
قال أهل العلم في هذه الآية: ذكر الله تعالى في أول الآية نفي الولد ونفي الشريك، ثم ذكر الدليل على نفي الشريك واقتصر عليه ولم يذكر الدليل على نفي الولد؛ لأن الدليل على نفي الشريك يتضمن نفي الولد، وذلك أن الولد ينازع الأب في الملك منازعة الأجانب، فلو كان لله ولد لأظهر المنازعة كما يكون بين الإلهين (١)، والملكين (٢).
ثم نزّه عما وصفوه به فقال: ﴿سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾.
٩٢ - قوله تعالى: ﴿عَالِمِ الْغَيْبِ﴾ قرئ (عَالِمُ الْغَيْبِ) (٣) رفعًا وجرًا (٤).
قال الأخفش: الجر أجود ليكون الكلام من وجه واحد، وأما الرفع فعلى أن يكون خبر ابتداء محذوف. قال: ويقوي (٥) ذلك (٦) أن الكلام الأول قد انقطع (٧).
واختار الفراء الرفع، فقال: وجه الكلام الرفع بالاستئناف، الدليل (٨) على ذلك دخول الفاء في قوله: ﴿فَتَعَالَى اللهُ﴾ ولو خفضت لكان وجه الكلم
(٢) ذكر القرطبي ١٢/ ١٤٦ هذا المعنى باختصار ولم ينسبه لأحد.
(٣) (الغيب) ليست في (ع).
(٤) قرأ نافع، وعاصم في رواية أبي بكر، وحمزة، والكسائي: "عالمُ" رفعًا. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحفص عن عاصم، وابن عامر: "عالمِ" جرًا.
"السبعة" ص ٤٤٧، "التبصرة" ص ٢٧١، "التيسير" ص ١٦٠.
(٥) في (ظ): (ويقول)، وهو خطأ.
(٦) في (أ): (ذاك).
(٧) كلام الأخفش في "الحجة" للفارسي ٥/ ٣٠٢ بنصِّه. ولم أجده في كتابه المعاني.
(٨) في (ظ): (والدليل). والمثبت من (أ)، (ع): وهو الموافق لما عند الفرّاء.

أن يكون "وتعالى" بالواو لأنه إذا خفض أراد: سبحان الله عالمِ الغيب والشهادة وتعالى، فدخول (١) الفاء دليلٌ على أنه أراد: هو عالمُ الغيب والشهادة فتعالى؛ ألا ترى أنك تقول: مررت بعبد الله المحسنِ وأحسنت إليه.
فلو رفعت "المحسنُ" لم يكن بالواو لأنك تريد: هو المحسنُ فأحسنت إليه.
قال: وقد (٢) يكون الخفض في ﴿عَالِمِ﴾ تتبعه ما قبله وإن كان بالفاء؛ لأن العرب قد (٣) تستأنف بالفاء كما يستأنفون بالواو (٤).
﴿قُلْ رَبِّ إِمَّا﴾ قال صاحب النظم: "ما" قد تكون شرطًا كقوله: ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ﴾ [البقرة: ١٠٦] و"إمَّا" إنَّما هو [إنْ ما، فـ] (٥) "إنْ" شرط و"ما" (٦) أيضًا شرط؛ فجمع بين الشرطين توكيدًا، فلما وكّد الشرط أدخل النون الثقيلة في الفعل توكيدًا، لأن النون الثقيلة تجيء (٧) توكيدًا للأفعال (٨).
(٢) (وقد): ساقطة من (ع).
(٣) (قد): ساقطة من (ظ).
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٤١. وانظر: "علل القراءات" للأزهري ٢/ ٤٤٠، "الكشف" لمكي ٢/ ١٣١.
(٥) زيادة من القرطبي ١٢/ ١٤٧ بها يستقيم المعنى.
(٦) في (أ): (وأما)، وهو خطأ.
(٧) في (ع): (تجيء في افعل)، ويظهر أن تكرار.
(٨) ذكر القرطبي ١٢/ ١٤٧ هذا المعنى باختصار إلى قوله بين الشرطين توكيدًا. ولم ينسبه لأحد.