أَحَدُهُمَا: هُوَ «أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ» وَ «لَا» زَائِدَةٌ ; أَيْ مُمْتَنَعٌ رُجُوعُهُمْ إِلَى الدُّنْيَا. وَقِيلَ: لَيْسَتْ زَائِدَةً ; أَيْ مُمْتَنَعٌ عَدَمُ رُجُوعِهِمْ عَنْ مَعْصِيَتِهِمْ.
وَالْجَيِّدُ أَنْ يَكُونَ «أَنَّهُمْ» فَاعِلًا سَدَّ مَسَدَّ الْخَبَرِ.
وَالثَّانِي: الْخَبَرُ مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ: تَوْبَتُهُمْ، أَوْ رَجَاءُ بَعْثِهِمْ، إِذَا جَعَلْتَ «لَا» زَائِدَةً.
وَقِيلَ: «حَرَامٌ» خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ ; أَيْ ذَلِكَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ حَرَامٌ ; وَحَرَامٌ وَحِرْمٌ لُغَتَانِ مِثْلَ حَلَالٍ وَحِلٍّ، وَمَنْ فَتَحَ الْحَاءَ وَكَسَرَ الرَّاءَ كَانَ اسْمَ فَاعِلٍ مِنْ حَرِمَ ; أَيِ امْتَنَعَ مِثْلَ فَلِقَ، وَمِنْهُ:
يَقُولُ لَا غَائِبٌ مَالِي وَلَا حَرِمٌ
أَيْ مُمْتَنَعٌ.
وَيُقْرَأُ «حَرُمَ» عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا. وَ (أَنَّهُمْ) بِالْفَتْحِ عَلَى أَنَّهَا مَصْدَرِيَّةٌ، وَبِالْكَسْرِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ.
وَ (حَتَّى) : مُتَعَلِّقَةٌ فِي الْمَعْنَى بِحَرَامٍ ; أَيْ يَسْتَمِرُّ الِامْتِنَاعُ إِلَى هَذَا الْوَقْتِ، وَلَا عَمَلَ لَهَا فِي «إِذَا».
وَيُقْرَأُ «مِنْ كُلِّ جَدَثٍ» بِالْجِيمِ وَالثَّاءِ، وَهُوَ بِمَعْنَى الْحَدَبِ.
وَ (يَنْسِلُونَ) بِكَسْرِ السِّينِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ، وَجَوَابُ إِذَا: «فَإِذَا هِيَ». وَقِيلَ: جَوَابُهَا: قَالُوا يَا وَيْلَنَا وَقِيلَ: وَاقْتَرَبَ، وَالْوَاوُ زَائِدَةٌ.
قَالَ تَعَالَى: (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (٩٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَإِذَا هِيَ) :«إِذَا» لِلْمُفَاجَأَةِ، وَهِيَ مَكَانٌ، وَالْعَامِلُ فِيهَا «شَاخِصَةٌ» وَهِيَ ضَمِيرُ الْقِصَّةِ.
وَ (أَبْصَارُ الَّذِينَ) : مُبْتَدَأٌ، وَ «شَاخِصَةٌ» : خَبَرُهُ.
(يَاوَيْلَنَا) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِقَالُوا الْمُقَدَّرِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: يَقُولُونَ ; فَيَكُونُ حَالًا.
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (٩٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (حَصَبُ جَهَنَّمَ) : يُقْرَأُ بِفَتْحِ الصَّادِ، وَهُوَ مَا تُوقَدُ بِهِ، وَبِسُكُونِهَا، وَهُوَ مَصْدَرُ حَصَبْتَهَا: أَوْقَدْتَهَا ; فَيَكُونُ بِمَعْنَى الْمَحْصُوبِ.
وَيُقْرَأُ بِالضَّادِ مُحَرَّكَةً وَسَاكِنَةً، وَبِالطَّاءِ ; وَهُمَا بِمَعْنًى.
(أَنْتُمْ لَهَا) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ «حَصَبُ جَهَنَّمَ» وَأَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا، وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ «جَهَنَّمَ».
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (١٠١) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (١٠٢) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (١٠٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنَّا) : يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِـ «سَبَقَتْ»، وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ «الْحُسْنَى».
وَ (لَا يَسْمَعُونَ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ «مُبْعَدُونَ» وَأَنْ يَكُونَ خَبَرًا ثَانِيًا، وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي «مُبْعَدُونَ».
(هَذَا يَوْمُكُمُ) : أَيْ يَقُولُونَ.
قَالَ تَعَالَى: (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (١٠٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَوْمَ نَطْوِي) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنَ الْعَائِدِ الْمَحْذُوفِ مِنْ قَوْلِهِ: «تُوعَدُونَ» أَوْ عَلَى إِضْمَارِ أَعْنِي ; أَوْ ظَرْفًا لِـ «لَا يَحْزُنُهُمُ»، أَوْ بِإِضْمَارِ اذْكُرْ.
وَنَطْوِي - بِالنُّونِ - عَلَى التَّعْظِيمِ، وَبِالْيَاءِ عَلَى الْغَيْبَةِ، وَبِالتَّاءِ وَتَرْكِ تَسْمِيَةِ الْفَاعِلِ.