آيات من القرآن الكريم

قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ
ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ ﯗﯘﯙﯚﯛﯜ ﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ ﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ ﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ ﱿ

فالهاء في " فيها " في الموضعين تعود على الأرض، وهي في القول الأول تعود على الجنة.
قوله تعالى ذكره: ﴿فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشيطان﴾ إلى قوله: ﴿مَعِيشَةً ضَنكاً﴾.
أي: فألقى إلى آدم الشيطان، فقال له: ﴿ياآدم هَلْ أَدُلُّكَ على شَجَرَةِ الخلد﴾ أي: على شجرة من أكل منها خلد فلم يمت، ﴿وَمُلْكٍ لاَّ يبلى﴾ أي: لا ينقضي. وقال السدي: على شجرة الخلد: أي: على شجرة إن أكلت منها كنت ملكاً مثل الله تعالى، أو تكونا من الخالدين "، لا تموتان أبداً.
ثم قال تعالى: ﴿فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا﴾ أي: فأكل آدم وحواء من الشجرة التي نهيا عنها، وأطاعا أمر إبليس، فبدت لهما سواءتهما. أي ظهرت وانكشفت لهما عورتهما، وكانت مستورة عن أعينهما.
قال السدي: إنما أراد إبليس اللعني أن يظهر لهما سوءاتهما، لأنه علم أن لهما سوأة، لما كان يقرأ من كتب الملائكة، ولم يعلم ذلك آدم، وكان لباسهما الظفر، فأبى آدم أن يأكل منها، فتدمت حواء فأكلت منها. ثم قالت: يا آدم، كُلْ [فإني] قد أكلت،

صفحة رقم 4709

فلم يضرني، فلما أكل آدم منها بدت لهما سوءاتهما.
ثم قال: ﴿وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الجنة﴾ أي: أقبلا.
وقيل: معناه: جعلا يخصفان عليهما ورق التين. قاله السدي.
وقال قتادة: ﴿يَخْصِفَانِ﴾ يوصلان.
ثم قال تعالى: ﴿وعصىءَادَمُ رَبَّهُ فغوى﴾.
أي: وخالف آدم أمر به، فتعدى إلى الأكل من الشجرة فغوى.
ثم قال: ﴿ثُمَّ اجتباه رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ﴾.
أي: اصطفاه [واختاره] ربه بعد معصيته وهداه للتوبة ووفقه لها.
ثم قال: ﴿قَالَ اهبطا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾. أي: قال الله لآدم وحواء اهبطا من الجنة جميعاً إلى الأرض، أي: انزلا. وهذا يدل على أن الجنة في السماْ.
﴿بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾.
أي: أنتم عدو إبليس وذريته، وإبليس عدوّكما، وعدو ذريتكما.

صفحة رقم 4710

قال الضحاك: أُهبط آدم بالهند على جبل يقال له الوسي على رأسه أكليل من ريحان الجنة، وفي يده قبضة من حشيشها فانتثر في ذلك الجبل، فكان منه الطيب، وأهبطت حواء بجدة وأهبط إبليس بالبصرة.
ثم قال تعالى: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى﴾.
يعني: آدم وحواء وإبليس. أي: بيان لسبيلي وما اختاره لخلقي من ديني. ﴿فَمَنِ اتبع هُدَايَ﴾ أي: بياني وعمل به.
﴿فَلاَ يَضِلُّ﴾ أي: ليس يزول عن حجة الحق.
﴿وَلاَ يشقى﴾ أي: في الآخرة بعذابها.
قال ابن عباس: فضمن الله لمن قرأ القرآن، واتّبع ما فيه، أن لا يضلّ في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة. أي: وقاه الله من الضلالة في الدنيا، ووقاه يوم القيامة سوء الحساب. ثم تلا هذه الآية.
وقال ابن جبير: من قرأ القرآن واتبع ما فيه، عصمه الله من الضلالة ووقاه.
ثم قال: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي﴾.
أي: من لم يؤمن بالقرآن، ﴿فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً﴾.
قال ابن عباس/: هي الشقاء.

صفحة رقم 4711

وقال مجاهد: معيشة ضيقة. وهو قول قتادة.
وذلك في جهنم، لأنه جعل طعامهم فيها الضريع والزقوم. قاله: الحسن وابن زيد وقتادة.
وقيل: عني بذلك أكلهم في الدنيا الحرام، فالحرام ضيق بسوء عاقبته وإن اتسع في الظاهر. قاله: عكرمة والضحاك.
وعن ابن عباس أنه: كل ما أنفق في غير ذات الله فهو معيشة ضنك.
وعن أبي سعيد الخدري أنه: عذاب القبر يضيق عليه في قبره، حتى تخلتف أضلاعه، وقاله السدي: وهو مروي عن النبي ﷺ.
روي عنه أنه قال: " أتدرون ما المعيشة الضنك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال

صفحة رقم 4712

عذاب الكافر في قبره، والذي نفسي بيده، إنه يسلط عليه تسعة وتسعون تنيناً، أتدرون ما التنين؟ تسعة وتسعون عحية لكل حية سبعة رؤوس ينفخن في جسمه ويلسعنه ويخدشنه إلى يوم القيامة ".
وروى أبو هريرة رضي الله عنهـ أن النبي ﷺ قال: " إن المؤمن إذا ألحد في قبره أتاه ملكان أرزقان أسودان، فيأتيانه من قبل رأسه، فتقول صلاته لا يؤتى من قبلي، فرب ليلة قد بات فيها ساهراً حذاراص لهذا المضجع فيوتى من قبل رجليه، فتقول رجلاه لا يؤتي من قبلنا، فقد كان ينصب ويمشي علينا في طاعة الله حذاراً لهذا المضجع فيؤتى من قبل يمينه فتقول صدقته لا يؤتى من قبلي، فقد كان يتصدق حذاراً لهذا المضجع، فيؤتى من قبل شماله، فيقول صومه لا يؤتى من قبلي، فقد كان يجوع ويظمأ حذاراً لهذا المضجع، فيوقظ كما يوقظ النائم، ثم يسأل ".
قوله تعالى: ﴿وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القيامة أعمى﴾ إلى قوله: ﴿لأُوْلِي النهى﴾.
قال مجاهد: أعملى عن حجة، لا حجة له يهتدي بها، وقاله أبو صالح.
وقيل: معنى ذلك، أنه لا يهتدي إلى وجه ينال منه نفعاً ولا خيراً، كما لا يهتدي الأعمى إلى الجهات المنافع في الدنيا.
وقيل: " أعمى " من عمى البصر، كما قال: ونحشر المجرمين يومئذ زرقاً.

صفحة رقم 4713

ثم قال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ لِمَ حشرتني أعمى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً﴾.
قال مجاهد، معناه: لِمَ حشرتني ولا حجة لي، وقد كنت عالماً بحجتي بصيراً بها عند نفسي في الدنيا.
وقال إبراهيم بن عرفة: كلما ذكر الله جلّ وعز في القرآن من العمى، فذمّه فإنما يريد به عمى القلب. قال الله تعالى: ﴿فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي فِي الصدور﴾.
وقيل: معناه، وقد كنت ذا بصر أنظر به الأشياء في الدنيا.
وقيل: معنى الآية: ونحشره يوم القيامة أعمى عن حجته، ورؤية الأشياء، لأن الآية عامة.
وقوله: " لم حشرتني أعمى "، أي: أعمى عن حجتي وعن رؤية الأشياء وقد كنت بصيراً، أي بصيراً بحجتي في الدنيا رائياً للأشياء.
وهذا سؤل من العبد لربه أن يعلمه الجُرم الذي استحق ذلك عليه، لأنه جهله وظن أنه لا ذنب له، فقال الله جلّ ذكره: ﴿قَالَ كذلك أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا﴾ أي: فعلت ذلك بك كما أتتك آياتنا، وهي ما أنزل في كتابه من فرائضه.
﴿فَنَسِيتَهَا﴾. أي فتركتها، أي: أعرضت عنها، ولم تؤمن بها.

صفحة رقم 4714

﴿وكذلك اليوم تنسى﴾.
أي: كما نيست آياتنا في الدنيا، ولم تؤمن بها، كذلك تترك اليوم في النار.
وقال قتادة: ﴿وكذلك اليوم تنسى﴾ أي: تنسى من الخير، ولم تنسى من الشر.
ثم قال: ﴿وكذلك نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ﴾.
أي: وهكذا نتيبُ من أسرف فعصى ربه، ولم يؤمن برسله وكتبه، فنذيقه معيشة ضنكاً في البرزخ ﴿وَلَعَذَابُ الآخرة أَشَدُّ وأبقى﴾. أي: ولعذاب الله إياهم في الآخرة أشد من عذاب القبر " وأبقى " أي: أدوم.
ثم قال: ﴿أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ القرون﴾.
أي: أفلم يهد يا محمد لقومك كثرة ما أهلكنا قبلهم من القرون الماضية، يمشرون في مساكنهم وآثارهم، ويرون آثار العقوبة التي أحللنا بهم لما كفروا، فيؤمنون بالله وكتبه ورسله خوفاً أن يصيبهم بفكرهم مثل ما أصاب القرون قبلهم، فيكون " كم " فاعلة ليهد على هذا التقدير، كأنه قال: أفلم يهد لهم القرون التي هلكت. " ويهد " بمعنى، يبين، وشاهد هذا التقدير أن في حرف/ ابن مسعود: أفلم يهد لهم من أهلكنا قبلهم فكم في موضع " من ".
وقيل: " كم " استفهام، فلا يعمل ما قبلها فيها، وهي في موضع نصب

صفحة رقم 4715
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية