لتنتفعوا بها فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ الا عقاب جمع عقب وهو مؤخر الرجل ورجع على عقبه إذا انثنى راجعا والنكوص الرجوع القهقرى اى معرضون عن سماعها أشد الاعراض فضلا عن تصديقها والعمل بها مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ اى حال كونكم مكذبين بكتابي الذي عبر عنه بآياتى على تضمين الاستكبار معنى التكذيب سامِراً حال بعد حال وهو اسم جمع كالحاضر قال الراغب قيل معناه سمارا فوضع الواحد موضع الجمع وقيل بل السامر الليل المظلم والسمر سواد الليل ومنه قيل للحديث بالليل سمر وسمر فلان إذا تحدث ليلا وكانوا يجتمعون حول البيت بالليل ويسمرون بذكر القرآن وبالطعن فيه وكانت عامة سمرهم ذكر القرآن وتسميته سحرا وشعرا تَهْجُرُونَ حال اخرى من الهجر بالفتح بمعنى الهذيان او الترك اى تهذون فى شأن القرآن وتتركونه وفيه ذم لمن يسمر فى غير طاعة الله تعالى وكان عليه السلام يؤخر العشاء الى ثلث الليل ويكره النوم قبلها والحديث بعدها قال القرطبي اتفق على كراهية الحديث بعدها لان الصلوات حد كفرت خطايا الإنسان فينام على سلامة وقد ختم الحفظة صحيفته بالعبادة فان سمر بعد ذلك فقد لغا وجعل خاتمتها اللغو والباطل وكان عمر رضى الله عنه لا يدع سامرا بعد العشاء ويقول ارجعوا فلعل الله يرزقكم صلاة او تهجدا قال الفقيه ابو الليث رحمه الله السمر على ثلاثة أوجه. أحدها ان يكون فى مذاكرة العلم فهو أفضل من النوم ويلحق به كل ما فيه خير وصلاح للناس فانه كان سمر رسول الله ﷺ بعد العشاء فى بيت ابى بكر رضى الله عنه ليلا فى الأمر الذي يكون من امر المسلمين. والثاني ان يكون فى أساطير الأولين والأحاديث الكذب والسخرية والضحك فهو مكروه. والثالث ان يتكلموا للمؤانسة ويجتنبوا الكذب وقول الباطل فلا بأس به والكف عنه أفضل للنهى الوارد فيه وإذا فعلوا ذلك ينبغى ان يكون رجوعهم الى ذكر الله والتسبيح والاستغفار حتى يكون رجوعهم بالخير وكان عليه السلام إذا أراد القيام عن مجلسه قال سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان لا اله الا أنت استغفرك
وأتوب إليك ثم يقول علمنيهن جبريل
قال فى روضة الاخبار من قال ذلك قبل ان يقوم من
مجلسه كفر الله ما كان فى مجلسه ذلك كذا فى الحديث انتهى وروى عن عائشة رضى الله عنها انها قالت لا سمر الا لمسافر او لمصل ومعنى ذلك ان المسافر يحتاج الى ما يدفع عنه النوم للمشى فابيح له ذلك وان لم يكن فيه قربة وطاعة والمصلى إذا سمر ثم صلى يكون نومه على الصلاة وختم سمره بالطاعة فعلى العاقل ان يجتنب عن الفضول وعن كل ما يفضى الى البعد عن حريم القبول وبقي عمره من تضيع الأوقات فى اكتساب ما هو من الآفات: قال الحافظ
ما قصه سكندر ودارا بخوانده ايم
از ما بجز حكايت مهر ووفا مپرس
وقال بعضهم
جز ياد دوست هر چهـ كنم جمله ضايعست
جز سر شوق هر چهـ بگويم بطالتست
أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ الهمزة لانكار الواقع واستقباحه والفاء للعطف على مقدر اى
صفحة رقم 93
أفعل الكفار ما فعلوا من النكوص والاستكبار والهجر فلم يتدبروا القرآن ليعرفوا بما فيه من اعجاز النظم وصحة المدلول والاخبار عن الغيب انه الحق من ربهم فيؤمنوا به فضلا عما فعلوا فى شأنه من القبائح والتدبر إحضار القلب للفهم قال الراغب التدبر التفكر فى دبر الأمور أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ أم منقطعة مقدرة ببل والهمزة قيل للاضراب والانتقال عن التوبيخ بما ذكر الى التوبيخ بآخر والهمزة لانكار الواقع اى بل أجاءهم من الكتاب ما لم يأت آباءهم الأولين حتى استبعدوه فوقعوا فى الكفر والضلال يعنى ان مجيئ الكتب من جهته تعالى الى الرسل سنة قديمة له تعالى لا يكاد يتسنى إنكارها وان مجيئ القرآن على طريقته فمن اين ينكرونه أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ إضراب وانتقال من التوبيخ بما ذكر الى التوبيخ بوجه آخر والهمزة لانكار الوقوع ايضا اى بل ألم يعرفوه عليه السلام بالامانة والصدق وحسن الأخلاق وكمال العلم مع عدم التعلم من أحد الى غير ذلك من صفة الأنبياء فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ اى جاهدون بنبوته فحيث انتفى عدم معرفتهم بشأنه عليه السلام ظهر بطلان انكارهم لانه مترتب عليه أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ انتقال الى توبيخ آخر والهمزة لانكار الواقع اى بل أيقولون به جنون: وبالفارسية [يا ميكويند در وديونكيست] مع انه أرجح الناس عقلا واثقبهم ذهنا واتقنهم رأيا وأوفرهم رزانة بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ اى ليس الأمر كما زعموا فى حق القرآن والرسول بل جاءهم الرسول بالصدق الثابت الذي لا ميل عنه ولا مدخل فيه للباطل بوجه من الوجوه قال الكاشفى [يعنى اسلام يا سخن راست كه قرآنست] وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ من حيث هو حق اى حق كان لا لهذا الحق فقط كما ينبئ عنه الإظهار فى موقع الإضمار كارِهُونَ لما فى جبلتهم من الزيغ والانحراف المناسب للباطل ولذلك كرهوا هذا الحق الأبلج وزاغوا عن الطريق الانهج وتخصيص أكثرهم بهذا الوصف لا يقتضى الا عدم كراهة الباقين لكل حق من الحقوق وذلك لا ينافى كراهتهم لهذا الحق المبين يقول الفقير لعل وجه التخصيص ان اكثر القوم وهم الباقون على الكفر كارهون للحق ولذا أصروا وأقلهم وهم المختارون للايمان غير كارهين ولذا أقروا فان الحكمة الالهية جارية على ان قوم كل نبى أكثرهم معاند كما قال تعالى (وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ) : قال الحافظ
كوهر پاك ببايد كه شود قابل فيض
ور نه هر سنك وكلى لؤلؤ ومرجان نشود
فالاقل وهم المستعدون كالجواهر النفيسة والازهار الطيبة والأكثر وهم غير المستعدين كالاحجار الخسيسة والنباتات اليابسة واعلم ان الكفار كرهوا الحق المحبوب المرغوب طبعا وعقلا ولو تركوا الطبع والعقل واتبعوا الشرع واحبوه لكان خيرا لهم فى الدنيا والآخرة ان قلت هل يعتد فى الآخرة بما يفعل الإنسان فى الدنيا من الطاعة كرها قلت لا فان الله تعالى ينظر الى السرائر ولا يرضى الا الإخلاص ولهذا قال عليه السلام (انما الأعمال بالنيات) وقال (أخلص يكفك القليل من العمل)