
(٣٤) أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ (٣٥) هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ (٣٦) إِنْ هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (٣٧) إِنْ هُوَ إِلا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (٣٨)
شرح الكلمات:
ثم أنشأنا من بعدهم قَرْناً آخرين: أي خلقنا من بعد قوم نوح الهالكين قوماً آخرين هم عاد قوم هود.
رسولاً منهم: هو هود عليه السلام.
أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره: أي قولوا لا إله إلاّ الله فاعبدوا الله وحده.
وأترفناهم: أي أنعمنا عليهم بالمال وسعة العيش.
أنكم مخرجون: أي أحياء من قبوركم بعد موتكم.
هيهات هيهات: أي بَعُدَ بُعْداً كبيراً وقوعُ ما يعدكم.
إن هي إلاّ حياتنا الدنيا: أي ما هي إلاّ حياتنا الدنيا وليس وراءها حياة أخرى.
إن هو إلاّ رجل: أي ما هو إلاّ رجلٌ افترى على الله كذباً أي كذب على الله تعالى.
معنى الآيات:
هذه بداية قصة هود عليه السلام بعد قصة نوح عليه السلام أيضاً فقال تعالى: ﴿ثم أنشأنا من بعدهم﴾ أي خلقنا وأوجدنا من بعد قوم نوح الهالكين قوماً آخرين هم١ عاد قوم هود ﴿فأرسلنا فيهم٢ رسولاً منهم﴾ هو هود عليه السلام بأن قال لهم: ﴿أن اعبدوا الله ما
٢ قوله: ﴿فيهم﴾ بدل إليهم: لأن هوداً أو صالحاً كان المرسل من أهل البلاد وفرداً من أفرادهم فلا يحسن أن يقال: إلى إلاّ إذا كان خارجاً عنهم ليس من أفرادهم، وذلك كما في أهل سدوم، ونينوي والقبط فجاء التعبير بإلى نحو: ﴿إلى فرعون وملئه﴾.

لكم من إله غيره} أي اعبدوا الله بطاعته وإفراده بالعبادة إذ لا يوجد لكم إله غير الله تصح عبادته إذ الخالق لكم الرازق الله وحده فغيره لا يستحق العبادة بحال من الأحوال وقوله: ﴿أفلا تتقون﴾ يحثهم على الخوف من الله ويأمرهم به قبل أن تنزل بهم عقوبته.
وقوله تعالى: ﴿وقال الملأ من قومه الذين كفروا﴾ أي وقال أعيان البلاد وأشرافها من قوم هود ممن كفروا بالله ورسوله وكذبوا بالبعث والجزاء في الدار الآخرة وقد أترفهم١ الله تعالى: بالمال وسعة الرزق فأسرفوا في الملاذ والشهوات: قالوا: وماذا قالوا؟: قالوا ما أخبرنا تعالى به عنهم بقوله: ﴿ما هذا إلاّ بشر مثلكم﴾ أي ما هذا الرسول إلاّ بشر مثلكم ﴿يأكل مما تأكلون منه﴾ من أنواع الطعام ﴿ويشرب مما تشربون﴾ من ألوان الشراب٢ أي فلا فرق بينكم وبينه فكيف ترضون بسيادته عليكم يأمركم وينهاكم. وقالو: ﴿ولئن أطعتم بشراً مثلكم إنكم إذاً لخاسرون﴾ أي خاسرون حياتكم ومكانتكم، وقالوا ﴿أيعدكم٣ أنكم إذا متم وكنتم تراباً وعظاماً﴾ أي فنيتم وصرتم تراباً ﴿أنكم مُخْرجِون﴾ أي أحياء من قبوركم. وقالوا: ﴿هيهات٤ هيهات﴾ أي بَعُد بُعْداً كبيراً ما يعدكم به هود إنهاما ﴿هي إلاّ حياتنا الدنيا﴾ أي ﴿نموت ونحيا﴾ جيل٥ يموت وجيل يحيا ﴿وما نحن بمبعوثين﴾ وقالوا: ﴿إن هو إلاّ رجل أفترى٦ على الله كذباً﴾ أي اختلق الكذب على الله وقال عنه أنه يبعثكم ويحاسبكم ويجزيكم بكسبكم. ﴿وقالوا ما نحن بمبعوثين﴾ هذه مقالتهم ذكرها تعالى عنهم وهي مصرحة بكفرهم وتكذيبهم وإلحادهم وما سيقوله هود عليه السلام سيأتي في الآيات بعد.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان سنة الله تعالى في إرسال الرسل، وما تبتدىء به دعوتهم وهولا إله إلاّ الله.
٢ في قولهم: يأكل مما تأكلون ويشرب مما تشربون. هذه الجملة وإن كانت تعليلا لبشرية الرسول فإنها دالة على أنهم حقاً مترفون منعّمون في ملاذ الأكل والشرب كأنّه لا هم لهم إلاّ ذاك، كما قيل: من أحب شيئاً أكثر من ذكره كما هي مجالس المترفين اليوم جل لأحاديثهم حول الأكل والشرب ونحوهما.
٣ الاستفهام للتعجيب، والكلام انتقال من تكذيبهم بكونه رسولاً إليهم إلى التكذيب بما أرسل به من الدين الحق.
٤ الجمهور من النّحاة واللغويين: أن هيهات اسم فعل ماضٍ بمعنى بَعُدَ وهي مبنية على الفتح والكسر أيضاً ولا تُقال إلاّ مكررة، قال الشاعر:
فهيهات هيهات العقيق وأهله
هيهات خلّ بالعقيق نواصله
٥ إن قيل: كيف قالوا: نموت ونحيا وهم منكرون للبعث؟ قيل في الجواب: إما أن يكون مرادهم نكون نطفاً ميتة ثم نحيا، وإما أن يكون في الكلام تقديم وتأخير أي: نحيا فيها ونموت نحو ﴿واسجدي واركعي﴾ وإما بموت الآباء وحياة الأبناء.
٦ الافتراء: الكذب الذي لا شبهة فيه للمخبر، وهو الاختلاق.