آيات من القرآن الكريم

وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ
ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ

موقنا قرأها على جبل لزال.
ثم نزه نفسه المنزهة عما وصفه به المشركون فقال «فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ» ١١٦ وصفه بالكريم، لأن الرحمات تنزل على عباده من قبله وهو أعظم مخلوقات الله تعالى، راجع الآية ٧ من سورة يونس المارة «وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ» ولا حجة ولا دليل، وإنما هو اختلاق من نفسه، وهذا الكافر الذي يقول هذه المقالة القبيحة «فَإِنَّما حِسابُهُ» عليها وجزاؤه يكون في الآخرة «عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ» ١١٧ بها بل يخيبون ويشقون ويخسئون «وَقُلْ» يا سيد الرسل «رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ» ١١٨ لأن من أدركته رحمتك أغنته عن رحمة من سواك ورحمة الغير لا تغني عن رحمتك. واعلم أنه تعالى بعد أن بين أنه هو الملك الحق وأن لا رب غيره أردفه ببيان أن من ادعى ربا غيره فقد افترى باطلا، ثم أتبعه بأن من جرؤ على ذلك الذي لا بينة له عليه فجزاؤه العقاب الأليم، إذ قال (إنما حسابه عند ربه) إلخ وناهيك به محاسب. أخرج البخاري ومسلم والترمذي عن أبي بكر رضي الله عنه قال: يا رسول الله علمني دعاء أدعوه في صلاتي، قال قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم. هذا والله أعلم، واستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.
تفسير سورة السجدة عدد ٢٥ و ٧٥- ٣٢
نزلت بمكة بعد سورة المؤمنين عدا الآيات ص ١٦ إلى ٢٠ فإنهن نزلن بالمدينة.
وهي ثلاثون آية، وثلاثمائة وثمانون كلمة، وألف وخمسمائة وثمانية عشر حرفا، وتسمى سورة المضاجع، ومثلها في عدد الآي سورة تبارك وسورة الفجر.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قال تعالى: «الم» ١ تقدم ما فيه والله أعلم بما فيه، راجع أول سورة لقمان المارة، وعلى أنه اسم للسورة يكون

صفحة رقم 369

مبتدأ خبره قوله تعالى «تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ» ٢ لجميع العالمين المدركين «أَمْ» استفهام إنكار، ويفيد الانتقال من كونه منزلا من الله بلا شك ولا شبهة إلى ما يتفوه فيه الكفرة مما حكى الله عنهم بقوله عز قوله «يَقُولُونَ افْتَراهُ» محمد من تلقاء نفسه واختلقه كلا «بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ» يا سيد الرسل لا يقدر أحد أن يبتدع مثله وقد أنزلنا عليك «لِتُنْذِرَ» به «قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ» هم قومك إذ لم ينذروا من قبل أحد بعد إسماعيل عليه السلام الذي اندرست شريعته وتفادم عهده ولم يترك لهم كتابا يرجعون إليه من بعده، راجع الآية ٤٤ من سورة سبا المارة وأول سورة يس في ج ١، «لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ» ٣ به.
مطلب في أهل الفترة من هم، ونسبة أيام الآخرة لأيام الدنيا.
قال ابن عباس هذا في الفترة التي بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، ولا حجة في هذه الآية على عدم عموم رسالة محمد صلّى الله عليه وسلم أو أنها قاصرة على العرب لعدم وجود حجة القصر، والآيات في التعميم كثيرة، إلا أنه لما كانت الأمم غير العرب تتهافت عليها الرسل واحدا بعد واحد- كما مر في الآية ٤٤ من سورة المؤمنين المارة- دون العرب، قال تعالى (ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ) الآية، ولأنهم أمّيّون ولا كتاب لديهم يقتدون بما فيه من أمور دينهم، بخلاف اليهود والنصارى فإنهما بعد انقطاع الرسل عنهم ملزمون باتباع شرائع من قبلهم ورسلهم الذين كانوا يدعونهم بمقتضاها، إذ أن دعوتهم منحصرة بهم، وقد جاء في الإنجيل على لسان عيسى عليه السلام (إني حقا أرسلت إلى بني إسرائيل) وفي نسخة (إلى خراف إسرائيل) فثبت من هذا أن العرب لم تدعهم إلى الله رسل بني إسرائيل، ولما كان كل نبي تنقطع أحكام نبوته بعد موته إلا محمدا صلّى الله عليه وسلم لأنه خاتم النبيين والمرسلين ورسالته عامة إلى الخلق كافة، وكانت ذرية كل نبي ملزمة باتباع شريعته، كان على قريش أن تلتزم شريعة إسماعيل عليه السلام كما كان أوائلهم متمسكين بها، إلا أنه فشت فيهم عبادة الأوثان التي أحدثها عمرو الخزاعي وعكفوا عليها إلا ما ندر منهم كزيد بن عمرو بن نوفل العدوي والد سعيد أحد العشرة المبشرين بالجنة، وقد عاصر النبي صلّى الله عليه وسلم، وقالوا إنه آمن به

صفحة رقم 370

قبل بعثته وقد مات إبان بناء الكعبة عام ٢٥ من ولادته صلّى الله عليه وسلم الواقعة عام الفيل سنة ٥٧٠ من ولادة عيسى عليه السلام، وكان يعيب على قريش ذبحهم لغير الله، وقس بن ساعدة الإيادي كان مؤمنا بالله وعاصر حضرة الرسول أيضا، وتوفي أوائل البعثة الشريفة، وخالد ابن سنان العيسي كذلك كان مؤمنا. وما قيل إنهم رحمهم الله كانوا أنبياء لا صحة له البتة، أما ورقة بن نوفل فقيل إنه تنصر. هذا، ولا تعارض بين هذه الآية وآية فاطر ٢٤ وهي (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) كما أوضحناه في تفسيرها، فراجعها يتبين لك أنه خلا أول العرب أي سلف نذير فيهم وهو إسماعيل عليه السلام، إلا أنه لم يرسل إليهم رسول بعده وبقوا طيلة هذه المدة العظيمة مهملين دون رسول ولا كتاب، بيد أن الأمم الأخرى تتابعت عليهم الرسل.
وقال بعض المفسرين إن (ما) هنا في هذه الآية اسم موصول، وعليه يكون المعنى لتنذر قوما العقاب الذي أتاهم من نذير من قبلك، يريد بهذا النذير إسماعيل، وهو ليس بشيء، لأن أكثرهم لا يعرفون أنه كان هناك نبي أم لا، وما جرينا عليه بأن (ما) نافية أنسب بالمقام وأولى بالمعنى وأقوى حجة وبرهانا. هذا وإذا علمت نفي مجيء رسول إليهم تعلم أنهم لم يؤاخذوا على عدم القيام بالشرائع، لأنها لا تدرك إلا من قبل الرسول ولكنهم يؤاخذون بعدم معرفة الله وتوحيده، لأن العقل السليم قد يوصل إلى ذلك من غير واسطة الرسل، وقدمنا ما يتعلق في هذا في الآية ١٥ من سورة الإسراء في ج ١ فراجعها. أما ما يتعلق في عموم رسالته فقدمناه أيضا في الآية ٢٨ من سورة سبأ المارة. قال تعالى «اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ» هو المستحق للعبادة وحده، راجع الآية ١١٦ من سورة المؤمنين المارة وما ترشدك إليه تقف على معنى العرش وعظمته. واعلموا أيها الناس أنكم «ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ» يلي أموركم وينصركم غيره «وَلا شَفِيعٍ» دون أمره ورضاه فزعمكم بشفاعة الأصنام باطلة «أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ» ٤ بمواعظ الله وتتعظون بعبره وهو الذي «يُدَبِّرُ الْأَمْرَ» في الدنيا على وجه الحكمة والإتقان فينزله «مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ» مدة دوامها «ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ» ذلك الأمر كله ليحكم فيه وقت

صفحة رقم 371

فصل القضاء بين الناس في الآخرة، قال تعالى (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) الآية ٤ من سورة المعارج الآتية. واعلم أن هذه المسافة ما بين الأرض وسدرة المنتهى التي هي مقام جبريل عليه السلام. قال ابن عباس لعبد الله بن فيروز حين سأله عن هذه الأيام: أيام سماها الله لا أدري ما هي وأكره أن أقول في كتاب الله ما لا أعلم. وسيأتي لهذا البحث صلة في الآية المذكورة إن شاء الله فراجعه «فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ» بالنسبة لتقدير أيامكم أيها الناس «أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ» ٥ الآن وذلك أن مسافة ما بين الأرض وسماء الدنيا على ما جاءت به الآثار خمسمائة سنة، فيكون صعوده ونزوله ألف سنة، بحيث لو كانت هذه المسافة موجودة وسار عليها ابن آدم فلا يقطعها إلا بألف سنة.
هذا إذا كان العروج لسماء الدنيا فقط، أما إذا كان لمحل صدور الأمر فهو أكثر بكثير كما سيأتي في الآية ٤ المذكورة آنفا، «ذلِكَ» الإله العظيم الذي صنع ما ذكر هو «عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ» أي ما غاب عن هذا الكون في الآخرة وما عاينوه في الدنيا «الْعَزِيزُ» الغالب أمره كل شيء «الرَّحِيمُ» بأهل طاعته «الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ» في الدارين «وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ» آدم عليه السلام «مِنْ طِينٍ» ٧ وقرأ بعضهم وبدى، وعليه قول ابن رواحه:

باسم الإله وبه بدينا ولو عبدنا غيره شقينا
«ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ» نطفة سيّالة من الإنسان مكونة «مِنْ ماءٍ مَهِينٍ» ٨ حقين ضعيف قليل «ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ» أي جعل فيه الشيء الذي اختص به تعالى ولذلك أضافه لنفسه المقدسة تشريفا له وإظهارا بأنه مخلوق كريم على ربه وإعلاما بأن له شأنا بنسبته إلى الحضرة الإلهية يؤيد هذا قوله صلّى الله عليه وسلم إن الله خلق آدم على صورته، وفي رواية على صورة الرحمن.
وهذه الرواية الأخيرة لم تبق مجالا للتأويل والتفسير، أما الأول فقد قال بعضهم إن الضمير يعود إلى آدم أي على صورته نفسه التي هو عليها وليس بشيء والنفخ على حقيقته، وقدمنا ما يتعلق فيه في الآية ٨ من سورة المؤمنين والآية ٦٦ من سورة النحل المارتين، وفيهما ما يرشدك إلى غيرها مما هو مشبع فيه بحثه. واعلم

صفحة رقم 372
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية