آيات من القرآن الكريم

مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ ۚ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ
ﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ

[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٩١ الى ٩٢]

مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (٩١) عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٩٢)
[المؤمنون: ٢٣/ ٩١- ٩٢].
هذه الآية نفي قاطع، وتنزيه واضح لله تعالى عن أمرين: هما اتخاذ الولد، واتخاذ الشريك، فلم يجعل الله لنفسه ولدا، كما زعم بعض المشركين، حين قالوا: الملائكة بنات الله.
ولم يكن مع الله إله آخر يشاركه في الألوهية أو العبادة، لا قبل خلق العالم، ولا بعد خلقه، كما تصور الوثنيون، حين اتخذوا الأصنام آلهة. وقوله تعالى: وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ دليل التمانع، فلو افترض احتمال تعدد الآلهة، لانفرد كل واحد منهم بما خلق، واستقل بما أوجد، وتميز ملك كل واحد منهم عن ملك الآخر، لأن استمرار الشركة مستحيل، لأنه يكون همّ كل واحد منهم أن يغلب الآخر، ويطلب قهره والتسلط عليه، لإظهار قوة القوي على الضعيف، كما هو حال ملوك الدنيا.
ولو حدث هذا التغالب وانقسام السلطة، لاختل نظام الوجود، ولفسدت السموات والأرض ومن فيهن، كما قال الله سبحانه: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا [الأنبياء: ٢١/ ٢٢]. ولو اختلف إلهان في إدارة، فمحال نفوذهما، ومحال عجزهما، فإذا انفردت إرادة الواحد، فهو العالي، والآخر ليس بإله.
والمشاهد دقة نظام الكون وكماله وانسجامه، وارتباط العالم العلوي بالعالم السفلي دون تصادم ولا اضطراب، كما قال تعالى: ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ [الملك: ٦٧/ ٣]. وهذا دليل على وحدة الإله صاحب السلطان الواحد.
وقوله تعالى: إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ إذن: جواب لمحذوف تقديره لو كان معه إله إذن لذهب كل إله بما خلق.

صفحة رقم 1715

ولما ثبت عقلا ومنطقا كون التعدد في الآلهة مستحيلا، وبطل قول المشركين في الأمرين معا: وهما اتخاذ الولد واتخاذ الشريك، قال الله تعالى: سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ أي تنزه الله الحق الواحد الأحد عما يقول الظالمون المشركون المتجاوزون الحدود في ادعائهم الولد أو الشريك لله.
وقوله تعالى: عالِمِ الْغَيْبِ اتباع لقوله قبل ذلك: سُبْحانَ اللَّهِ قال الأخفش: والجرّ أجود ليكون الكلام من وجه واحد. وقرئ «عالم الغيب» والمعنى:
الله هو عالم الغيب والشهادة، يعلم ما غاب عن إدراك الخلق من الأشياء، ويعلم ما يشاهدونه وما يرونه وما يبصرونه، فهو يعلم الأمرين معا على حد سواء، وهذا دليل آخر على نفي الشريك، لأن غير الله، وإن علم الشهادة، أي العالم المشاهد والموجودات المرئيات أمامه، فلن يعلم معها الغيبيات غير المرئيات، وهذا دليل النقص، والله متصف بالكمال، فلا يكتمل النفع بعلم الشهادة وحدها، دون العلم بالغيب، والغيب: ما غاب عن الناس، والشهادة: ما شهدوه.
وإذا كان الله تعالى عالم الغيب والشهادة على حد سواء فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ أي فتعالى وتقدس وتنزه الله عما يقول المشركون المفترون، الذين يشركون مع الله إلها آخر، وهذه الخاتمة تقديس مطلق لله عز وجل عن أي نقص من صاحبة أو ولد أو شريك، وإطلاق التقديس هو مضمون الألوهية الحقيقية.
الدعاء بالنجاة من عذاب الظلمة
تعهدت العناية الإلهية النبي صلّى الله عليه وسلّم بأتم أنواع الحماية من شرور الظلمة ومن أجل تماسك الشخصية، وإرساء معالم الدعوة إلى الله بالتزام موقف الصلابة، في صراع الأهواء، والاستعاذة من وساوس الشياطين، ومقابلة الإساءة بالإحسان، وتلك

صفحة رقم 1716
التفسير الوسيط
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر - دمشق
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية