آيات من القرآن الكريم

وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ۚ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ
ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ ﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﯿﰀﰁﰂﰃ ﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ

وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ (٧٤) وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِم مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (٧٥) وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (٧٦) حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٧)
شرح الكلمات:
لو اتبع الحق أهواءهم: أي ما يهوونه ويشتهونه.
أتيناهم بذكرهم: أي بالقرآن العظيم الذي بذكرهم فيه يذكرون ويُذكرون.
أم تسألهم خرجاً: أي مالاً مقابل إبلاغك لهم دعوة ربهم.
فخراج ربك خير: أي ما يرزقكه الله خير وهو خير الرازقين.
إلى صراط مستقيم: أي إلى الإسلام.
عن الصراط لناكبون: أي عن الإسلام أي متنكبونه جاعلوه على منكب أي جانب عادلون عنه.
للجوَّا في طغيانهم يعمهون: لتمادوا في طغيانهم مصرين عليه.
فما استكانوا: أي ما ذلوا ولا خضعوا.
إذا هم فيه مبلسون: أي آيسون قنطون.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في دعوة المشركين إلى التوحيد والإيمان بالبعث والجزاء فقوله تعالى: ﴿ولو اتبع١ الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن﴾ هذا كلام مستأنف لبيان حقائق أخرى منها أن هؤلاء المشركين لو اتبع الحقُّ النازل من عند الله والذي يمثله القرآن أهواءهم أي ما يهوونه ويشتهونه فكان يوافقهم عليه لأدى ذلك إلى

١ اختلف في المراد بالحق فقيل: هو الله تعالى قاله مجاهد وغيره، وقيل معناه ولو اتبع صاحب الحق، وقيل: هو مجاز أي: لو وافق الحق أهواءهم فجعل موافقته إتباعاً، وما في التفسير أظهر، وقد استظهره ابن جرير الطبري.

صفحة رقم 529

فساد الكون كله علويه١ وسفليه، وذلك لأنهم أهل باطل لا يرون إلاّ الباطل ويصبح سيرهم معاكساً للحق فيؤدي حتما إلى خراب الكون وقوله تعالى: ﴿بل أتيناهم بذكرهم﴾ أي جئناهم بذكرهم الذي هو القرآن الكريم إذ به يذكرون وبه يُذكرون لأنه سبب شرفهم، وقوله: ﴿فهم عن ذكرهم معرضون﴾، فهم لسوء حالهم وفساد قلوبهم معرضون عما به يذكرون ويذكرون٢، وقوله تعالى: ﴿أم تسألهم خرْجاً﴾ أي٣ أجراً ومالاً ﴿فخراج ربّك خير﴾ أي ثواب ربّك الذي يثيبك به خير وهو تعالى خير الرازقين وحاشا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يسألهم عن التبليغ أجراً وقوله تعالى: ﴿وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم﴾ أي إلى الإسلام طريق السعادة والكمال في الدنيا والآخرة، وقوله تعالى: ﴿وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط٤ لناكبون﴾ أي علة تنكبّهم أي ابتعادهم عن الإسلام هو عدم إيمانهم بالآخرة، وهو كذلك فالقلب الذي لا يعمره الإيمان بلقاء الله والجزاء يوم القيامة صاحبه ضد كل خير ومعروف ولا يؤمل منه ذلك لعلة كفره بالآخرة.
وقوله تعالى: ﴿ولو٥ رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون﴾ يخبر تعالى أنه لو رحم أولئك المشركين المكذبين بالآخرة، وكشف ما بهم من ضر أصابهم من قحط وجدب وجوع ومرض لا يشكرون الله، بل يتمادون في عتوهم وضلالهم وظلمهم يعمهون حيارى يترددون، وقوله تعالى: ﴿ولقد أخذناهم٦ بالعذاب﴾ وهي سنوات الجدب والقحط بدعوة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما أصابهم من قتل وجراحات وهزائم في بدر. وقوله: ﴿فما استكانوا٧ لربهم وما يتضرعون﴾ فما ذلوا لربهم وما دعوه ولا تضرعوا إليه بل بقوا على طغيانهم في ضلالهم ومرد هذا ظلمة النفوس الناتجة عن الشرك والمعاصي.
وقوله تعالى: ﴿حتى إذا فتحنا عليهم باباً ذا عذاب شديد﴾ وهو معركة بدر وما أصاب

١ وما في الكون العلوي من الملائكة، والسفلي من الجن والإنس، وإلى هذا الإشارة بِمَنْ في قوله: ﴿ومن فيهن﴾.
٢ الأولى يذكرون بفتح الياء، مبنى للفاعل، والثانية يذكرون بضم الياء مبنيٌ للمفعول.
٣ قرىء خراجاً أيضاً والمعنى واحد، والمعنى: أتسألهم رزقاً فرزق ربك خير، وقيل: الخرج: الجعل والخراج: العطاء، والخرج: المصدر، والخراج: الاسم.
٤ الصراط في اللغة: الطريق، يسمي الدين طريقاً لأنه طريق إلى الجنة والناكب: العادل عن الشيء المعرض عنه، وهو مشتق من المنكب وهو جانب الكتف.
٥ ﴿ولو رحمناهم﴾ معطوف على جملة: ﴿حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب﴾ وما بينهما: اعتراض باستدلال عليهم وتنديم لهم وقطع لمعاذيرهم أي: أنهم ليسوا بحيث لو استجاب الله جؤارهم ﴿دعاءهم﴾ عند نزول العذاب بهم وكشفه عنهم لعادوا إلى ما كانوا فيه من الغمرة والشرك والأعمال السيئة. وهذا كقوله: ﴿إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون﴾.
٦ هذا استدلال على مضمون ما في قوله: ﴿ولو رحمناهم﴾ الخ، و ﴿ال﴾ في العذاب للعهد أي: بالعذاب المذكور آنفاً في قوله: ﴿حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب﴾.
٧ الاستكانة: مصدر بمعنى الخضوع، مشتقة من السكون، لأن الذي يخضع يقطع الحركة أمام من يخضع له.

صفحة رقم 530
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير
عرض الكتاب
المؤلف
جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري
الناشر
مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة
سنة النشر
1424
الطبعة
الخامسة
عدد الأجزاء
5
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية