آيات من القرآن الكريم

وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ ۖ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَٰنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي
ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ

(يَا قَوْمِ إِنَّمَا فتِنتُم بِهِ) قال لهم بمجرد أن رأى منهم عبادة العجل قبل أن يحضر موسى إليهم، وقبل أن يعرف لموسى أمر فتنتهم (إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ) أي اختبر إيمانكم بهذه الصورة صورة العجل، والضمير في (بِهِ) يعود إلى العجل الذي هو موضع الحديث، سلبا وإيجابا شدّا إلى التوحيد، وجذبا

صفحة رقم 4773

إلى الكفر، وإنما في قوله تعالى (إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ)، أي أنه ليس له حقيقة أي حقيقة حتى تجعلوه إلها يعبد، ولكنها فتنة نفوسكم التي أثرت فيها إقامتكم في أرض الفراعنة.
قال لهم نبي الله هارون عليه السلام ذلك في إبانه، فما قصر في إرشاد، ولكن لم يؤثر فيهم ذلك القول، كما لو كان من موسى عليه السلام؛ لأن موسى الأصيل في الرسالة، وهارون ردء له، فلم يكن له تأثيره، وكأنَّهم لَا يقرون برياسة إلا لموسى، ومع أنه قرر حقيقة بدهية، وهي أن ربهم الرحمن، وطالبهم بأن يتبعوه ولا يخالفوه في أمر، مع ذلك أعلنوا ما يفيد أنهم لَا يعترفون إلا بموسى رئيسا مطاعا، وقبل أن ننقل قولهم الذي أفاد إصرارهم نقول أولا: إن هارون ناداهم بما يقربهم إليه ويؤنسهم به، فقال: (يَا قَوْمِ) فهذا إشعار بالرباط الذي يربطهم به نسبا، ويدنيهم إليه. ويقول ثانيا مؤكدا الفتنة التي يجب أن يتركوها، والمفتون تزول فتنته عند أول تنبيه إليها، ومع ذلك لم يتركوها ويعودوا إلى الصواب الذي يوافق العقول، ويذكر ثالثا وينتقل من هذا الإرشاد إلى الأمر الذي يجب أن يأخذوا فيقول: (فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي) وكان يجب أن يطيعوه لأنه رسول مع موسى وردؤه، ومخالفته مخالفة لموسى، ولكن رجس الوثنية قد ثبت في نفوسهم، ولا ينخلع منه، و " الفاء " في قوله (فَاتَّبِعُونِي) هي لترتيب هذا الأمر على أن عبادة هذا الصنم فتنة وأن ربكم الرحمن وحده، وعبارة (وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ) تفيد القصر أي لا معبود غيره لأنه الرب الخالق المدبر لشئونكم الحي القيوم.

صفحة رقم 4774
زهرة التفاسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة
الناشر
دار الفكر العربي
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية