
فوق الخمار، إذا لم يقصدن إظهار الزينة الخفية، كشعر ونحر وساق، وهو التبرج:
أي الظهور والتكشف، ولم يكن فيهن جمال أو حسن ظاهر، ولكن الاستعفاف، والاحتياط بالستر، وإبقاء الثياب المعتادة خير وأفضل لهن، والله سميع لأحاديثهن، وكلامهن مع الرجال، عليم بمقاصدهن، ولا تخفى عليه خافية من أمورهن.
رفع الحرج عن ذوي الأعذار في الجهاد وغيره
لا تكلّف ولا مشقة في شرع الله ودينه، وإنما الطاعة بقدر الطاقة، وتزول الكلفة بالألفة أو المحبة، والقرابة والصداقة، سواء في الأكل من البيوت بلا إذن، أو تناول الطعام جماعة أو فرادى، والتحية المتبادلة: عنوان المحبة والسلام والاطمئنان، حتى في حال الدخول إلى منزل الإنسان، وتلك شريعة الخلود وشريعة أحكم الحاكمين التي تنبئ عن التسامح والتيسير، والتآلف وحسن الظن، وإشاعة المحبة، ودفع الحرج والمشقة التي قامت عليها الشريعة الإسلامية. قال الله تعالى مبينا هذه الآداب:
[سورة النور (٢٤) : آية ٦١]
لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٦١)
«١» [النور: ٢٤/ ٦١].

جمعت الآية بين مبدأ دفع الحرج عن أصحاب الأعذار، وبين إباحة المطاعم بين الأقارب والأصدقاء، وبين إفشاء التحية المباركة الطيبة، وتلك آداب كريمة عالية، في المباحات التي لا تتصل بالعقائد والعبادات.
وسبب النزول كما اختار ابن جرير الطبري: قال سعيد بن المسيب: أنزلت هذه الآية في أناس كانوا إذا خرجوا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم وضعوا مفاتيح بيوتهم عند الأعمى والأعرج والمريض وعند أقاربهم، وكانوا يأمرونهم أن يأكلوا مما في بيوتهم إذا احتاجوا إلى ذلك، وكانوا يتقون أن يأكلوا منها ويقولون: نخشى ألا تكون أنفسهم بذلك طيبة، فأنزل الله تعالى هذه الآية: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ.
وظاهر الآية وأمر الشريعة: أن الحرج مرفوع عن ذوي الأعذار (الأعمى والأعرج والمريض) ولا سيما في القيام بواجب الجهاد، والأكل من بيوت الأقارب والأصدقاء من غير استئذان.
والمعنى: ليس على الأعمى والأعرج والمريض إثم ولا ذنب في ترك الجهاد لضعفهم وعجزهم، وتعذر الاسهام بشيء من واجبات الجهاد في ساحات الوغى ومواجهة الأعداء، كما أنه لا إثم عليهم في الأكل من بيوت القرابات والأصدقاء، في حال غيبتهم عن دورهم، وائتمان أحد هؤلاء على المفاتيح ونحوها.
كذلك لا إثم على الناس في الأكل من بيوتهم الخاصة، ويشمل ذلك بيوت الأبناء، وإن لم يرد ذكر لها في الآية، لأن بيت ابن الرجل بيته، ومال الولد بمنزلة مال أبيه، ولا حرج أيضا على الأصحاء في أن يأكلوا مع أصحاب الأعذار، مواساة لهم، وتواضعا معهم، وإشعارا بأنهم سواء مع غيرهم دون وجود نظرة ترفع أو تأفف أو تخوف من المرض وغيره.
وأباح الله تعالى الأكل من بيوت أحد عشر موضعا: وهي بيوت الآباء،

والأمهات، والإخوة، والأخوات، والأعمام والعمات، والأخوال والخالات، والذين استأمنوا ذوي العذر على المفاتيح، أي جعلوا مفاتيح بيوتهم في أيديهم وحفظهم، فيعد ذلك إذنا لهم في الأكل من غير ادخار ولا حمل، في حال عدم الأجر على العمل، وكذا بيوت الأصدقاء لارتفاع الكلفة بينهم، وتصافي الود والتعامل معهم.
وأباح الله سبحانه أيضا تناول الأكل مجتمعين على طعام واحد، أو فرادى متفرقين.
روى ابن ماجه عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «كلوا جميعا، ولا تفرقوا، فإن البركة مع الجماعة».
ويستحب للداخل على بيته: السلام على أهل البيت الذين هم بمنزلة الداخل في الدين والقرابة، فتكون التحية بركة عليهم، لأنها تحية ثابتة بأمر الله تعالى، مشروعة من لدنه، مباركة، أي يرجى منها زيادة الخير والثواب، وطيبة، أي يطيب بها قلب المستمع وتهدأ نفسه، والتحية: دعاء بالسلامة والأمن، والخير، وزيادة الرزق للمسلّم عليه.
وكما بيّن الله تعالى بيانا شافيا شرائعه وأحكامه في الاستئذان عند الدخول وغير ذلك من الآداب الإسلامية، يبين ويفصل لكم أيها المؤمنون الآيات التي تحل الحلال، وتوضح المأذون فيه، لكي تتدبروها وتفهموها وتعقلوا حكمتها التشريعية.
الاستئذان عند الخروج أو الوداع
أحاط الله تعالى نبيه محمدا صلّى الله عليه وسلّم بهالة من الهيبة والتشريف والتقدير، لأنه رسول الله، فأدّب المؤمنين في خطابه والتحدث معه، فلا يخاطب باسمه بأن يقال: يا محمد، وإنما يقال: يا رسول الله، ويغضّ الصوت أثناء مكالمته، فلا يجهر المتحدث فوق