آيات من القرآن الكريم

قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ
ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ

عبد الله؟ وما هو بقائم زيد، ولقيت محمدًا وهو حسن وجهه (١). واحتج بما أنشده الفراء:
فَهَلْ هُوَ مَرْفُوعٌ بما هاهنا رأسُ (٢)
من أبيات ذكرها (٣). والزحزحة الإبعاد والتنحية، يقال: زحّه وزحزحه فتزحزح: إذا تنحى (٤).
وقوله تعالى: ﴿أَن يُعَمَّرَ﴾ في موضع رفع بمزحزحه كما يرتفع الفاعل بالفعل؛ لأن المعنى: ما يزحزحه تعميره (٥).
٩٧ - وقوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ﴾ الآية، سألت اليهود نبي الله - ﷺ - عمن يأتيه من الملائكة فقال: جبريل فقالوا: هو عدونا، ولو

(١) "معاني القرآن" للفراء ١/ ٥١ - ٥٢، وينظر أيضًا: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٧٩، و"التبيان" ١/ ٧٨.
(٢) ذكره الفراء في "معاني القرآن" ١/ ٥١ - ٥٢ فقال: وأنشدني بعض العرب، والأبيات:
فأبلغ أبا يحيى إذا ما لقيتهَ على العِيسِ فىِ آباطِها عَرَقٌ يَبْسُ
بأن السُّلامِيَّ الذي بضَرِيَّةٍ أميَر الحِمَى قد باع حقي بني عبسِ
بثوبٍ ودينارٍ وشاةٍ ودرهمٍ فهل هو مرفوع بما هاهنا رأسُ
(٣) ابن الأنباري. قال في "البحر المحيط" ١/ ٣١٦: وتلخص في هذا القول الضمير، أهو عائد على أحدهم أو على المصدر المفهوم من يعمر، أو على ما بعده من قوله: أن يعمر أو هو ضمير الشأن، أو عماد، أقوال خمسة أظهرها الأول.
(٤) ينظر: "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ١٧٩، "البحر المحيط" ١/ ٢٩٨، "اللسان" ٣/ ١٨١٦، "القاموس" ٢٢٢.
(٥) ينظر: "البحر المحيط" ١/ ٣١٥ قال: وأجازوا أن يكون هو ضميرًا عائدًا على المصدر المفهوم من قوله: لو يعمر. وأن يعمر بدل منه، وارتفاع هو على وجهين من كونه اسم ما، أو مبتدأ.

صفحة رقم 171

أتاك بالوحي ميكائيل لتقبلنا منك، فأنزل الله تعالى هذه الآية (١).
وجبريل فيه لغات (٢)، بعضها قرئ به (٣)، وبعضها لم يقرأ به (٤)،

(١) أخرجه أحمد في "مسنده" ١/ ٢٧٤، والنسائي في "السنن الكبرى"، في عشرة النساء، كما في "تحفة الأشراف" ٤/ ٣٩٤، والترمذي (٣١١٧) كتاب باب ومن "التفسير"، سورة الرعد وقال: حسن غريب، وأبو نعيم في "الحلية" ٤/ ٢٣٧ وقال: غريب من حديث بكير، تفرد به بكير، الطبري في تفسيره ١/ ٤٣ - ٤٣٢، ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ١٨٠، وعبد بن حميد كما ذكره ابن كثير في التفسير، وصححه الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على الطبري في تفسيره. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٨/ ٢٤٢: رواه الترمذي باختصار ورواه أحمد والطبراني ورجالهما ثقات وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي" (٣١١٧) قال الطبري في تفسيره ١/ ٤٣١: أجمع أهل العلم جميعًا على أن هذه الآية نزلت جوابًا لليهود من بني إسرائيل، إذ زعموا أن جبريل عدو لهم، وأن ميكائيل ولي لهم، ثم اختلفوا في السبب الذي من أجله قالوا ذلك وحكى الإجماع أيضًا أبو حيان في "البحر" ١/ ٣١٩ قال الحافظ ابن حجر في "العجاب" ١/ ٢٩٨ بعد أن ذكر الروايات في سبب النزول: وحاصل ما ذكر فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: قول الجمهور: أن عداوتهم لكونه ينزل العذاب.
ثانيها: كونه حال دون قتل بختنصّر الذي خَرّب مسجدهم، وسفك دمائهم، وسبى ذراريهم.
ثالثها: كونه عدل بالنبوة عن بني إسرائيل إلى بني إسماعيل.
(٢) استقصى اللغات في جبريل وميكائيل: الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٠٤٤ وما بعدها، وأبو حيان في "البحر" ١/ ٣١٨، وابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ١١٧ - ١١٩.
(٣) قرأ نافع وأبو جعفر وأبو عمرو ويعقوب وابن عامر وحفص، بكسر الجيم والراء بلا همز، وقرأ ابن كثير كذلك ولكن مع فتح الجيم، وقرأ شعبة بفتح الجيم والراء وبعدها همزة مكسورة، وقرأ كذلك حمزة والكسائي وخلف، ولكن بزيادة ياء
ساكنة بعد الهمزة، ولحمزة إن وقف عليه التسهيل فقط. وأما ميكال، فقد قرأ نافع وأبو جعفر بهمزة مكسورة بعد الألف من غير ياء بعدها، وقرأ حفص وأبو عمرو ويعقوب من غير همز ولا ياء، وقرأ الباقون بهمزة مكسورة بعد الألف وياء ساكنة بعدها، ولحمزة فيه التسهيل مع المد والقصر.
ينظر: "السبعة" ص ١٦٦ - ١٦٧، و"النشر" ٢/ ٢١٩، و"البدور الزاهرة" ص ٤٦.
(٤) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٧٩، وذلك مثل: قراعة ابن محيصن (جبرئل) =

صفحة رقم 172

وكذلك ميكائيل وإسرائيل.
وهذه أسماء عجمية (١) وقعت إلى العرب (٢) (٣)، فإذا أُتي بها على ما في أبنية العرب مثلُه كان أذهب في باب التعريب، يقوي ذلك: تغييرهم للحروف المفردة التي ليست من حروفهم، كتغييرهم الحرف الذي بين الفاء والباء في قلبهم إياه إلى الباء المحضة أو الفاء المحضة، كقولهم: البِرِنْدُ والفِرِنْدُ (٤)، وكذلك تغييرهم الحركة التي ليست في كلامهم، كالحركة التي في قول العجم: رُوز وآشُوب (٥) يخلصونها ضَمّةً، فكما (٦) غيروا الحروف والحركات إلى ما في كلامهم فكذلك القياس في أبنية هذه الأسماء (٧)، إلا أنهم قد تركوا أشياء من العجمية على أبنية العجم التي ليست من أبنية العرب كالآجُرِّ (٨) والإِبْريسَم (٩) والفِرِنْد (١٠)، وليس في الكلام على هذه

= وقراءة الحسن (جبرائل). ينظر: "المحستب" ١/ ٩٧، و"القراءات الشاذة" للقاضي ص ٣١.
(١) في (م): (أسماء عربية وعجمية).
(٢) في (م): (للعرب).
(٣) في "الحجة": وهذه أسماء معربة.
(٤) في (ش): (القرند).
(٥) في "الحجة" (زورْأ اشُوْب). قال المحققان: في المعجم في اللغة الفارسية: زور: قوة، غلبة، وآشوب: من أشوفتين: الاضطراب.
(٦) في (م) و (ش): (كما).
(٧) قال ابن جني في "المحتسب" ١/ ٩٧: عن العرب إذا نطقت بالأعجمي خَلّطَتْ فيه.. وذكرنا أنهم قد يحرِّفون ما هو من كلامهم فكيف مما هو من كلام غيرهم. وقال في ١/ ٩٨: وهم لما كثر استعماله أشد تغييرًا.
(٨) الآجُرّ: اللَّبِنُ إذا طُبخ، بمد الهمزة، والتشديد أشهر من التخفيف، الواحدة آجُرَّة وهو مُعَرّب، ينظر "المصباح المنير" ص ٦.
(٩) الإبْرِيسَمُ: بفتح السين وضمها، هو الحرير، أو معرَّبٌ مُفَّرِّحٌ للبدن، معتدلٌ مُقَوٍّ للبَصر إذا اكتحل به، "القاموس" ١٠٧٩.
(١٠) الفِرِنْد: بكسر الفاء والراء، السيف وجواهره ووشيه. ينظر: "القاموس" ص ٣٠٦.

صفحة رقم 173

الأبنية. فمن قال جِبْرِيل بكسر الجيم وحذف الهمز كان على لفظ قِنْديل وبِرْطيل (١)، فإذا فتحتها فليس لهذا البناء مِثْلٌ في كلام العرب، فيكون هذا من باب الآجُرِّ والفرند ونحو ذلك من المُعَرَّب، الذي لم يجئ له مِثْل في كلامهم (٢).
ومن قال جَبْرَئيل: على وزن جبرعل كان على وزن: جَحْمَرِش (٣) (٤) وصَهْصَلْق (٥). وجَبْرَئيل على وزن: عَندَليب (٦)، والخارج من الأبنية العربية: جَبْريل، ألا ترى أنه ليس في أبنيتهم مثل مَنْدِيل، إلا أنه مُتَّجِهٌ وإن لم تجئ في أبنيتهم، وكلا المذهبين حسن لاستعمال العرب لهما جميعًا، وإن كان الموافق لأبنيتهم أذهب في باب التعريب (٧)، وقد جاء في أشعارهم الأمران (٨): قال جرير:

عبدوا الصّليبَ وكذّبوا بمحمدٍ وبِجبْرَئيلَ وكذّبوا ميكالا (٩)
(١) البِرطِيل: بكسر الباء: الرشوة، ينظر: "المصباح المنير" ص ٤٢.
(٢) هذا كله كلام أبي علي في "الحجة" ٢/ ١٦٤، ١٦٥.
(٣) في (ش): (جمحرش) وفي (م): (جمحرين).
(٤) الجَحْمَرِشُ: العجوز الكبيرة، والمرأة السمجة، والأرنب المرضع، ومن الأفاعي: الخشناء، وجمعه: جَحَامرِ ينظر: "القاموس" ص ٥٨٦.
(٥) الصهصلق: العجوز الصَّخَّابة، ومن الأصوات: الشديد. ينظر: "القاموس" ص ٣٠٦.
(٦) العَنْدَلِيبُ: طائرٌ يقال له: الهزارُ، يصَوِّت ألوانًا، وجمعه: عَنَادِل: "القاموس" ١١٨.
(٧) من كلام أبي علي في "الحجة" ٢/ ١٦٥.
(٨) في "الحجة" الأمران: ما هو على لفظ التعريب، وما هو خارج عن ذلك.
(٩) البيت لجرير من قصيدة له في هجاء تغلب، ينظر: "شرح ديوان جرير" ٣٦١،=

صفحة رقم 174

وقال حسان (١):

وجبريلٌ رسولُ الله فينا وروحُ القُدْس ليس به خفاءُ (٢)
وقال كعب بن مالك:
ويوم بدر لقيناكم لنا مَدَدٌ فيه مع النصرِ جبريل وميكالُ (٣)
قال أبو علي الفارسي (٤): وليس قول من قال: إن إيل وإل اسم الله وأضيف ما قبلهما إليهما، كما يقال عبد الله (٥) بمستقيم من وجهين:
=، "إعراب القرآن" للزجاج ١/ ١٧٩، "تفسير الطبري" ١/ ٤٣٦، "الحجة" لأبي علي٢/ ١٦٧، "البحر المحيط" لأبي حيان ١/ ٤٨٦.
(١) هو حسان بن ثابت بن المنذر الخزرجي الأنصاري، أبو الوليد الصحابي، شاعر الرسول - ﷺ - وأحد المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، دافع بشعره عن الإسلام ونبيه - ﷺ -، إلا أنه لم يشهد معه مشهدا لعلة أصابته. ينظر: "الإصابة" ١/ ٣٢٦، و"الأعلام" ٢/ ١٧٥.
(٢) البيت لحسان بن ثابت، في "ديوانه" ص ٧٥، و"لسان العرب" ٧/ ٣٨٩٢ (مادة: كفأ)، ١/ ٥٣٥ (مادة: جبر). ورواية الزجاج وأبي علي: ليس له كفاء، ونفى صاحب "الخزانة" ١/ ١٩٩ أن يكون البيت لحسان.
(٣) نَسب أبو علي البيت لكعب، ونُسِب لحسان في "ديوانه" ص ٢٠٤ وجبريل بدل ميكال، وكذا نسبه في "لسان العرب" ٧/ ٤٢٥٢ (مادة: مكا). ورواية "اللسان" ميكال وجبريل.
(٤) من كلام أبي علي في "الحجة" ٢/ ١٦٧ - ١٦٨، وقال في "البحر المحيط"١/ ٣١٩: (فإنه نزله) ليس هذا جواب الشرط لما تقرر في علم العربية أن اسم الشرط لابد أن يكون في الجواب ضمير يعود عليه... وإنما الجزاء محذوف لدلالة ما بعده عليه، بالتقدير: فعداوته لا وجه لها أو ما أشبه هذا التقدير.
(٥) ذكر ذلك الماوردي في "النكت والعيون" ١/ ١٦٣، وقال: وهذا قول ابن عباس، وليس له من المفسرين مخالف، ونقله عنه القرطبي في "تفسيره" ٢/ ٣٣ ثم نقل خلافه، ونقل ابن كثير في تفسيره الخلاف أيضًا. ونقل هذا القول أبو حيان في "البحر المحيط" ١/ ٣١٧، وينظر: "الإجماع في التفسير" ص ١٧٩ - ١٨٢.

صفحة رقم 175

أحدهما: أن إيل وإل (١) لا يعرفان في أسماء الله سبحانه في اللغة العربية. والآخر: أنه لو كان كذلك لم ينصرف (٢) آخر الاسم في وجوه العربية، ولكان الآخر مجرورًا، كما أن عبد الله كذلك (٣). وهذا الذي قاله أبو علي أراد أنه ليس في اللغة العربية على الوجه الذي ذكروا بمستقيم. وقد قال جماعة من أهل العلم: جَبر وميك: هو العبد بالسُريانية، وإيل هو الله عز وجل (٤). وروي ذلك من خبر مرفوع، قال: إنما جبريل وميكائل كقولك: عبد الله وعبد الرحمن (٥).
قوله تعالى: ﴿فَإِنَّهُ﴾ يعني جبريل ﴿نَزَّلَهُ﴾ يعنى: القرآن، كنى عنه ولم يجئ له ذكر، وهو كثير، وقيل: فإن الله نزل جبريل على قلبك (٦).
وقيل: جواب من مُضمر، أراد: من كان عدُوًّا لجبريل فليخف، أو ليَمُتْ غيظا أو ما أشبهه من الإضمار (٧).
وقوله تعالى: ﴿عَلَى قَلْبِكَ﴾ يعني: قلبَ محمد - ﷺ - قال الفراء: ولو كان: على قلبي، كان صوابًا، مثله في الكلام: لا تقل للقوم: إن الخَيْر

(١) من قوله: (اسم الله وأضيف).. ساقط من (ش).
(٢) في (ش): (ينصرف).
(٣) "الحجة" ١/ ١٦٩، وينظر: "البحر المحيط" ١/ ٣١٧.
(٤) ينظر: "تفسير الطبري" ١/ ٤٣٦ - ٤٣٧، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠٤٨، "زاد المسير" ١/ ١١٩، و"الدر المنثور" ١/ ١٧٦.
(٥) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٠٤٨ بسنده من طريق أبي معاوية عن الأعمش عن إسماعيل بن رجاء بن ربيعة الزبيدي عن معاوية يرفعه، ونسبه في "الدر المنثور" ١/ ١٧٦ إلى الديلمي عن أبي أمامة، وهو من مظان الحديث الضعيف والله أعلم.
(٦) ينظر: "التفسير الكبير" للرازي ٣/ ١٩٦، "البحر المحيط" ١/ ٣٢٠ ورجَّح الأول.
(٧) ينظر: "التبيان" ١/ ٧٩.

صفحة رقم 176
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية