آيات من القرآن الكريم

فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ
ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ

تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} [البقرة: ٤٨] أي: لا تجزي فيه) (١).
٧٨ - قوله تعالى: ﴿فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ﴾ أي: لحقهم كقوله. ﴿فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ﴾ [الأعراف: ١٧٥] وقوله: ﴿فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ﴾ [الصافات: ١٠]، والباء في ﴿بِجُنُودِهِ﴾ في موضع حال من الفاعل على معنى ومعه جنوده، كما يقال: ركب بسلاحه، وخرج بثيابه، وهذا اللحاق إنما كان أن أول مقدمة فرعون قرب من ساقة قوم موسى وهم يعبرون البحر، أو يحمل على الإشراف على اللحاق والقرب منه (٢). ويجوز أن كون اتبع مطاوع تبع كقوله: ﴿وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً﴾ [هود: ٩٩]، وقوله تعالى: ﴿وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً﴾ [القصص: ٤٢]، والباء على هذا تكون زائدة، كما يزاد في كثير من المفعولات نحو (٣):
لاَ يَقْرأَنَ بالسُّورِ
وروي عن أبي عمرو أنه قرأ: فأتبعهم موصولة (٤). وعلى هذا الباء للتعدية؛ لأن اتبع بمعنى تبع كما يقال: شوى واشتوى، وحفى واحتفى،

(١) "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٦٣٢.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٧٠، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٤١.
(٣) هذا جزء من عجز بيت ينسب إلى الراعي النميري وتمامة:
هُنْ الحَرائِرُ لا رَبَاتُ أَحْمِرة سُودُ المحَاجِر لا يَقْرأْنَ بالسُّوَرِ
انظر: "ديوانه" ١٢٢، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٤١، "أدب الكاتب" ٥٢١، "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ١/ ٤، "خزانة الأدب" ٩/ ١٠٧، "المخصص" ١٤/ ٧٠، "مجالس ثعلب" ص ٣٦٥، "شرح أبيات المغني" ١/ ١٢٨، "لسان العرب" (سود) ٤/ ٢١٤١.
(٤) قرأ عبيد عن هارون عن أبي عمرو (فأتبعهم فرعون) موصولة.
انظر: "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٤٠.

صفحة رقم 478

وفدى وافتدى والمعنى: لحق جنوده بهم (١). قال أبو إسحاق: (وجائز أن يكون معهم على هذا اللفظ، وجائز أن لا يكون، إلا أنه قد كان معهم) (٢).
وقوله تعالى: ﴿فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ﴾ قال ابن عباس: (يريد: الغرق) (٣).
وقال أبو إسحاق: فغشيهم من البحر ما غَرَّقَهم) (٤).
وشرح ابن الأنباري هذا فقال: (يسأل فيقال: ما الفائدة في قوله: ﴿مَا غَشِيَهُمْ﴾؟ فيقال: المعنى غشيهم من اليم البعض الذي غشيهم [لأنه لم يغشهم كل مائه، بل الذي غشيهم] (٥) بعضه فقال الله تعالى: ﴿مَا غَشِيَهُمْ﴾ ليدل على أن الذي غرقهم بعض الماء وأنهم لم يغرقوا بجميعه) (٦). هذا كلامه. وأجود منه ما ذكره محمد بن يزيد الثمالي وهو أنه قال: (معناه: غشيهم من اليم ما عرفتم أنه غشيهم) (٧). كما قال أبو النجم (٨):

(١) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٤١، "إملاء ما من به الرحمن" ١/ ١٢٥.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٧٠.
(٣) ذكره كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٦/ ١٩١، "تفسير كتاب الله العزيز" ٣/ ٤٥، "النكت والعيون" ٣/ ٤١٦، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٨٧ "زاد المسير" ٥/ ٣١٦.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٧٠.
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من الأصل ومن نسخه: (ص)
(٦) ذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" ٥/ ٣١١، وأورد نحوه بلا نسبة الزمخشري في "الكشاف" ٢/ ٥٤٧، "البحر المحيط" ٦/ ٢٦٤.
(٧) ذكر نحوه في "الكامل" ١/ ٤٤.
(٨) هذا الرجز لأبي النجم.
انظر: "الخزانة" ١/ ٤٣٩، "الأغاني" ٩/ ٧٥، "الكشاف" ٤/ ٥٩، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٧٨، "المصنف" ١/ ١٠، "الخصائص" ٣/ ٣٣٧.

صفحة رقم 479
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
عدد الأجزاء
1