آيات من القرآن الكريم

وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَٰذَا سُبْحَانَكَ هَٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ
ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ

بعدها ياء ساكنة ولام مفتوحة وقاف مضمومة، وهو مضارع «وَلِق» بكسر اللام، كما قالوا: «تيجل» مضارع «وَجِل». وقوله: «بِأَفْوَاهِكمْ» كقوله: «يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ» وقد تقدم.

فصل


اعلم أن الله تعالى وصفهم بارتكاب ثلاثة آثام، وعلق مس العذاب العظيم بها.
أحدها: تلقي الإفك بألسنتهم، وذلك أن الرجل كان يلقى الرجل يقول له: ما وراءك؟ فيحدثه بحديث الإفك حتى شاع واشتهر، ولم يبق بيت ولا ناد إلا طار فيه. فكأنهم سعوا في إشاعة الفاحشة، وذلك من العظائم.
وثانيها: أنهم كانوا يتكلمون بما لا علم لهم به، وذلك يدل على أنه لا يجوز الإخبار إلا مع العلم، ونظيره:
﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [الإسراء: ٣٦].
وثالثها: أنهم كانوا يستصغرون ذلك، وهو عظيمة من العظائم.
وتدل الآية على أن القذف من الكبائر لقوله: ﴿وَهُوَ عِندَ الله عَظِيمٌ﴾، وتدل على أن الواجب على المكلف في كل محرم أن يستعظم الإقدام عليه.
ونبه بقوله: «وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً» على أن عمل المعصية لا يختلف بظن فاعله وحسبانه، بل ربما كان ذلك مؤكداً لعظمه.
فإن قيل: ما معنى قوله: «بِأَفوَاهِكُمْ» والقول لا يكون إلاّ بالفم؟
فالجواب: معناه: أن الشيء المعلوم يكون علمه في القلب، فيترجم عنه باللسان، وهذا الإفك ليس إلا قولاً يجري على ألسنتكم من غير أن يحصل في القلب علم به كقوله: ﴿يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٦٧].
قوله
: ﴿ولولاا
إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ﴾
كقوله: ﴿لولاا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ﴾ [النور: ١٢] ولكن الالتفات فيه قال الزمخشري: فإن قلت: كيف جاز الفصل بين (لولا) و (قلتم) بالظرف؟ قلت:

صفحة رقم 326

للظروف شأن ليس لغيرها، لأنها لا ينفك عنها ما يقع فيها، فلذلك اتسع فيها.
قال أبو حيان: «وهذا يوهم اختصاص ذلك بالظروف، وهو جائز في المفعول به، تقول: لولا زيداً ضربتُ، ولولا عَمْراً قتلتُ».
وقال الزمخشري أيضاً: فإن قلت: أي فائدة في تقديم الظرف حتى أوقِعَ فاصلاً؟ قلت: الفائدة فيه: بيان أنه كان الواجب عليهم أن يحترزوا أول ما سمعوا بالإفك عن التكلم به، فلما كان ذكر الوقت أهم وجب تقديمه. فإن قلت: ما معنى «يكون» والكلام بدون مُتْلَئِب لو قيل: ما لنا أن نتكلم بهذا؟ قلت: معناه: ينبغي ويصح، أي: ما ينبغي وما يصح كقوله: ﴿مَا يَكُونُ لي أَنْ أَقُولَ﴾ [المائدة: ١١٦].

فصل


قوله: ﴿ولولاا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بهذا سُبْحَانَكَ﴾ هذا اللفظ هنا معناه التعجب ﴿هذا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾ أي: كذب عظيم يبهت ويتحير من عظمته.
روي أن أم أيوب قالت لأبي أيوب الأنصاري: أما بلغك ما يقول الناس في عائشة؟ فقال أبو أيوب: «سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ» فنزلت الآية على وفق قوله.

صفحة رقم 327
اللباب في علوم الكتاب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو حفص سراج الدين عمر بن علي بن عادل الحنبلي الدمشقي النعماني
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت / لبنان
سنة النشر
1419 - 1998
الطبعة
الأولى، 1419 ه -1998م
عدد الأجزاء
20
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية