
وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أي: وسع علمه كلّ شيء.
[سورة طه (٢٠) : الآيات ٩٩ الى ١٠٤]
كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً (٩٩) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً (١٠٠) خالِدِينَ فِيهِ وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلاً (١٠١) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً (١٠٢) يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً (١٠٣)
نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً (١٠٤)
قوله تعالى: كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ أي: كما قصصنا عليك يا محمد من نبأ موسى وقومه، نقص عليك مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ أي: من أخبار من مضى، والذِّكْر ها هنا: القرآن مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فلم يؤمن به ولم يعمل بما فيه فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وقرأ عكرمة وأبو المتوكل، وعاصم الجحدري: «يُحَمَّل» برفع الياء وفتح الحاء وتشديد الميم، وِزْراً أي: إِثماً خالِدِينَ فِيهِ أي: في عذاب ذلك الوزر وَساءَ لَهُمْ قال الزجاج: المعنى: وساء الوزر لهم يوم القيامة حِمْلًا و «حملاً» منصوب على التمييز. قوله تعالى: يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ قرأ أبو عمرو: «ننفخ» بالنون. وقرأ الباقون من السبعة:
«ينفخ» بالياء، على ما لم يسم فاعله. وقرأ أبو عمران الجوني: «يوم ينفخ» بياء مفتوحة ورفع الفاء وقد سبق ذكر الصّور. وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ وقرأ أُبيُّ بن كعب وأبو الجوزاء وطلحة بن مصرِّف: «ويحشر» بياء مفتوحة ورفع الشين. وقرأ ابن مسعود والحسن وأبو عمران: «ويحشر» بياء مرفوعة وفتح الشين، «المجرمون» بالواو. قال المفسرون: والمراد بالمجرمين: المشركون يَوْمَئِذٍ زُرْقاً وفيه قولان:
أحدهما: عُمياً، رواه أبو صالح عن ابن عباس. وقال ابن قتيبة: بيض العيون من العمى، قد ذهب السواد والناظر. والثاني: زُرق العيون من شدة العطش، قاله الزهري. والمراد: أنه يشوِّه خَلْقَهم بسواد الوجوه وزرق العيون.
قوله تعالى: يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ أي: يسارّ بعضهم بعضاً إِنْ لَبِثْتُمْ أي: ما لبثتم إِلا عشر ليال.
وهذا على طريق التقليل، لا على وجه التحديد. وفي مرادهم بمكان هذا اللبث قولان: أحدهما:
القبور. ثم فيه قولان. أحدهما: أنهم عَنَوا طول ما لبثوا فيها، روى أبو صالح عن ابن عباس: إِن لبثتم بعد الموت إِلا عشراً. والثاني: ما بين النفختين، وهو أربعون سنة، فإنه يخفف عنهم العذاب حينئذ، فيستقلُّون مدة لبثهم لهول ما يعاينون، حكاه علي بن أحمد النيسابوري. والقول الثاني: أنهم عَنَوا لبثهم في الدنيا، قاله الحسن: وقتادة.
قوله تعالى: إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً أي: أعقلهم، وأعدلهم قولاً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً فنسي القوم مقدار لبثهم لهول ما عاينوا.
[سورة طه (٢٠) : الآيات ١٠٥ الى ١١٤]
وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً (١٠٥) فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً (١٠٦) لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً (١٠٧) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً (١٠٨) يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً (١٠٩)
يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً (١١٠) وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً (١١١) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً (١١٢) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً (١١٣) فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (١١٤)

قوله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ.
(٩٧٨) سبب نزولها أن رجالاً من ثقيف أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فقالوا يا محمد: كيف تكون الجبال يوم القيامة؟ فنزلت هذه الآية، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
قوله تعالى: فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً قال المفسرون: النسف: التذرية. والمعنى: يصيِّرها رِمالاً تسيل سيلاً، ثم يصيِّرها كالصوف المنفوش، تطيِّرها الرياح فتستأصلها فَيَذَرُها أي: يدَع أماكنها من الأرض إِذا نسفها قاعاً قال ابن قتيبة القاع من الأرض: المستوي الذي يعلوه الماء، والصفصف:
المستوي أيضاً، يريد: أنه لا نبت فيها.
قوله تعالى: لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً في ذلك ثلاثة أقوال: أحدها: أن المراد بالعِوَج:
الأودية، وبالأمَتْ: الرَّوابي، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وكذلك قال مجاهد: العِوَج:
الانخفاض، والأمَتْ: الارتفاع، وهذا مذهب الحسن. وقال ابن قتيبة: الأمَتْ: النَّبَك. والثاني: أن العِوَج: المَيْل، والأَمْت: الأثَرَ مثل الشِّراك، رواه العوفي عن ابن عباس. والثالث: أن العِوَج: الصدع، والأَمْت: الأَكَمة.
قوله تعالى: يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ قال الفراء: أي يتَّبعون صوت الداعي للحشر، لا عِوَج لهم عن دعائه: لا يقدرون أن لا يتَّبِعوا. قوله تعالى: وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ أي: سكنت وخفيت فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً وفيه ثلاثة أقوال: أَحدها: وطْء الأقدام، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وسعيد بن جبير، وعكرمة ومجاهد في رواية، واختاره الفراء، والزجاج. والثاني: تحريك الشفاه بغير نطق، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس. والثالث: الكلام الخفيّ، روي عن مجاهد. وقال أبو عبيدة:
الصوت الخفيّ.
قوله تعالى: يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ يعني لا تنفع أحداً إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ أي: إِلا شفاعة من أَذِن له الرحمن، أي: أَذِن أن يُشْفَع له وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا أي: ورضي للمشفوع فيه قولاً، وهو الذي كان في الدنيا من أهل «لا إِله إِلا الله». يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ الكناية راجعة إِلى الذين يتَّبعون الداعي. وقد شرحنا هذه الآية في سورة البقرة «١» وفي هاء «به» قولان: أحدهما: أنها ترجع إِلى الله تعالى، قاله مقاتل. والثاني: إِلى «ما بين أيديهم وما خلفهم»، قاله ابن السائب.
قوله تعالى: وَعَنَتِ الْوُجُوهُ قال الزجاج: «عَنَتْ» في اللغة: خضعت، يقال: عنا يعنو: إذا
__________
(١) سورة البقرة: ٢٥٥.

خضع، ومنه قيل: أُخِذتْ البلاد عَنْوَةً: إِذا أُخذتْ غَلَبة، وأُخذتْ بخضوع من أهلها. والمفسرون: على أن هذا في يوم القيامة، إِلا ما روي عن طلق بن حبيب: هو وضع الجبهة والأنف والكفّين والرُّكبتين وأطراف القدمين على الأرض للسّجود. وقد شرحنا في آية الكرسيّ معنى «الحيّ القيّوم» «١».
قوله تعالى: وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً قال ابن عباس: خَسِر من أشرك بالله.
قوله تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ «من» ها هنا للجنس. وإِنما شرط الإِيمان، لأن غير المؤمن لا يُقبَل عملُه، ولا يكون صالحاً فَلا يَخافُ أي: فهو لا يخاف. وقرأ ابن كثير: «فلا يَخَفْ» على النهي. قوله تعالى: ظُلْماً وَلا هَضْماً فيه أربعة أقوال: أحدها: لا يخاف أن يُظلَم فيُزاد في سيِّئاته، ولا أن يُهضَم من حسناته، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. والثاني: لا يخاف أن يُظلَم فيزاد من ذَنْب غيره، ولا أن يُهضم من حسناته، قاله قتادة. والثالث: لا يخاف أن يؤاخَذ بما لم يعمل، ولا يُنتقص من عمله الصالح، قاله الضحاك. والرابع: لا يخاف أن لا يُجزَى بعمله، ولا أن يُنقَص من حَقِّه، قاله ابن زيد. قال اللغويون: الهَضْم: النَّقْص، تقول العرب: هضمتُ لك من حَقِّي، أي:
حَطَطْتُ، ومنه: فلان هضيم الكَشْحَيْن، أي: ضامر الجنبين، ويقال: هذا شيء يهضم الطعام، أي:
ينقص ثِقْله. وفرق بعض المفسرين بين الظُّلم والهَضْم، فقال: الظُّلم: منع الحق كلِّه، والهضم: منع البعض، وإِن كان ظُلْماً أيضاً.
قوله تعالى وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ أي: وكما بيَّنَّا في هذه السورة، أنزلناه، أي: أنزلنا هذا الكتاب قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ أي: بيَّنَّا فيه ضروب الوعيد. قال قتادة: يعني: وقائعه في الأمم المكذِّبة. قوله تعالى: لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أي: ليكون سبباً لاتِّقائهم الشرك بالاتِّعاظ بِمَنْ قبلهم أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ أي: يجدِّد لهم القرآن، وقيل: الوعيد ذِكْراً أي: اعتباراً، فيتذكَّروا به عِقاب الأمم، فيعتبروا. وقرأ ابن مسعود، وعاصم الجحدري: «أو نُحْدِثُ» بنون مرفوعة. قوله تعالى: فَتَعالَى اللَّهُ أي: جَلَّ عن إِلحاد الملحِدين وقول المشركين في صفاته، الْمَلِكُ الذي بيده كلّ شيء، الْحَقُّ وقد ذكرناه في سورة يونس «٢».
قوله تعالى: وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ في سبب نزولها قولان:
(٩٧٩) أحدهما: أن جبريل كان يأتي النبيّ صلى الله عليه وسلّم بالسورة والآي فيتلوها عليه، فلا يفرغ جبريل من
قال: كان النبي صلى الله عليه وسلّم يعالج من التنزيل شدة، كان يحرك شفتيه. فقال ابن عباس: أنا أحركهما كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يحركهما. فأنزل الله: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ
قال: جمعه في صدرك، ثم تقرؤه فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ
قال: فاستمع له وأنصت ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ ثم إن علينا أن تقرأه. قال فكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا أتاه جبريل، استمع، فإذا انطلق جبريل، قرأه النبي صلى الله عليه وسلّم كما كان أقرأه». وليس في الحديث سبب نزول هذه الآية وإنما الآيات التي نزلت من سورة القيامة.
__________
(١) سورة البقرة: ٢٥٥.
(٢) سورة يونس: ٣٢.