو دنياهم أو يصيبهم عذاب أليم، وهذا تهديد شديد نشفق منه على الأمة الإسلامية ولعل ما يصيبنا من فتنة راجع لمخالفتنا أوامر القرآن في كل شيء.
وهذه الأوامر والتكاليف التي في السورة كلها يجب عليكم أن تتنبهوا لها، وتعملوا بها فإنها صادرة ممن يملك السماء وما فيها، والأرض وما عليها، ويعلم ما أنتم عليه من سر وجهر، ويوم يرجع الناس إليه فينبئهم بما عملوا ويجازيهم عليه، والله بكل شيء عليم.