آيات من القرآن الكريم

قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَٰكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَٰلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ
ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ ﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ

ثُمَّ اهْتَدى الْمُرَادُ دَوَامُ الِاهْتِدَاءِ.
السُّؤَالُ الْخَامِسُ: قَوْلُهُ: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى الْمِيعَادِ قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي/ عَيَّنَهُ اللَّه تَعَالَى لَهُ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تَعْجِيلًا ثُمَّ ظَنَّ أَنَّ مُخَالَفَةَ أَمْرِ اللَّه تَعَالَى سَبَبٌ لِتَحْصِيلِ رِضَاهُ وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ بِأَجْهَلِ النَّاسِ فَضْلًا عَنْ كَلِيمِ اللَّه تَعَالَى. وَالْجَوَابُ: مَا ذَكَرْنَا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِالِاجْتِهَادِ وَأَخْطَأَ فِيهِ.
السُّؤَالُ السَّادِسُ: قَوْلُهُ: إِلَيْكَ يَقْتَضِي كَوْنَ اللَّه فِي الْجِهَةِ لِأَنَّ إِلَى لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ. الْجَوَابُ: تَوَافَقْنَا عَلَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى لَمْ يَكُنْ فِي الْجَبَلِ فَالْمُرَادُ إِلَى مَكَانِ وَعْدِكَ.
السؤال السابع: ما أَعْجَلَكَ سُؤَالٌ عَنْ سَبَبِ الْعَجَلَةِ فَكَانَ جَوَابُهُ اللَّائِقُ بِهِ أَنْ يَقُولَ: طَلَبْتُ زِيَادَةَ رِضَاكَ وَالشَّوْقَ إِلَى كَلَامِكَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي فَغَيْرُ مُنْطَبِقٍ عَلَيْهِ كَمَا تَرَى وَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ سُؤَالَ اللَّه تَعَالَى يَتَضَمَّنُ شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا: إِنْكَارُ نَفْسِ الْعَجَلَةِ. وَالثَّانِي: السُّؤَالُ عَنْ سَبَبِ التَّقَدُّمِ فَكَانَ أَهَمُّ الْأَمْرَيْنِ عِنْدَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْجَوَابِ هَذَا الثَّانِي فَقَالَ: لَمْ يُوجَدْ مِنِّي إِلَّا تَقَدُّمٌ يَسِيرٌ لَا يُحْتَفَلُ بِهِ فِي الْعَادَةِ وَلَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَ مَنْ سَبَقْتُهُ إِلَّا تَقَدُّمٌ يَسِيرٌ يَتَقَدَّمُ بِمِثْلِهِ الْوَفْدُ عَنْ قَوْمِهِمْ ثُمَّ عَقَّبَهُ بِجَوَابِ السُّؤَالِ عَنِ الْعَجَلَةِ فَقَالَ: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى. الثَّانِي: أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا وَرَدَ عَلَيْهِ مِنْ هَيْبَةِ عِتَابِ اللَّه تَعَالَى مَا وَرَدَ ذَهَلَ عَنِ الْجَوَابِ الْمُنْطَبِقِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى حُدُودِ الْكَلَامِ، وَاعْلَمْ أَنَّ فِي قَوْلِهِ: وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسى دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَهُ بِحُضُورِ الْمِيقَاتِ مَعَ قَوْمٍ مَخْصُوصِينَ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِالْقَوْمِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمُ النُّقَبَاءُ السَّبْعُونَ الَّذِينَ قَدِ اخْتَارَهُمُ اللَّه تَعَالَى لِيَخْرُجُوا مَعَهُ إِلَى الطُّورِ فَتَقَدَّمَهُمْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ شَوْقًا إِلَى رَبِّهِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: الْقَوْمُ جُمْلَةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَهُمُ الَّذِينَ خَلَّفَهُمْ مُوسَى مَعَ هَارُونَ وَأَمَرَهُ أَنْ يُقِيمَ فِيهِمْ خَلِيفَةً لَهُ إِلَى أَنْ يَرْجِعَ هُوَ مَعَ السَّبْعِينَ فَقَالَ: هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي يَعْنِي بِالْقُرْبِ مِنِّي يَنْتَظِرُونَنِي، وَعَنْ أَبِي عَمْرٍو وَيَعْقُوبَ إِثْرِي بِالْكَسْرِ وَعَنْ عِيسَى بْنِ عُمَرَ أُثْرِي بِالضَّمِّ، وَعَنْهُ أَيْضًا أُولَى بِالْقَصْرِ، وَالْأَثَرُ أَفْصَحُ مِنَ الْأُثْرِ. وَأَمَّا الْأَثْرُ فَمَسْمُوعٌ فِي فرند السيف وهو بمعنى الأثر غريب.
[سورة طه (٢٠) : الآيات ٨٥ الى ٨٩]
قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (٨٥) فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (٨٦) قالُوا مَا أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (٨٧) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هَذَا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ (٨٨) أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً (٨٩)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ لِمُوسَى: وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ [طه: ٨٣] وَقَالَ مُوسَى فِي جَوَابِهِ:
وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى [طه: ٨٤] عَرَّفَهُ اللَّه تَعَالَى مَا حَدَثَ مِنَ الْقَوْمِ بَعْدَ أَنْ فَارَقَهُمْ مِمَّا كَانَ يَبْعُدُ أَنْ يَحْدُثَ لَوْ كَانَ مَعَهُمْ فَقَالَ: فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ وهاهنا مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ اللَّه تَعَالَى خَلَقَ فِيهِمُ الْكُفْرَ لِوَجْهَيْنِ، الْوَجْهُ

صفحة رقم 86

الْأَوَّلُ: الدَّلَائِلُ الْعَقْلِيَّةُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مِنَ اللَّه أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ. الثَّانِي: أَنَّهُ قَالَ: وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ وَلَوْ كَانَ اللَّه خَلَقَ الضَّلَالَ فِيهِمْ لَمْ يَكُنْ لِفِعْلِ السَّامِرِيِّ فِيهِ أَثَرٌ وَكَانَ يَبْطُلُ قَوْلُهُ: وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ وَأَيْضًا فَلِأَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا طَالَبَهُمْ بِذِكْرِ سَبَبِ تِلْكَ الْفِتْنَةِ قَالَ: أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَلَوْ حَصَلَ ذَلِكَ بِخَلْقِ اللَّه تَعَالَى لَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا السَّبَبُ فِيهِ أَنَّ اللَّه خَلَقَهُ فِينَا لَا مَا ذَكَرْتَ فَكَانَ يَبْطُلُ تَقْسِيمُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَيْضًا فَقَالَ: أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بِخَلْقِهِ لَاسْتَحَالَ أَنْ يَغْضَبَ عَلَيْهِمْ فِيمَا هُوَ الْخَالِقُ لَهُ وَلَمَّا بَطَلَ ذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ لِقَوْلِهِ: فَتَنَّا مَعْنًى آخَرُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْفِتْنَةَ قَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى الِامْتِحَانِ. يُقَالُ: فَتَنْتُ الذَّهَبَ بِالنَّارِ إِذَا امْتَحَنْتَهُ بِالنَّارِ لِكَيْ يَتَمَيَّزَ الْجَيِّدُ مِنَ الرَّدِيءِ فَهَهُنَا شَدَّدَ اللَّه التَّكْلِيفَ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ لِأَنَّ السَّامِرِيَّ لَمَّا أَخْرَجَ لَهُمْ ذَلِكَ الْعِجْلَ صَارُوا مُكَلَّفِينَ بِأَنْ يَسْتَدِلُّوا بِحُدُوثِ جُمْلَةِ الْعَالَمِ وَالْأَجْسَامِ عَلَى أَنَّ لَهَا إِلَهًا لَيْسَ بِجِسْمٍ وَحِينَئِذٍ يَعْرِفُونَ أَنَّ الْعِجْلَ لَا يَصْلُحُ لِلْإِلَهِيَّةِ فَكَانَ هَذَا التَّعَبُّدُ تَشْدِيدًا فِي التَّكْلِيفِ فَكَانَ فِتْنَةً وَالتَّشْدِيدُ فِي التَّكْلِيفِ مَوْجُودٌ قَالَ تَعَالَى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ [الْعَنْكَبُوتِ: ٢] هَذَا تَمَامُ كَلَامِ الْمُعْتَزِلَةِ قَالَ الْأَصْحَابُ: لَيْسَ فِي ظُهُورِ صَوْتٍ عَنْ عِجْلٍ مُتَّخَذٍ مِنَ الذَّهَبِ شُبْهَةٌ أَعْظَمَ مِمَّا فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالدَّلِيلُ الَّذِي يَنْفِي كَوْنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ إِلَهًا أَوْلَى بِأَنْ يَنْفِيَ كَوْنَ ذَلِكَ الْعِجْلِ إِلَهًا فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ حُدُوثُ ذَلِكَ الْعِجْلِ تَشْدِيدًا فِي التَّكْلِيفِ فَلَا يَصِحُّ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَيْهِ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى خَلْقِ الضَّلَالِ/ فِيهِمْ، قَوْلُهُمْ: أَضَافَ الْإِضْلَالَ إِلَى السَّامِرِيِّ قُلْنَا: أَلَيْسَ أَنَّ جَمِيعَ الْمُسَبَّبَاتِ الْعَادِيَّةِ تُضَافُ إِلَى أَسْبَابِهَا فِي الظَّاهِرِ وَإِنْ كَانَ الموجد لها هو اللَّه تعالى فكذا هاهنا وَأَيْضًا قُرِئَ وَأَضَلُّهُمُ السَّامِرِيُّ أَيْ وَأَشَدُّهُمْ ضَلَالًا السَّامِرِيُّ وَعَلَى هَذَا لَا يَبْقَى لِلْمُعْتَزِلَةِ الِاسْتِدْلَالُ، ثُمَّ الَّذِي يَحْسِمُ مَادَّةَ الشَّغَبِ التَّمَسُّكُ بِفَصْلِ الدَّاعِي عَلَى مَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ مِرَارًا كَثِيرَةً.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْمُرَادُ بِالْقَوْمِ هاهنا هُمُ الَّذِينَ خَلَّفَهُمْ مَعَ هَارُونَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ وَكَانُوا سِتَّمِائَةِ أَلْفٍ افْتَتَنُوا بِالْعَجَلِ غَيْرَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: كَانَ السَّامِرِيُّ عِلْجًا مِنْ أَهْلِ كَرْمَانَ وَقَعَ إِلَى مِصْرَ وَكَانَ مِنْ قَوْمٍ يَعْبُدُونَ الْبَقْرَ وَالَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ عُظَمَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ قَبِيلَةٍ يُقَالُ لَهَا السَّامِرَةُ، قَالَ الزَّجَّاجُ وَقَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: بَلْ كَانَ رَجُلًا مِنَ الْقِبْطِ جَارًا لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَدْ آمَنَ بِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: رُوِيَ فِي الْقِصَّةِ أَنَّهُمْ أَقَامُوا بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ عِشْرِينَ لَيْلَةً وَحَسِبُوهَا أَرْبَعِينَ مَعَ أَيَّامِهَا وَقَالُوا:
قَدْ أَكْمَلْنَا الْعِدَّةَ ثُمَّ كَانَ أَمْرُ الْعِجْلِ بَعْدَ ذَلِكَ وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ لِمُوسَى عِنْدَ مَقْدِمِهِ: فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ. الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ عَنِ الْفِتْنَةِ الْمُتَرَقَّبَةِ بِلَفْظِ الْمَوْجُودَةِ الْكَائِنَةِ عَلَى عَادَتِهِ. الثَّانِي: أَنَّ السَّامِرِيَّ شَرَعَ فِي تَدْبِيرِ الْأَمْرِ لَمَّا غَابَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَعَزَمَ عَلَى إِضْلَالِهِمْ حَالَ مُفَارَقَةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَكَأَنَّهُ قَدَّرَ الْفِتْنَةَ مَوْجُودَةً.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: إِنَّمَا رَجَعَ مُوسَى عليه السلام بعد ما اسْتَوْفَى الْأَرْبَعِينَ ذَا الْقَعْدَةِ وَعَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: ذَكَرُوا فِي الْأَسَفِ وُجُوهًا. أَحَدُهَا: أَنَّهُ شِدَّةُ الْغَضَبِ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يَلْزَمُ التَّكْرَارُ لِأَنَّ قَوْلَهُ: غَضْبَانَ يُفِيدُ أَصْلَ الْغَضَبِ وَقَوْلَهُ: أَسِفًا يُفِيدُ كَمَالَهُ. وَثَانِيهَا: قَالَ الْأَكْثَرُونَ حُزْنًا وَجَزَعًا يُقَالُ أَسِفَ

صفحة رقم 87

يَأْسَفُ أَسَفًا إِذَا حَزِنَ فَهُوَ آسِفٌ. وَثَالِثُهَا: قَالَ قَوْمُ: الْآسِفُ الْمُغْتَاظُ وَفَرَّقُوا بَيْنَ الِاغْتِيَاظِ وَالْغَضَبِ بِأَنَّ اللَّه تَعَالَى لَا يُوصَفُ بِالْغَيْظِ وَيُوصَفُ بِالْغَضَبِ مِنْ حَيْثُ كَانَ الْغَضَبُ إِرَادَةَ الْإِضْرَارِ بِالْمَغْضُوبِ عَلَيْهِ وَالْغَيْظُ تَغَيُّرٌ يَلْحَقُ الْمُغْتَاظَ وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ إِلَّا عَلَى الْأَجْسَامِ كَالضَّحِكِ والبكاء [في قوله تعالى فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً إلى قوله وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً] ثُمَّ إِنَّ اللَّه تَعَالَى حَكَى عَنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ عَاتَبَهُمْ بَعْدَ رُجُوعِهِ إِلَيْهِمْ قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ الْكُفْرَ فِيهِمْ وَإِلَّا لَمَا عَاتَبَهُمْ بَلْ يَجِبُ أَنْ يُعَاتَبَ اللَّه تَعَالَى قَالَ الْأَصْحَابُ: وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ [الْأَعْرَافِ: ١٥٥] وَمَجْمُوعُ تِلْكَ الْمُعَاتَبَاتِ أُمُورٌ. أَحَدُهَا: قَوْلُهُ: يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً وَفِيهِ سُؤَالَانِ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ: أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ هَذَا الْكَلَامُ إِنَّمَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِمْ لَوْ كَانُوا مُعْتَرِفِينَ بِإِلَهٍ آخَرَ سِوَى الْعِجْلِ أَمَّا لَمَّا اعْتَقَدُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ سِوَاهُ عَلَى مَا أَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قالوا هذا/ إلهكم وَإِلَهُ مُوسَى كَيْفَ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِمْ هَذَا الْكَلَامُ. الْجَوَابُ: أَنَّهُمْ كَانُوا مُعْتَرِفِينَ بِالْإِلَهِ لَكِنَّهُمْ عَبَدُوا الْعِجْلَ عَلَى التَّأْوِيلِ الَّذِي يَذْكُرُهُ عَبَدَةُ الْأَصْنَامِ.
السُّؤَالُ الثَّانِي: مَا الْمُرَادُ بِذَلِكَ الْوَعْدِ الْحَسَنِ. الْجَوَابُ: ذَكَرُوا وُجُوهًا. أَحَدُهَا: أَنَّ الْمُرَادَ مَا وَعَدَهُمْ مِنْ إِنْزَالِ التَّوْرَاةِ عَلَيْهِمْ لِيَقِفُوا عَلَى الشَّرَائِعِ وَالْأَحْكَامِ وَيَحْصُلَ لَهُمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ مَزِيَّةٌ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه تَعَالَى فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ [طه: ٨٠]. وَثَانِيهَا: أَنَّ الْوَعْدَ الْحَسَنَ هُوَ الْوَعْدُ الصِّدْقُ بِالثَّوَابِ عَلَى الطَّاعَاتِ. وَثَالِثُهَا: الْوَعْدُ هُوَ الْعَهْدُ وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَذَلِكَ الْعَهْدُ هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي إلى قوله: ثُمَّ اهْتَدى [طه: ٨١، ٨٢] وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ: أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَفَنَسِيتُمْ ذَلِكَ الَّذِي قَالَ اللَّه لَكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ. وَرَابِعُهَا: الوعد الحسن هاهنا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَعْدًا حَسَنًا فِي مَنَافِعِ الدِّينِ وَأَنْ يَكُونَ فِي مَنَافِعِ الدُّنْيَا، أَمَّا مَنَافِعُ الدِّينِ فَهُوَ الْوَعْدُ بِإِنْزَالِ الْكِتَابِ الشَّرِيفِ الْهَادِي إِلَى الشَّرَائِعِ وَالْأَحْكَامِ وَالْوَعْدُ بِحُصُولِ الثَّوَابِ الْعَظِيمِ فِي الْآخِرَةِ. وَأَمَّا مَنَافِعُ الدُّنْيَا فَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى قَبْلَ إِهْلَاكِ فِرْعَوْنَ كَانَ قَدْ وَعَدَهُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ، وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَالْمُرَادُ أَفَنَسِيتُمْ ذَلِكَ الْعَهْدَ أَمْ تَعَمَّدْتُمُ الْمَعْصِيَةَ، وَاعْلَمْ أَنَّ طُولَ الْعَهْدِ يَحْتَمِلُ أُمُورًا: أَحَدُهَا: أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ بِنِعَمِ اللَّه تَعَالَى مِنْ إِنْجَائِهِ إِيَّاكُمْ مِنْ فِرْعَوْنَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ النِّعَمِ الْمَعْدُودَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي أَوَائِلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَهَذَا كَقَوْلِهِ: فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ [الْحَدِيدِ: ١٦]. وَثَانِيهَا:
يُرْوَى أَنَّهُمْ عَرَفُوا أَنَّ الْأَجَلَ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً فَجَعَلُوا كُلَّ يَوْمٍ بِإِزَاءِ لَيْلَةٍ وَرَدُّوهُ إِلَى عِشْرِينَ.
قَالَ الْقَاضِي: هَذَا رَكِيكٌ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكَادُ يَشْتَبِهُ عَلَى أَحَدٍ. وَثَالِثُهَا: أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَعَدَهُمْ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً فَلَمَّا زَادَ اللَّه تَعَالَى فِيهَا عَشَرَةً أُخْرَى كَانَ ذَلِكَ طُولَ الْعَهْدِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَهَذَا لَا يُمْكِنُ إِجْرَاؤُهُ عَلَى الظَّاهِرِ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يُرِيدُ ذَلِكَ وَلَكِنَّ الْمَعْصِيَةَ لَمَّا كَانَتْ تُوجِبُ ذَلِكَ، وَمُرِيدُ السَّبَبِ مُرِيدٌ لِلْمُسَبَّبِ بِالْعَرَضِ صَحَّ هَذَا الْكَلَامُ وَاحْتَجَّ الْعُلَمَاءُ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْغَضَبَ مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ لَا مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ لِأَنَّ صِفَةَ ذَاتِ اللَّه تَعَالَى لَا تَنْزِلُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَجْسَامِ. أَمَّا قَوْلُهُ:
فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مَوْعِدٍ كَانَ مِنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَ الْقَوْمِ وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُرَادَ مَا وَعَدُوهُ مِنَ اللَّحَاقِ بِهِ وَالْمَجِيءِ عَلَى أَثَرِهِ. وَالثَّانِي: مَا وَعَدُوهُ مِنَ الْإِقَامَةِ عَلَى دِينِهِ إِلَى أَنْ يَرْجِعَ إِلَيْهِمْ مِنَ

صفحة رقم 88

الطُّورِ، فَعِنْدَ هَذَا قَالُوا: مَا أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَفِي أَنَّ قَائِلَ هَذَا الْجَوَابِ مَنْ هُوَ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُمُ الَّذِينَ لَمْ يَعْبُدُوا الْعِجْلَ فَكَأَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا أَيْ بِأَمْرٍ كُنَّا نَمْلِكُهُ وَقَدْ يُضِيفُ الرَّجُلُ فِعْلَ قَرِيبِهِ إِلَى نَفْسِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ [الْبَقَرَةِ: ٥٠]، وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً [الْبَقَرَةِ: ٧٢] وَإِنْ كَانَ الْفَاعِلُ لِذَلِكَ آبَاءَهُمْ لَا هُمْ فَكَأَنَّهُمْ قَالُوا: الشُّبْهَةُ قَوِيَتْ عَلَى عَبَدَةِ الْعِجْلِ فَلَمْ نَقْدِرْ عَلَى مَنْعِهِمْ عَنْهُ وَلَمْ نَقْدِرْ أَيْضًا عَلَى مُفَارَقَتِهِمْ لِأَنَّا خِفْنَا/ أَنْ يَصِيرَ ذَلِكَ سَبَبًا لِوُقُوعِ التَّفْرِقَةِ وَزِيَادَةِ الْفِتْنَةِ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ هَذَا قَوْلُ عَبَدَةِ الْعِجْلِ وَالْمُرَادُ أَنَّ غَيْرَنَا أَوْقَعَ الشُّبْهَةَ فِي قُلُوبِنَا وَفَاعِلُ السَّبَبِ فَاعِلُ الْمُسَبَّبِ وَمُخْلِفُ الْوَعْدِ هُوَ الَّذِي أَوْقَعَ الشُّبْهَةَ فَإِنَّهُ كَانَ كَالْمَالِكِ لَنَا. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُعْقَلُ رُجُوعُ قَرِيبٍ مِنْ سِتِّمِائَةِ أَلْفِ إِنْسَانٍ مِنَ الْعُقَلَاءِ الْمُكَلَّفِينَ عَنِ الدِّينِ الْحَقِّ دُفْعَةً وَاحِدَةً إِلَى عِبَادَةِ الْعِجْلِ الَّذِي يُعْرَفُ فَسَادُهَا بِالضَّرُورَةِ، ثُمَّ إِنَّ مِثْلَ هَذَا الْجَمْعِ لَمَّا فَارَقُوا الدِّينَ وَأَظْهَرُوا الْكُفْرَ فَكَيْفَ يُعْقَلُ رُجُوعُهُمْ دُفْعَةً وَاحِدَةً عَنْ ذَلِكَ الدِّينِ بِسَبَبِ رُجُوعِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَحْدَهُ إِلَيْهِمْ، قُلْنَا: هَذَا غَيْرُ مُمْتَنِعٍ فِي حَقِّ الْبُلْهِ مِنَ النَّاسِ، وَاعْلَمْ أَنَّ فِي بِمَلْكِنَا ثَلَاثَ قِرَاءَاتٍ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِضَمِّ الْمِيمِ وَنَافِعٌ وَعَاصِمٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَأَبُو عَمْرٍو وَابْنُ عَامِرٍ وَابْنُ كَثِيرٍ بِالْكَسْرِ، أَمَّا الْكَسْرُ وَالْفَتْحُ فَهُمَا وَاحِدٌ وَهُمَا لُغَتَانِ مِثْلُ رِطْلٍ وَرَطْلٍ. وَأَمَّا الضَّمُّ فَهُوَ السُّلْطَانُ، ثُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ فَسَّرُوا ذَلِكَ الْعُذْرَ الْمُجْمَلَ فَقَالُوا: وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو عَمْرٍو وَعَاصِمٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ حَمَلْنَا مُخَفَّفَةً مِنَ الْحَمْلِ وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَحَفْصٌ وَابْنُ عَامِرٍ: حُمِّلْنَا مُشَدَّدَةً، فَمَنْ قَرَأَ بِالتَّخْفِيفِ فَمَعْنَاهُ حَمَلْنَا مَعَ أَنْفُسِنَا مَا كُنَّا اسْتَعَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ وَمَنْ قَرَأَ بِالتَّشْدِيدِ فَفِيهِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ حَمَلَهُمْ عَلَى ذَلِكَ أَيْ أَمَرَهُمْ بِاسْتِعَارَةِ الْحُلِيِّ وَالْخُرُوجِ بِهَا فَكَأَنَّهُ أَلْزَمَهُمْ ذَلِكَ. وَثَانِيهَا: جَعَلَنَا كَالضَّامِنِ لَهَا إِلَى أَنْ نُؤَدِّيَهَا إِلَى حَيْثُ يَأْمُرُنَا اللَّه. وَثَالِثُهَا: أَنَّ اللَّه تَعَالَى حَمَّلَهُمْ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ أَلْزَمَهُمْ فِيهِ حُكْمَ الْمَغْنَمِ، أَمَّا الْأَوْزَارُ فَهِيَ الْأَثْقَالُ وَمِنْ ذَلِكَ سُمِّيَ الذَّنْبُ وِزْرًا لِأَنَّهُ ثِقَلٌ ثُمَّ فِيهِ احْتِمَالَاتٌ. أَحَدُهَا: أَنَّهُ لِكَثْرَتِهَا كَانَتْ أَثْقَالًا. وَثَانِيهَا: أَنَّ الْمَغَانِمَ كَانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِمْ فَكَانَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ حِفْظُهَا مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ فَكَانَتْ أَثْقَالًا. وَثَالِثُهَا: الْمُرَادُ بِالْأَوْزَارِ الْآثَامُ وَالْمَعْنَى حَمَلْنَا آثَامًا،
رُوِيَ فِي الْخَبَرِ أَنَّ هَارُونَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: إِنَّهَا نَجِسَةٌ فَتَطَهَّرُوا مِنْهَا، وَقَالَ السَّامِرِيُّ: إِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنَّمَا احْتُبِسَ عُقُوبَةً بِالْحُلِيِّ
فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا أَرَادُوا هَذَا الْقَوْلَ. وَقَدْ يَقُولُ الْإِنْسَانُ لِلشَّيْءِ الَّذِي يَلْزَمُهُ رَدُّهُ هَذَا كُلُّهُ إِثْمٌ وَذَنْبٌ.
وَرَابِعُهَا: أَنَّ ذَلِكَ الْحُلِيَّ كَانَ الْقِبْطُ يَتَزَيَّنُونَ بِهِ فِي مَجَامِعٍ لَهُمْ يَجْرِي فِيهَا الْكُفْرُ لَا جَرَمَ أَنَّهَا وُصِفَتْ بِكَوْنِهَا أَوْزَارًا كَمَا يُقَالُ مِثْلُهُ فِي آلَاتِ الْمَعَاصِي. أَمَّا قَوْلُهُ: فَقَذَفْناها فَذَكَرُوا فِيهِ وُجُوهًا فِي أَنَّهُمْ أَيْنَ قَذَفُوهَا؟ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: قَذَفُوهَا فِي حُفْرَةٍ كَانَ هَارُونُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَهُمْ بِجَمْعِ الْحُلِيِّ فِيهَا انْتِظَارًا لِعَوْدِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: قَذَفُوهَا فِي مَوْضِعٍ أَمَرَهُمُ السَّامِرِيُّ بِذَلِكَ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: فِي مَوْضِعٍ جُمِعَ فِيهِ النَّارُ ثُمَّ قَالُوا:
فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ أَيْ فَعَلَ السَّامِرِيُّ مِثْلَ مَا فَعَلْنَا، أَمَّا قَوْلُهُ: فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ كَانَ ذَلِكَ الْجَسَدُ حَيًّا أَمْ لَا؟ فَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ: لَا لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِظْهَارُ خَرْقِ الْعَادَةِ عَلَى يَدِ الضَّالِّ بَلِ السَّامِرِيُّ صَوَّرَ صُورَةً عَلَى شَكْلِ الْعِجْلِ وَجَعَلَ فِيهَا مَنَافِذَ وَمَخَارِقَ بِحَيْثُ تَدْخُلُ فِيهَا الرِّيَاحُ فَيَخْرُجُ صَوْتٌ يُشْبِهُ صَوْتَ الْعِجْلِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ صَارَ حَيًّا وَخَارَ كَمَا يَخُورُ الْعِجْلُ وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: قَوْلُهُ:
فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ [طه: ٩٦] وَلَوْ لَمْ يَصِرْ حَيًّا لَمَا بَقِيَ لِهَذَا الْكَلَامِ فَائِدَةٌ. وَثَانِيهَا: أَنَّهُ تَعَالَى/ سَمَّاهُ عِجْلًا وَالْعِجْلُ حَقِيقَةٌ فِي الْحَيَوَانِ وَسَمَّاهُ جَسَدًا وَهُوَ إِنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْحَيَّ. وَثَالِثُهَا: أَثْبَتَ لَهُ الْخُوَارَ وَأَجَابُوا عَنْ حُجَّةِ الْأَوَّلِينَ بِأَنَّ ظُهُورَ خَوَارِقِ الْعَادَةِ عَلَى يَدِ مُدَّعِي الْإِلَهِيَّةِ جَائِزٌ لأنه لا يحصل الالتباس وهاهنا كذلك

صفحة رقم 89
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية