آيات من القرآن الكريم

وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً ۖ نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ
ﯜﯝﯞﯟﯠ ﯢﯣﯤﯥﯦ ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ ﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ ﮉﮊﮋﮌ ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ

و " تبارك " تفاعل من البركة.
وقال ابن جريج: كان عيسى يخلق بأمر الله تعالى فلذلك قال: ﴿أَحْسَنُ الخالقين﴾.
وقال مجاهد: يصنعون ويصنع الله، والله خير الصانعين، وهذا اختيار الطبري. لأن العرب تسمي كل صانع خالقاً. قال الشاعر، وهو زهير:

ولأَنْتَ تَفْرِيَ ما خَلقْتَ وَبَعْ ضُ القَوْمِ يَخْلُقُ ثُمَّ لاَيَفْري.
أي: ما صنعت.
وقيل: معناه، أحسن المقدرين. فالناس يقدرون. ولا يتم ما يريدزون لعجزهم والله يتمم ما يقدر، فهو خير المقدرين.
وقيل المعنى، أن المشركين صنعوا تماثيل ولا ينفخون فيها الروح فخلق الله آدم ونفخ فيه الروح، فهو أحسن الصانعين، إذ لا يطيق أحد نفخ الروح غيره.
ورويَ: أن عمر بن الخطاب لما سمع الآيات إلى قوله: ﴿ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ﴾ قال: ﴿فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين﴾. فنزلت ﴿فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين﴾.
قوله تعالى ذكره: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلك لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القيامة تُبْعَثُونَ﴾. إلى قوله: ﴿في آبَآئِنَا الأولين﴾.
أي: ثم إنكم يا بني آدم بعد إنشاء الله لكم خلقاً آخر تموتون تصيرون رفاتاً ثم

صفحة رقم 4952

إنكم بعد موتكم وتصييركم رفاتاً تبعثون فتحيون للحساب والجزاء في القيامة.
ثم قال: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَآئِقَ﴾.
يعني: سماوات بعضها فوق بعض.
والعرب تسمي كل شيء فوق شيء طريقة. فلذلك قيل للسماوات طرائق، إذ بعضها فوق بعض.
ثم قال تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا عَنِ الخلق غَافِلِينَ﴾.
أي: لم نغفل عن خلق السماوات أن تسقط عليكم، بل كنا حافظين لهن. وهذا بمنزلة قوله: ﴿وَجَعَلْنَا السمآء سَقْفاً مَّحْفُوظاً﴾ [الأنبياء: ٣٢] أي: محفوظاً أن يسقط عليكم.
وقيل: محفوظاً من الشياطين.
وقيل: المعنى، إنا لحفظنا إياكم خلقنا السماوات هذا الخلق، ويجوز أن يكون المعنى: ليس يغفل عن أعمال الخلق، وأحصى أفعالهم مع كون سبع طرائق فوقهم.
ثم قال: ﴿وَأَنزَلْنَا مِنَ السمآء مَآءً بِقَدَرٍ﴾، يعني: مياه الأرض كلها أصلها من السماء، أسكنه الله الأرض لينتفع به خلقه.
قال ابن جريج: " ماء الأرض هو ماء السماء ". فماء الآبار والأدوية والعيون، هو من ماء السماء أصله، أسكنه الله الأرض.

صفحة رقم 4953

قوله تعالى: ﴿وَإِنَّا على ذَهَابٍ بِهِ لقادرون﴾.
أي: وإنا لقادرون على أن نذهب بالماء الذي أسكناه الأرض فتهلكوا بالعطش وتهلك مواشيكم وهذا مثل قوله: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ/ مَآؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَآءٍ مَّعِينٍ﴾ [الملك: ٣٠]. فمن نعمة الله على خلقه أن أسكن لهم الماء في الأرض مخزوناً يشربونه ويسقون مواشيهم ويسقون زرعهم وأَجْنُنَهم، ويتطهرون به وغير ذلك من منافعهم به.
وروى ابن عباس أن النبي ﷺ قال: " أنزل الله من الجنة إلى الأرض خمسى أنهار: سيحون وهو نهر الهند وجيحون وهو نهر بلخ ودجلة والفرات وهما نهرا العراق، والنير وهو نهر مصر أنزلها الله من عين واحدة من عيون الجنة في أسفل درجة من درجاتها، فاستودعها الجبال وأجاراها في الأرض، وجعل فيها معايش للناس في أصناف معايشهم، وذلك قوله تعالى ذكره: ﴿وَأَنزَلْنَا مِنَ السمآء مَآءً بِقَدَرٍ فأسكناه فِي الأرض﴾ وإذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج، أرسل الله تعالى جبريل ﷺ، فرفع من الأرض القرآن والعلم وهذه الأنهار الخمسة، فيرفع ذلك إلى السماء، فذلك قوله تعالى: ﴿وَإِنَّا على ذَهَابٍ بِهِ لقادرون﴾ ".
ثم قال تعالى ذكره: ﴿فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ﴾.
أي: فأحدثنا لكم بالماء بساتين من نخيل وأعناب ﴿لَّكُمْ فِيهَا﴾ أي: من

صفحة رقم 4954

الجنات فواكه كثيرة، ﴿وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾.
أي: ومن الفواكه تأكلون.
وقيل المعنى: ومن الجنات تأكلون.
وقيل المعنى: من النخيل والأعناب تأكلون.
وخص ذكر النخيل والأعناب دون سائر الثمار، لأن القوم الذين نزل عليهم القرآن كان عامة فاكهة بلدهم النخيل والأعناب، فخوطبوا بهما عندهم من الثمار ليذكروا أنعم الله عليهم، فكان النخيل لأهل الحجاز والمدينة، وكانت الأعناب لأهل الطائف.
ثم قال: ﴿وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ تَنبُتُ بالدهن﴾.
أي: وأنشأنا لكم ذلك، يعني شجرة الزيتون تخرج من جبل فلسطين. " وطور سيناء " الجبل الحسن.
فالمعنى وأنشأنا لكم شجرة خارجة من هذا الجبل.
ومن كسر السين من " سيناء " جعله فعلالاً وليس بفعلاْ إذ ليس في الكلام هذا المثال فيه همزة التأنيث، ولم يصرف لأنه اسم للبقعة، ولأنه معرفة.
وقال الأخفش: هو اسم أعجمي.

صفحة رقم 4955

فأما من فتح السين، فإنه فعلاء، كحمراء، فلم ينصرف للتأنيث وهما لغتان وقال أبو عمرو: الفتح لغة بني تميم.
وقال الفراء: لم يكسر السين إلا بنو كنانة.
وقال مجاهد: معنى سيناء: المبارك.
وقال ابن عباس: هو جبل بالشام مبارك.
وقال قتادة: معنى: " سيناء " و " سينين "، حسن.
وقال ابن عباس أيضاً: سيناء، الجبل الذي نودي منه موسى.
وقال ابن زيد: هو الطور الذي بالشام جبل ببيت المقدس ممدود من مصر إلى أيلة.
وقيل: هو جبل ذو شجر.
والمعنى فيه: أن سيناء اسم معرفة، أضيف إليه الطور فعرف به كما قيل: جبلا طيء، وهو معنى قول ابن عباس: أن سيناء الجبل الذي نودي منه موسى، وهو مع ذلك مبارك.

صفحة رقم 4956

ويلزم من قال معناه جبل مبارك أو جبل حسن أون ينون طوراً ويجعل سيناء له نعتاً.
وقوله: ﴿تَنبُتُ بالدهن﴾ مذهب أبي عبيدة أن الباء زائدة والتقدير، تنبت الدهن.
ومذهب الفراء وأبي إسحاق أن الباء متعلقة بالمصدر الذي دلّ عليه الفعل، فالمصدر في كل الأفعال يحسن دخول الحرف معه على المفعول، وإن كان لا يحسن مع الفعل. ألا ترى أنك تقول: هو ضارب لزيد، فتدخل اللام. وتقول: أعجبني أكل للخبز زيد، ولو قلت: هو ضارب لزيد لم يجز، لأن اسم الفاعل أضعف في العمل من الفعل. فكذلك المصدر، هو أضعف في العمل من الفعل. فجاز دخول حرف الجر معه، وإن كان لا يدخل مع الفعل لقوة الفعل في التعدي.
وتنبُتُ وتنبِتُ لغتان بمعنى كما يقال: مطرت السماء، وأمطرت وسرى وأسرى بمعنى والتقدير في العربية تنبت وفيها دهن أو معها دهن.
وقوله: ﴿وَصِبْغٍ لِّلآكِلِيِنَ﴾ يعني الزيتون.

صفحة رقم 4957

قال ابن عباس: يصطبغ بالزيت الذي يأكلونه. يعني يأتدمون به/.
ثم قال تعالى: ﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأنعام لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهَا﴾.
أي: وإن لكم أيها الناس في الإبل والبقر والغنم والمعز لعبرة تعتبرون بها فتعرفون نهم الله عندكم، وأنه لا يعجزه شيء أراده فهو يسقيكم من اللبن الخارج من بين الفرث والدم، ولكم فيها أيضاً مع ذلك منافع كثيرة، كالإبل يحمل عليها، وكالبقر يحرث بها ﴿وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾.
أي: من لحومها تأكلون.
﴿وَعَلَيْهَا وَعَلَى الفلك تُحْمَلُونَ﴾ أي: وعلى الإبل والسفن يحملون براً وبحراً.
ثم قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إلى قَوْمِهِ فَقَالَ ياقوم اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ﴾.
أي: أرسل نوحاً إلى قومه داعياً لهم إلى الإيمان بالله وإلى طاعته. فقال لهم: ﴿ياقوم اعبدوا الله﴾ أي: ذلوا له بالطاعة لا معبود لكم غيره ﴿أَفَلاَ تَتَّقُونَ﴾ أي: تخشون بعبادتكم سواه العقوبة أن تحل بكم.
ثم قال تعالى: ﴿فَقَالَ الملأ الذين كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ﴾.
أي: فقال جماعة أشراف قومه الذين جحدوا توحيج الله وكذبوه لقومهم: يا قوم، ما هذا إلا بشر مثلكم. أي: ما نوح إلا ابن آدم ﴿مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ﴾ أي يريد أن يكون له الفضل عليكم، فيكون متبوعاً وأنتم له تبع.
﴿وَلَوْ شَآءَ الله لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً﴾.

صفحة رقم 4958
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية