آيات من القرآن الكريم

وَكَذَٰلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا
ﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ

٤- يعلم الله جميع أمور الخلائق وما يتعرضون له من أمر الساعة (القيامة) ومن أمر الدنيا، ولا أحد يحيط علما بذات الله وصفاته ومعلوماته.
والخلاصة: وصف الله تعالى يوم القيامة بست صفات هي:
نسف الجبال نسفا تاما، واتباع الناس داعي الله إلى المحشر وهو إسرافيل الذي ينفخ في الصور، وخشوع الأصوات من شدة الفزع وخضوعها فلا تسمع إلا الصوت الخفي، وعدم قبول الشفاعة من الملائكة والأنبياء وغيرهم عند الله إلا شفاعة من أذن له الرحمن ورضي قوله في الشفاعة، وإحاطة علم الله بجميع أحوال الخلائق وأمورهم في الدنيا والآخرة، فيعلم تعالى ما بين أيدي العباد وما خلفهم، ولا يحيطون بالله علما، وتذل الوجوه أي النفوس ويصير الملك والقهر لله تعالى دون غيره.
عربية القرآن ووعيده وعدم التعجل بقراءته قبل إتمام الوحي
[سورة طه (٢٠) : الآيات ١١٣ الى ١١٤]
وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً (١١٣) فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (١١٤)
المفردات اللغوية:
وَكَذلِكَ معطوف على كَذلِكَ نَقُصُّ أي مثل إنزال ما ذكر، أو مثل إنزال هذه الآيات المتضمنة للوعيد. أَنْزَلْناهُ أي القرآن. قُرْآناً عَرَبِيًّا كله على هذه الوتيرة.
وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ كررنا وفصلنا فيه آيات الوعيد ويشمل بيان الفرائض والمحارم.
لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ المعاصي ومنها الشرك، فتصير التقوى لهم ملكة. والتقوى: اتقاء المحارم وترك الواجبات. أَوْ يُحْدِثُ القرآن لَهُمْ ذِكْراً عظة وعبرة حين يسمعونها، فيثبطهم عنها، ولهذا أسند التقوى إليهم، والإحداث إلى القرآن.
فَتَعالَى اللَّهُ تعاظم وتنزه وتقدس في ذاته وصفاته عن مماثلة المخلوقين، فلا يماثل كلامه كلامهم، كما لا يماثل ذاته ذاتهم. الْمَلِكُ النافذ أمره ونهيه. الْحَقُّ الثابت في ذاته وصفاته.

صفحة رقم 288

وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ أي لا تستعجل في قراءة القرآن حتى يتم وحيه. مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ أي حتى يفرغ جبريل من إبلاغه لك. وَقُلْ: رَبِّ زِدْنِي عِلْماً أي سل الله زيادة العلم بدل الاستعجال، فإن ما أوحى إليك يثبت في قلبك لا محالة.
سبب النزول: نزول الآية (١١٤) :
وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ: أخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا نزل عليه جبريل بالقرآن، أتعب نفسه في حفظه، حتى يشق على نفسه، فيخاف أن يصعد جبريل، ولم يحفظه، فأنزل الله: وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ الآية. وثبت في الصحيح عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يعالج من الوحي شدة، فكان مما يحرك به لسانه، فأنزل الله هذه الآية. يعني أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا جاءه جبريل بالوحي، كلما قال جبريل آية قالها معه من شدة حرصه على حفظ القرآن، فأرشده الله تعالى إلى ما هو الأسهل والأخف في حقه لئلا يشق عليه.
المناسبة:
كما أنزل الله آيات الوعيد من أهوال يوم القيامة، أنزل القرآن كله بلغة عربية مبينة، ليفهمه العرب، ثم أبان تعالى نفع هذا القرآن للناس بالتحصن بالتقوى والاتعاظ والاعتبار بهلاك الأمم المتقدمة، وأنه سبحانه متصف بصفات الكمال ومنزه عن صفات النقصان، وأنه ضامن غرس القرآن في صدر نبيه، وصونه عن النسيان والسهو.
التفسير والبيان:
وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا أي ومثل ذلك الإنزال لآيات الوعد

صفحة رقم 289

والوعيد وأحوال يوم القيامة، أنزلنا القرآن كله بلغة العرب ليفهموه، فهو بلسان عربي مبين فصيح، لا ليس فيه ولا عي.
وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ، لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً أي وبينا فيه أنواع الوعيد تخويفا وتهديدا، كي يخافوا الله، فيتجنبوا معاصيه، ويحذروا عقابه، أو يحدث لهم في قلوبهم عبرة وعظة يعتبرون بها ويتعظون، ويقبلون على فعل الطاعات.
وبعد تعظيم القرآن عظم تعالى نفسه، فقال:
فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ أي تقدس وتنزه الله الملك المتصرف بالأمر والنهي، الثابت الذي لا يزول ولا يتغير عن إلحاد الملحدين، وعما يقول المشركون، فإنه الملك حقا الذي بيده الثواب والعقاب، وحقه وعدله: ألا يعذب أحدا قبل الإنذار وبعثة الرسل والإعذار إلى خلقه، لئلا يبقى لأحد حجة ولا شبهة.
وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ أي ولا تتعجل أو تبادر إلى قراءة القرآن قبل أن يفرغ جبريل من الوحي، حرصا منه على ما كان ينزل عليه منه، بل أنصت، فإذا فرغ الملك من قراءته عليك فاقرأه بعده.
ومثله قوله تبارك وتعالى في سورة القيامة: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ، إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ، فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ
[١٦- ١٩] أي أن نجمعه في صدرك ثم تقرأه على الناس من غير أن تنسى منه شيئا.
وَقُلْ: رَبِّ زِدْنِي عِلْماً أي سل ربك زيادة العلم، روى الترمذي
وابن ماجه والبزار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «اللهم انفعني بما علمتني، وعلمني ما ينفعني، وزدني علما، والحمد لله على كل حال، وأعوذ بالله من حال أهل النار».

صفحة رقم 290

فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى ما يلي:
١- نزل القرآن بلغة العرب، فهو فخر وشرف لهم إلى الأبد، كما قال تعالى:
وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ [الزخرف ٤٣/ ٤٤].
٢- اشتمل القرآن على ما فيه كفاية لجميع مستويات البشر، الأخيار والأشرار، من التخويف والتهديد، والثواب والعقاب، والعبرة والعظة، حتى يخاف الناس ربهم، فيجتنبوا معاصيه، ويحذروا عقابه.
٣- عظم الله القرآن وعظم ذاته، فلما عرف تعالى العباد عظيم نعمه، وإنزال القرآن، نزه نفسه عن الأولاد والأنداد، جل الله عن ذلك، فهو الملك المتصرف في الأكوان، الحق، أي ذو الحق، وتقدس لأنه هو حق ثابت دائم لا يتغير، ووعده حق، ووعيده حق، ورسله حق، والجنة حق، وكل شيء منه حق.
٤- علم الله نبيه كيف يتلقى القرآن، قال ابن عباس: كان صلى الله عليه وآله وسلم يبادر جبريل، فيقرأ قبر أن يفرغ جبريل من الوحي، حرصا على الحفظ، وشفقة على القرآن مخافة النسيان، فنهاه الله عن ذلك، وأنزل: وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ. وهذا كقوله: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ
[القيامة ٧٥/ ١٦].
٥- أمر الله نبيه بأن يدعو بقوله: رَبِّ زِدْنِي عِلْماً أي فهما. قال الحسن البصري: نزلت في رجل لطم وجه امرأته، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم تطلب القصاص، فجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لها القصاص، فنزل الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ [النساء ٤/ ٣٤] ولهذا قال: وَقُلْ: رَبِّ زِدْنِي عِلْماً أي فهما ومعرفة لأنه صلى الله عليه وآله وسلم حكم بالقصاص وأبى الله ذلك، لكن قال الرازي: وهذا

صفحة رقم 291
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية