آيات من القرآن الكريم

وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ ﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ

إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللهِ عَظِيمٌ (١٥) وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (١٦) يَعِظُكُمُ اللهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (١٧) وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٨)
شرح الكلمات:
بالإفك عصبة: الإفك الكذب المقلوب وهو أسوأ الكذب، والعصبة الجماعة.
شراً لكم بل هو خير: الشر ما غلب ضرره على نفعه، والخير ما غلب نفعه على ضرره،.
لكم: والشر المحض النار يوم القيامة والخير المحض الجنة دار الأبرار.
والذي تولى كبره: أي معظمه وهو ابن أبي كبير المنافقين.
لولا: أداة تحضيض وحث بمعنى هلاّ.
فيما أفضتم فيه: أي فيما تحدثتم بتوسع وعدم تحفظ.
إذ تلقونه: أي تتلقونه أي يتلقاه بعضكم من بعض.
وتحسبونه هيناً: أي من صغائر الذنوب وهو عند الله من كبائرها لأنه عرض مؤمنة هي زوج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
سبحانك: كلمة تقال عند التعجب والمراد بها تنزيه الله تعالى عما لا يليق به.
بهتان عظيم: البهتان الكذب الذي يحيّر من قيل فيه.
يعظكم الله: أي ينهاكم نهياً مقروناً بالوعيد حتى لا تعودوا لمثله أبداً.
معنى الآيات:
بعد أن ذكر تعالى حكم القذف العام والخاص ذكر حادثة الإفك التي هلك فيها خلق لا يحصون عداً إذ طائفة الشيعة الروافض ما زالوا يهلكون فيها جيلاً بعد جيل إلى اليوم إذ وَرَّثَ فيهم رؤوساء الفتنة الذين اقتطعوا من الإسلام وأمته جزءاً كبيراً أسمو شيعة آل البيت تضليلاً وتغريراً فأخرجوهم من الإسلام باسم الإسلام وأوردهم النار باسم

صفحة رقم 552

الخوف من النار فكذبوا الله ورسوله وسبوا زوج رسول الله واتهموها بالفاحشة وأهانوا أباها ولوثوا شرف زوجها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنسبة زوجه إلى الفاحشة.
وخلاصة الحادثة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد أن فرض الحجاب على النساء المؤمنات خرج إلى غزوة تدعى غزوة بني المصطلق أو المريسيع، ولما كان عائداً منها وقارب المدينة النبوية نزل ليلاً وارتحل، ولما كان الرجال يرحلون النساء على الهوادج وجدوا هودج عائشة رضي الله عنها فظنوها فيه فوضعوه على البعير وساقوه ضمن الجيش ظانين أن عائشة فيه، وما هي فيه، لأنها ذكرت عقداً لها قد سقط منها في مكان تبرزت فيه فعادت تلتمس عقدها فوجدت الجيش قد رحل فجلست في مكانها لعلهم إذا افتقدوها رجعوا إليها ومازالت جالسة تنظر حتى جاء صفوان بن معطل السلمي رضي الله عنه وكان الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد عينه في الساقة وهم جماعة يمشون وراء الجيش بعيداً عنه حتى إذا تأخر شخص أو ترك متاع أوضاع شيء يأخذونه ويصلون به إلى المعسكر فنظر فرآها من بعيد فأخذ يسترجع أي يقول إنا لله وإنا إليه راجعون آسفاً لتخلف عائشة عن الركب قالت رضي الله عنها فتجلببت بثيابي وغطيت وجهي وجاء فأناخ راحلته فركبتها وقادها بي حتى انتهينا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المعسكر، وما إن رآني ابن أبي لعنة الله عليه حتى قال والله ما نجت منه ولا نجا منها، وروج للفتنة فاستجاب له ثلاثة أنفار فرددوا ما قال وهم حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش، ﴿والذي تولى كبره﴾ هو ابن أبي المنافق وتورط آخرون ولكن هؤلاء الأربعة هم الذين أشاعوا وراجت الفتنة في المدينة واضطربت لها نفس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونفوس أصحابه وآل بيته فأنزل الله هذه الآيات في براءة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وبراءة صفوان رضي الله عنه، ومن خلال شرح الآيات تتضح جوانب القصة.
قال تعالى: ﴿إن الذين١ جاءوا بالإفك عصبة منكم٢﴾ أي إن الذين جاءوا بهذا الكذب المقلوب إذ المفروض أن يكون الطهر والعفاف لكل من أم المؤمنين وصفوان بدل الرمي بالفاحشة القبيحة فقلبوا القضية فلذا كان كذبهم إفكاً وقوله: ﴿عصبة﴾ أي جماعة لا يقل عادة عددهم على عشرة أنفار إلا أن الذين روجوا الفتنة وتورطوا فيها حقيقة وأقيم عليهم الحد أربعة ابن أبي وهو الذي تولى كبره منهم وتوعده الله بالعذاب العظيم لأنه منافق كافر

١ هذا كلام مستأنف استئنافاً ابتدائياً، والإفك: الكذب الخال. الذي لا شبهة فيه يفاجأ به المرء فيبهته فيصير بهتاناً وهو مشتق من الأفك بفتح الهمزة وهو القلب ومن صوره أن يقال في الصادق كاذب والطاهر خبيث ونحو ذلك.
٢ عصبة: خبر إنّ، والعصبة: الجماعة يتعصب بعضهم لبعض.

صفحة رقم 553

مات على كفره ونفاقه، ومسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش أخت أم المؤمنين زينب رضي الله عنها وحسان بن ثابت رضي الله عنه، وقوله تعالى: ﴿لا تحسبوه شراً لكم﴾ لما نالكم من هم وغم وكرب من جرائه ﴿بل هو خير لكم﴾ لما كان له من العاقبة الحسنة وما نالكم من الأجر العظيم من أجل عظم المصاب وشدة الفتنة وقوله تعالى: ﴿لكل امرىء منهم ما اكتسب من الإثم﴾ على قدر ما قال وروج وسيجزي به إن لم يتب الله تعالى عليه ويعفو عنه. وقوله: ﴿والذي تولى كبره١ منهم له عذاب عظيم﴾ وهو عبد الله بن أبي بن سلول رئيس المنافقين عليه لعنة الله.
وقوله تعالى: ﴿لولا إذ سمعتموه٢ ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً وقالوا هذا إفك مبين﴾ هذا شروع في عتاب القوم وتأديبهم وتعليم المسلمين وتربيتهم فقال عز وجل: ﴿لولا﴾ أي هلا وهي للحض والحث على فعل الشيء إذ سمعتم قول الإفك ظننتم بأنفسكم خيراً إذ المؤمنون والمؤمنات كنفس واحدة، وقلتم لن يكون هذا وإنما هو إفك مبين أي ظاهر لا يقبل ولا يقر عليه هكذا كان الواجب عليكم ولكنكم ما فعلتم.
وقوله تعالى: ﴿لولا جاءوا٣ عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون﴾ أي كان المفروض فيكم أيها المؤمنون أنكم تقولون هذا لمن جاء بالإفك فإنهم لا يأتون بشاهد فضلاً عن أربعة وبذلك تسجلون عليهم لعنة الكذب في حكم الله. وقوله تعالى: ﴿ولولا فضل٤ الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم في ما أفضتم٥ فيه عذاب عظيم﴾ هذه منة من الله تحمل أيضاً عتاباً واضحاً إذ بولوغكم في عرض أم المؤمنين، وما كان لكم أن تفعلوا ذلك قد استوجبتم العذاب لولا فضل الله عليكم ورحمته لمسكم العذاب العظيم. وقوله: ﴿إذ تلقونه بألسنتكم﴾ أي يتلقاه بعضكم من بعض، ﴿وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم﴾ وهذا عتاب وتأديب. وقوله: ﴿وتحسبونه هينا﴾ أي ليس بذنب كبير ولا تبعة فيه ﴿وهو عند الله عظيم﴾، وكيف وهو يمس عرض رسول الله وعائشة والصديق وآل البيت أجمعين.

١ الكِير: بكسر الكاف قراءة الجمهور ومعناه: أشد الشيء ومعظمه، وقرىء كُبره بضم الكاف.
٢ كلام مستأنف مسوق لتوبيخ العصبة وفيه تربية للمسلمين وإرشاد لهم لما ينبغي أن يكونوا عليه من الآداب.
٣ لولا: هذه مثل سابقتها حرف تحريض.
٤ لولا هذه حرف امتناع لوجود، امتنع مس العذاب لوجود فضل الله ورحمته.
٥ الإفاضة في القول: التوسع فيه مشتقة من إفاضة الماء على العضو.

صفحة رقم 554

وقوله تعالى: ﴿ولولا إذ سمعتموه١ قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا﴾ إذ هذه مما لا يصح لمؤمن أن يقول فيه لخطره وعظم شأنه. وقلتم متعجبين من مثله كيف يقع ﴿سبحانك﴾ أي يا رب ﴿هذا﴾ أي الإفك ﴿بهتان عظيم﴾ بهتوا به أم المؤمنين وصفوان.
وقولي: ﴿يعظكم٢ الله﴾ أي ينهاكم الله مخوفاً لكم بذكر العقوبة الشديدة ﴿أن تعودوا لمثله أبداً﴾ أي طول الحياة فإياكم إياكم إن كنتم مؤمنين حقاً وصدقاً فلا تعودوا لمثله أبداً. وقوله: ﴿ويبين الله لكم الآيات﴾ التي تحمل الهدى والنور لترشدوا وتكملوا والله عليم بخلقه وأعمالهم وأحوالهم حكيم فيما يشرع لهم من أمر ونهي.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- قضاء الله تعالى للمؤمن كله خير له.
٢- بشاعة الإفك وعظيم جرمه.
٣- العقوبة على قدر الجرم كبراً وصغراً قلة وكثرة.
٤- واجب المؤمن أن لا يصدق من يرمي مؤمناً بفاحشة، وأن يقول له هل تستطيع أن تأتي بأربعة شهداء على قولك فإن قال لا قال له إذاً أنت عند الله من الكاذبين.
٥- حرمة القول بدون علم والخوض في ذلك.
إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ (١٩) وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ الله رَؤُوفٌ رَحِيمٌ (٢٠) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ

١ لولا هنا بمعنى: هلا وهي للتوبيخ.
٢ قال مالك: من سبّ أبا بكر وعمر أدّب ومن سبّ عائشة كفر لأن عائشة برأها الله تعالى فمن سبهّا بغير الفاحشة أدّب ومن سبّها بالفاحشة كفر لأنه كذّب الله تعالى.

صفحة رقم 555
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير
عرض الكتاب
المؤلف
جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري
الناشر
مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة
سنة النشر
1424
الطبعة
الخامسة
عدد الأجزاء
5
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية