٩- كان خطاب موسى وهارون في غاية اللطف واستعمال المنطق، فقالا له: قد جئناك بآية دالة على نبوتنا ورسالتنا إليك، ومن اتبع الهدى سلم من سخط الله عز وجل وعذابه، وليس هذا بتحية، بدليل أنه ليس بابتداء لقاء ولا خطاب.
وأضافا أيضا في كلامهما: إنا قد أوحي إلينا أن العذاب أي الهلاك والدمار في الدنيا، والخلود في جهنم في الآخرة على من كذب أنبياء الله، وتولى، أي أعرض عن الإيمان. قال ابن عباس: هذه أرجى آية للموحدين لأنهم لم يكذبوا ولم يتولوا.
- ٦- الحوار بين فرعون وموسى حول الربوبية
[سورة طه (٢٠) : الآيات ٤٩ الى ٥٥]
قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى (٤٩) قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى (٥٠) قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى (٥١) قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى (٥٢) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى (٥٣)
كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (٥٤) مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى (٥٥)
الإعراب:
قالَ: عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي: عِلْمُها: مبتدأ، وفِي كِتابٍ: خبره، وعِنْدَ رَبِّي: ظرف يتعلق بالخبر، وتقديره: علمها كائن في كتاب عند ربي. ويحتمل أن يكون عِنْدَ
رَبِّي
في موضع نصب على الحال: لأنه في الأصل صفة لكتاب وهو نكرة، فلما تقدمت صفة النكرة عليها، وجب النصب على الحال. ويحتمل أن يكون فِي كِتابٍ بدلا من قوله: عِنْدَ رَبِّي ويكون عِنْدَ رَبِّي خبر المبتدأ.
ولا يَضِلُّ رَبِّي أي لا يضل ربي عنه، فحذف الجار والمجرور، كما حذفا في آية فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى [النازعات ٧٩/ ٤١] أي المأوى له.
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ خبر لمبتدأ محذوف، أو صفة لربي، أو منصوب على المدح.
كُلُوا وَارْعَوْا حال من ضمير أخرجنا، أي مبيحين لكم الأكل ورعي الأغنام.
البلاغة:
نُعِيدُكُمْ ونُخْرِجُكُمْ بينهما طباق.
فَأَخْرَجْنا التفات من الغيبة إلى التكلم.
مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ مقابلة، قابل بين مِنْها وفِيها وبين الخلق والإعادة.
المفردات اللغوية:
قالَ: فرعون. فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى؟ إنما خاطب الاثنين، وخص موسى بالنداء لأنه الأصل، وهارون وزيره وتابعه. أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ أي منح كل نوع من المخلوقات صورته وشكله الذي يطابق كماله، ويناسب خواصه ومنافعه، ومميزاته التي يتميز بها من غيره. ثُمَّ هَدى ثم عرفه كيف يرتفق بما أعطي له.
قالَ فرعون. فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى فما حالهم بعد موتهم من السعادة والشقاوة.
والبال في الأصل: الفكر، يقال: خطر ببالي كذا، ثم أطلق هنا على الحال المعني بها.
والْقُرُونِ الأمم، مثل قوم نوح وهود ولوط وصالح في عبادتهم الأوثان.
قالَ موسى. عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ أي علم حالهم محفوظ عند ربي في اللوح المحفوظ، يجازيهم عليها يوم القيامة. والمراد أن حالهم غيب لا يعلمه إلا الله، وقصد بذلك كما علم الله الذي لا يضيع منه شيء. لا يَضِلُّ لا يخطئ مكان الشيء، والضلال: أن تخطئ الشيء في مكانه، فلم تهتد إليه. وَلا يَنْسى ربي شيئا، والنسيان: عدم تذكر الشيء بحيث لا يخطر ببالك. وهما محالان على الله العالم بالذات.
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ أي هو الذي جعل للناس في جملة الخلق. مَهْداً وقرئ: مهادا، أي فراشا، أي جعل الأرض كالمهد تتمهدونها. والمهد: مصدر سمي به، والمهاد: اسم ما يمهد كالفراش، أو جمع مهد.
وَسَلَكَ سهل. سُبُلًا طرقا، أي جعل لكم فيها طرقا بين الجبال والأودية والبراري، تسلكونها من أرض إلى أرض لتبلغوا منافعها. السَّماءِ مطرا. فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً أصنافا وفيه التفات من لفظ الغيبة إلى صيغة المتكلم، على الحكاية لكلام الله تعالى، للتنبيه على ما فيه من الدلالة على كمال القدرة والحكمة، وللإشعار بأنه تعالى مطاع تنقاد الأشياء المختلفة لمشيئته. مِنْ نَباتٍ شَتَّى شتى صفة. أَزْواجاً أي مختلفة الألوان والطعوم، وشَتَّى جمع شتيت، كمريض ومرضى، من شت الأمر: تفرق.
كُلُوا منها. وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ فيها، والأنعام جمع نعم: وهي الإبل والبقر والغنم.
والأمر للإباحة وتذكير النعمة. إِنَّ فِي ذلِكَ المذكور هنا. لَآياتٍ لدلالات. لِأُولِي النُّهى أصحاب العقول، جمع نهية، كغرفة وغرف، سمي به العقل لأنه ينهى صاحبه عن ارتكاب القبائح.
مِنْها خَلَقْناكُمْ من الأرض، فإن التراب أصل خلقة أول آبائكم وأول مواد أبدانكم.
وَفِيها نُعِيدُكُمْ بالموت، وتفكيك الأجزاء. وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ عند البعث. تارَةً أُخْرى مرة أخرى، كما أخرجناكم عند ابتداء خلقكم.
المناسبة:
بعد مبادرة موسى وهارون بالذهاب إلى فرعون امتثالا لأمر الله، ووصولهما إلى قصر فرعون، والإذن لهما بالدخول بعد انتظار طويل، وصف الله تعالى الحوار الذي دار بينه وبينهما، فسألهما سؤال إنكار للرب تكبرا وتجبرا، بعد أن أثبت نفسه ربا في قوله: أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ. فاستدل موسى على إثبات الصانع بأحوال المخلوقات.
التفسير والبيان:
قالَ: فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى أي إذا كنتما رسولي ربكما إلي، فأخبراني:
من ربكما الذي أرسلكما؟ ويلاحظ أنه أضاف الرب إليهما، ولم يضفه إلى نفسه
لعدم تصديقه لهما، ولجحده للربوبية الحقة، ثم إنه خص موسى بالنداء بعد خطابهما مراعاة لرؤوس الآي، ولما ظهر له أنه الأصل المتبوع، وهارون وزيره وأخوه وأراد أن يقول: من هذا الرب الذي بعثك يا موسى وأرسلك؟ فإني لا أعرفه، وما علمت لكم من إله غيري.
فأجابه موسى:
قالَ: رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى أي قال موسى: ربنا هو الذي أعطى كل شيء صورته وشكله الذي يليق به، ويطابق المنفعة المنوطة به، كاليد للبطش، والرجل للمشي، واللسان للنطق، والعين للنظر، والأذن للسمع.
ثم أرشدهم إلى طرق الانتفاع بما أعطاهم، فانتفعوا بكل شيء فيما خلق له، إما اختيارا كالإنسان والحيوان، وإما طبعا كالنبات والجماد، كقوله تعالى:
وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى [الأعلى ٨٧/ ٣] أي قدر قدرا، وهدى الخلائق إليه، أي كتب الأعمال والآجال والأرزاق، ثم مشى الخلائق على ذلك، لا يحيدون عنه، ولا يقدر أحد على الخروج منه. والآية لإثبات الصانع بأحوال المخلوقات.
قالَ: فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى بعد أن أخبر موسى فرعون بأن ربه الذي أرسله هو الذي خلق ورزق، وقدر فهدى، شرع يحتج بالقرون الأولى، قائلا:
إذا كان الأمر كذلك، فما حال وما شأن الأمم الماضية، لم يعبدوا ربك، بل عبدوا غيره من الأوثان وغيرها من المخلوقات؟
فأجاب موسى:
قالَ: عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ، لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى قال موسى:
إن كل أعمالهم محفوظة عند الله، مثبتة عنده في اللوح المحفوظ، يجازي بها، لا يخطئ في علم شيء من الأشياء، ولا ينسى ما علمه منها، فعلم الله محيط بكل
شيء. أما علم المخلوق فيعتريه الأمران: عدم الإحاطة بالشيء، ونسيانه بعد علمه، والله منزه عن ذلك.
وقصد فرعون بالسؤال عن الأمم الماضية أن يصرف موسى عن البراهين القوية، فيتبين للناس صدقه، ويشغله بالتواريخ والحكايات، لكن موسى تنبه لهذا، فأجاب عن إثبات الإله بأوجز عبارة وأحسن معنى، وفوض أمر الماضي إلى علام الغيوب.
وبعد أن ذكر موسى الدليل الأول العام الذي يتناول جميع المخلوقات من الإنسان وسائر الحيوانات وأنواع النبات والجمادات، ذكر بعدئذ أدلة خاصة وهي ثلاثة:
أولها- قوله تعالى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً أي ربي الذي جعل الأرض ممهدة كالفراش، تعيشون فيها بيسر وسهولة، وقرارا تستقرون عليها وتقومون وتنامون عليها وتسافرون على ظهرها.
ثانيها- وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا أي جعل لكم فيها طرقا تسلكونها وسهلها لكم، كما قال تعالى: وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلًا، لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ [الأنبياء ٢١/ ٣١]، وقال سبحانه: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً، وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الزخرف ٤٣/ ١٠]، وقال عز وجل: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً، لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلًا فِجاجاً [نوح ٧١/ ١٩- ٢٠].
ثالثها- وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً، فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى أي وأنزل من السحاب مطرا، أخرجنا به أنواعا من أصناف النبات المختلفة، من زروع وثمار حامضة وحلوة ومرة، وذات ألوان وروائح وأشكال مختلفة، بعضها صالح للإنسان، وبعضها للحيوان، لذا قال:
كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى أي خلقنا أصناف النبات، بعضه للإنسان، وبعضه لطعام الحيوان، فكلوا وتفكهوا مما يناسبكم، وارعوا أنعامكم (الإبل والبقر والغنم) في الأخضر واليابس، إن فيما ذكرت لكم لدلالات وحججا وبراهين لذوي العقول السليمة المستقيمة، على أن الخالق لا إله إلا هو، ولا رب سواه.
وبعد أن ذكر الله تعالى منافع الأرض والسماء، بين أنها غير مطلوبة لذاتها، بل هي وسائل إلى منافع الآخرة، فقال:
مِنْها خَلَقْناكُمْ، وَفِيها نُعِيدُكُمْ، وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى أي من الأرض مبدؤكم، فإن أباكم آدم مخلوق من تراب، والنطفة المتولدة من الغذاء مرجعها إلى الأرض، لأن الغذاء الحيواني من النبات، والنبات من امتزاج الماء والتراب.
وإلى الأرض مصيركم بعد موتكم، فتدفنون فيها، وتتفرق أجزاؤكم حتى تصير من جنس الأرض ترابا.
وسوف نخرجكم من قبوركم في الأرض مرة أخرى بالبعث والنشور، والمعنى:
من الأرض أخرجناكم، ونخرجكم بعد الموت من الأرض تارة أخرى. والغرض من الآية هنا تنزيه الرب نفسه وتذكير فرعون بأصله وأنه من تراب عائد إليه، فلا يغتر بدنياه وملكه، وليعلم أن أمامه يوما شديد الأهوال، يسأل فيه عن كل شيء، ويحاسب على أعماله.
ونظير هذه الآية قوله تعالى: فِيها تَحْيَوْنَ، وَفِيها تَمُوتُونَ، وَمِنْها تُخْرَجُونَ [الأعراف ٧/ ٢٥]، وقوله سبحانه: يَوْمَ يَدْعُوكُمْ، فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ، وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء ١٧/ ٥٢].
وجاء في الحديث المروي عند أصحاب السنن: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حضر جنازة، فلما دفن الميت أخذ قبضة من التراب، فألقاها في القبر، وقال: منها خلقناكم، ثم أخذ أخرى وقال: وفيها نعيدكم؟ ثم أخرى وقال: ومنها نخرجكم تارة أخرى.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
١- لم يؤمن فرعون بدعوة موسى وهارون، وظل على كفره، وتساءل تكبرا وتجبرا وزورا وبهتانا، مع كونه عارفا بالله تعالى، وقال: فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى؟
٢- تدل الآية المذكورة على أنه يجوز حكاية كلام المبطل لأنه تعالى حكى كلام فرعون في إنكاره الإله، وحكى شبهات منكري النبوة، وشبهات منكري الحشر، لكن يجب قرن الجواب بالسؤال، لئلا يبقى الشك.
٣- وتدل الآية أيضا على أن المحق يجب عليه استماع كلام المبطل، والجواب عنه من غير إيذاء ولا إيحاش، كما فعل موسى بفرعون هنا، وكما أمر الله تعالى رسوله في قوله: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ [النحل ١٦/ ١٢٥]، وقال سبحانه: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ، فَأَجِرْهُ، حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة ٩/ ٦].
٤- كان جواب موسى لفرعون: إن الله تعالى يعرف بصفاته، فهو خالق العالم، وهو الذي خص كل مخلوق بهيئة وصورة معينة. قال مجاهد: أعطى كل شيء صورة لم يجعل خلق الإنسان في خلق البهائم، ولا خلق البهائم في خلق الإنسان، ولكن خلق كل شيء فقدره تقديرا. وقال الشاعر:
وله في كل شيء خلقة... وكذاك الله ما شاء فعل
أراد بالخلقة: الصورة.
٥- الله هو المختص بعلم الغيب في الماضي والحاضر والمستقبل، فلما سأل فرعون عن حال وشأن الأمم الغابرة، أجابه موسى وأعلمه أن علمها عند الله تعالى، أي إن هذا من علم الغيب الذي سألت عنه، وهو مما استأثر الله تعالى به لا يعلمه إلا هو، وما أنا إلا عبد مثلك لا أعلم منه إلا ما أخبرني به علام الغيوب، وعلم أحوال القرون مكتوبة عند الله تعالى في اللوح المحفوظ.
٦- هذه الآية: قالَ: عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ.. ونظائرها تدل على تدوين العلوم وكتبها لئلا تنسى، فإن الحفظ قد تعتريه الآفات من الغلط والنسيان. وقد لا يحفظ الإنسان ما يسمع، فيقيده لئلا يذهب عنه.
جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لما قضى الله الخلق كتب في كتاب على نفسه، فهو موضوع عنده: إن رحمتي تغلب غضبي».
وفي صحيح مسلم أيضا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بكتب الخطبة التي خطب بها في الحج لأبي شاه- رجل من اليمن- لما سأله كتبها.
وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «قيدوا العلم بالكتابة».
وأسند الخطيب عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لرجل من الأنصار لا يحفظ الحديث: «استعن بيمينك».
وأما النهي عن كتابة الأحاديث، فكان ذلك متقدما، فهو منسوخ بأمره صلى الله عليه وآله وسلم بالكتابة، وإباحتها لأبي شاه وغيره.
قال أبو بكر الخطيب: ينبغي أن يكتب الحديث بالسواد، ثم الحبر خاصة، دون المداد «١» لأن السواد أصبغ الألوان، والحبر أبقاها على مر الدهور، وهو آلة ذوي العلم، وعدة أهل المعرفة.
٧- دل قوله تعالى: لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى على أن الله عالم بكل المعلومات، وهو اللفظ الأول، وعلى بقاء ذلك العلم أبد الآباد، وهو إشارة إلى نفي التغير، وهو اللفظ الثاني.
٨- من نعم الله تعالى أن جعل الأرض رغم كرويتها الكلية ممهدة كالفراش، وقرارا للاستقرار عليها، لتصلح للعيش عليها.
٩- ظاهر آية وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ.. يدل على أنه سبحانه إنما يخرج النبات من الأرض بواسطة إنزال الماء، فيكون للماء فيه أثر، وهذا التأثير على تقدير أن الله تعالى هو الذي أعطى الماء هذه الخواص والطبائع، فيكون الماء المنزل سبب خروج النبات في الظاهر.
١٠- إن إخراج أصناف من النبات المختلفة الأنواع والألوان من الأرض دليل واضح على قدرة الله تعالى ووجود الصانع. وإن جعل بعض النبات صالحا للإنسان وآخر للحيوان: كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ من أجل النعم على الإنسان، ومما يقتضي التأمل والتفكير عند ذوي العقول الصحيحة.
١١- ما أعظم خيرات الأرض، وما أحوج الناس إليها! فالله خلقنا منها، ويعيدنا إليها بعد الموت، ويخرجنا منها للبعث والحساب. أما كيفية الإخراج من الأرض فهو أن الله تعالى خلق أصلنا وهو آدم عليه السلام من التراب، فكنا تبعا له، وأما استمرار الخلق فهو أن تولد الإنسان من النطفة ودم الطمث، وهما يتولدان من الأغذية، والغذاء إما حيواني أو نباتي، والحيواني ينتهي إلى النبات، والنبات إنما يحدث من امتزاج الماء والتراب.