آيات من القرآن الكريم

فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۗ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ ۖ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا
ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ ﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ

ذلّت له الرقاب واستسلم لحكمه الخلق، وخضعت له الجبابرة، ومن اقترف الظلم بقي فى ظلماته، وعلى حسب ذلك فى الزيادة والنقصان.
قوله جل ذكره:
[سورة طه (٢٠) : آية ١١٢]
وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً (١١٢)
العمل الصالح ما يصلح للقبول، فاعله هو المتجرّد عن الآفات الواقفة لحقيقة الأمر.
ويقال العمل الصالح ما لم يستعجل عليه صاحبه أجرا.
قوله: «وَهُوَ مُؤْمِنٌ» : أي فى المآل كما هو مؤمن فى الحال.
ويقال هو مؤمن مصدّق لربّه أنه لا يعطى المؤمن لأجل إيمانه شيئا، ولكن بفضله، وإيمانه أمارة لذلك لا موجب له «١».
قوله جل ذكره:
[سورة طه (٢٠) : آية ١١٣]
وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً (١١٣)
أتبعنا دليلا بعد دليل، وبعثنا رسولا بعد رسول، وحذّرناهم بوجوه من التعريفات، وإظهار كثير من الآيات قوله جل ذكره:
[سورة طه (٢٠) : آية ١١٤]
فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (١١٤)
تعالى الله فى كبريائه وكبرياؤه: سناؤه وعلاه ومجده، ورفعته وعظمته، كل ذلك بمعنى واحد، وهو استحقاقه لأوصاف الجلال والتعظيم.
و «الْمَلِكُ» : مبالغة من المالك، وحقيقة الملك القدرة على الإيجاد، والانفراد بذلك.
و «الْحَقُّ» : فى وصفه- سبحانه- بمعنى الموجود، ومنه قوله عليه السلام:
«العين حق» «٢» أي موجود.

(١) على خلاف قول المعتزلة الذين يوجبون على الله أن يثبت من أطاع ويعاقب من أذنب. [.....]
(٢) يقول القشيري فى تحبيره ص ٦٨ «الحق من أسمائه سبحانه بمعنى الموجود الكائن، وكذا معناه فى اللغة، ومنه قوله عليه السلام: «السحر حق» أي كائن موجود، وكذا يقال الجنة حق، والنار حق.

صفحة رقم 479

ويكون الحق بمعنى ذى الحقّ، ويكون بمعنى محقّ الحق. كل ذلك صحيح.
قوله جل ذكره: وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً.
كان يتعجل بالتلقف من جبريل مخافة النسيان، فأمره بالتثبت فى التلقين، وأمّنه من طوارق النسيان، وعرّفه أن الذي يحفظ عليه ذلك هو الله.
والآية تشير إلى طرف من الاحتياط فى القضاء بالظواهر قبل عرضها على الأصول، ثم إن لم يوجد ما يوجب بالتحقيق أجراه على مقتضى العموم بحقّ اللفظ، بخلاف قول أهل التوقف.
فالآية تشير إلى التثبت فى الأمور وضرورة التمكث واللبث قصدا للاحتياط «١».
قوله: (وقل ربّ زدنى علما) : فإذا كان أعلم البشر، وسيّد العرب والعجم، ومن شهد له الحقّ بخصائص العلم حين قال «وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ»
«٢» يقال له: «وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً» - علم أنّ ما يخصّ به الحقّ أولياءه من لطائف العلوم لا حصر له.
ويقال أحاله على نفسه «٣» فى استزادة العلم. وموسى عليه السلام أحاله على الخضر حتى قال له: «هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً» فشتان بين عبد أحيل على عبد فى ذلك ثم قيل له: «إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً» ثم بعد كل ذلك التلطف قال له فى آخر الأمر:
«هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ»... وبين عبد أمره عند استزادة العلم بأن يطلبه من قبل ربه فقال: قل يا محمد: «وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً» ! ويقال لما قال عليه السلام: «أنا أعلمكم بالله وأخشاكم له» «٤»، قال له: «وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً» ليعلم أنّ أشرف خصال العبد الوقوف فى محلّ الافتقار، والاتصاف بنعت الدعاء دون الوقوف فى معرض الدعوى «٥».

(١) هذا يوضح مدى تحفظ المصنف واحتياطه في تناول النص النقلى.
(٢) آية ١١٣ سورة النساء.
(٣) (على نفسه) الضمير هنا يعود على الحق سبحانه كما سيتضح بعد قليل.
(٤) البخاري عن أنس: (والله إنى لأخشاكم الله وأتقاكم له).
والشيخان عن عائشة: (والله إنى لأعلمكم بالله وأشدكم له خشية).
(٥) أي أن يكون العبد داعيا لا دعيا.

صفحة رقم 480
تفسير القشيري
عرض الكتاب
المؤلف
عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك القشيري
تحقيق
إبراهيم البسيوني
الناشر
الهيئة المصرية العامة للكتاب - مصر
سنة النشر
2000
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية