آيات من القرآن الكريم

وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا ۖ وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ
ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ

يخرج، وتقدير ذلك كادوا يفعلون لتعذر ذلك عليهم وكثرة مراجعتهم، وقيل: (كادوا لا يفعلون) خشية الفضيحة.
وأما أنهم بكم اشتروا البقرة، وممن اشتروها فليس مما يفتقر إليه تفسير الآية وقال بعض الناس: في هذه الآية دلالة على فسخ الشيء قبل فعله، فإن في الأول أمروا بذبح بقرة غير معينة، وكان لهم أن يذبحوا أي بقرة شاؤوا، وفي الثاني والثالث أمروا بذبح بقرة مخصوصة، فكأنهم نهوا عما كانوا أمروا به من قبل وليس الأمر كذلك، فإن الأول أمر مطلق، والثاني والثالث كالبيان له لما
راجعوه ولم يسقط عنهم ذبح البقرة، بل ريد في أوصافها، وكشف عن المراد بالأمر الأول، وفي الآية دلالة على جواز تأخير بيان المجمل إلى وقت الحاجة..
قوله- عز وجل:
﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٧٢) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾. الآية (٧٢، ٧٣) سورة البقرة.
ادارأتم أي تدافعتم، وأصل الدرء الاعوجاج، فالتدارؤ أن يعوج كل على الآخر بمخالفته له، وقال الخليل: كوكب دري، فقيل من الدرء أي تدافع الضوء، ودرأت عنه الحد منه، ووزن " ادارأتم " من الفعل تفاعلتم، أصله تدارأتم، فأريد الإدغام تخفيفاً، فأبدل من التاء دالا فسكن للإدغام، واجتلب لها ألف الوصل، فحصل على اتفاعلتم، وقال بعض الأدباء: ادارأتم افتعلتم، وكلما فيه من أوجه...
أولاً: أن ادارأتم.
على ثمانية أحرفا وافتعلتم على سبعة أحرف، وثانياً: أن الذي يلي ألف الوصل تا، فجعلها دالاً، وثالثاً: أن ألذي يلي الثاني دال، فجعلها تاء، ورابعاً: أن الفعل الصحيح العين لا يكون ما بعد تاء الافتعال منه إلا متحركاً، وقد جعله ههنا ساكناً وخامسأ: أن ههنا قل دخل بين التاء والدال زائد، وفي افتعلتم لا يدخل دلك، وسادساً: أنه أنزل الألف منزل العين وليست بعين،
وسابعا: أن تاء افتعل قبله حرفان وبعده حرفان، وادارأ بعد التاء ثلاثة أحرفا وثامناً أن عين أفتعل في المستقبل مكسور، وبين " ادرأتم " في المستقبل مفتوح، وفي قوله: ﴿وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾

صفحة رقم 229

اعتراض متضمن لتمرد، وتنبيه أنه تعالى لا يخفى عليه خافية، وأن كل من عمل خيراً أو شراً، فإن الله تعالى لا يظهره على بعض الوجوه، وعلى ذلك روى " ما عمل عبد حسنة في تسع آبيات إلا أظهره الله تعالى، لقوله: ﴿وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ ونظم هذه الآيات مشكل، فقد كان في الظاهر يقتضي أن يكون قوله: ﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا﴾ متقدماً على قوله: (! از قال موسى لقومه... )، لأن أمر موسى- عليه السلام- بذبح البقرة بعد التدارؤ، وفي قتل النفس والظاهر أن ذبح البقرة قد كان من
قبل، وبيان ذلك أنه قد قيل قولان: أحدهما: أن موسي- عليه السلام- قد أمر بني إسرائيل أن يذبحوا بقرة قبل الحادثة، فلذلك تعجبوا وقالوا: أتتخذنا هزواً، فلما ذبحوا البقرة اتفق حصول القتال، فقال موسى لا راجعوه: " اضربوه ببعضها "، وقيل: بل كان الأمر بذبح البقرة بعد وقوع التشاجر، وعلى هذا قوله: ﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا﴾ ليس بمعطوف على قوله: (وإذ قال موسى لقومه)، بل هو في موضع الحال له، كأنه قيل: (واذكروا إذ قال موسى لقومه.. ) الآية..
وذلك إذ قتلتم نفسا [فادارأتم فيها] أو إذ قتلتم نفسه كان ذلك، لكن اختصر، وفي قوله ﴿اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا﴾ اختصار، كأنه قيل " ليحى محي، وأنا بأي عضو ضرب، فقد قال مجاهد: بفخذها، وقال السدى: بمضغة من لحمها، وقال الفراء: بذنبها، وقال وهب: بأصغريها قلبها ولسانها، فظاهر الآية لا يقتضي تخصيص عضو، (من عضو) وقوله: ﴿يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى﴾، قيل: هو حكاية عن قول موسى-[عليه السلام]- لقومه، وقيل: بل هو خطاب من الله تلالي لهذه الأمة تنبيهاً على الاعتبار بإحيائه الموتى، وقد استبعد بعض الناس ذلك وماحكاه الله منه، وأنكر حصول ذلك الفعل على الحقيقة، وقال ذلك ممتنع من فعل الطبيعة، [وأيضا فإن ذلك لا يعرف فيه حكمة الشهية فأما

صفحة رقم 230

استبعاده ذلك من حيث الطبيعة]، فإنما هو استبعاد للإحياء والنشور، ولذلك موضع لا يختص بالتفسير، ومن كان ذلك طريقته، فلا خوض معه في تفسير القرآن، وأما الحكمة فيه فظاهرة، إذ هو من المعجزات المحسوسات الباهرة للعقول، وتخصيص البقرة، فإن كثيرا من حكمة الله تعالى لا يمكن للبشر الوقوف عليه، ولو لم يكن في تخصيص بقرة على وصف مخصوص إلا توفر المأمور
بذلك على طلبها واستيجاب الثواب في بذل ثمنها وجلب نفع إلى صاحبها لكان في ذلك حكمة عظيمة، وفي الآية تنبيه على أن الجماعة التي حكمهم واحد، يجوز أن ينسب الفعل إليهم وإن كان واقعاً من بعضهم، ولا يكون ذلك كذباً، كما أن الجملة المركبة من شخص واحد يصح أن ينسب إليها ما وقع من عضو منها، وذكر بعض الصوفية أن الله تعالى قصد بما ذكره لبني إسرائيل وإشارة إلى معنى لطيف، فإن في الأمر بذبح البقرة أمرا بتذليل.
القوة الشهرية، ولما لم ينتبهوا لمراد هـ، قالوا أتتخذنا هزواً.
وبين قوله ﴿لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ﴾ أن حق الإنسان أن يتحرى في إماتة شهوته وقت ما يزول عنه شره صباه، فلا يكون كبكر، ولم يلحقه حسوا لكبر، فيكون كفارض، ثم نبه بما ذكره من اللون أنه لا يحب أن يمنع النفس من إماتة شهوته كونها رائقة المنظر، بل يجب أن يميتها أعجب ما تكون إليه، ثم نبه بقوله: ﴿لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ﴾ أن النفس التي تحمل على تذليلها في العبادة هي النفس التي لم تستعبدها الدنيا ولم تتأثر بدنسها، ولم تتوسم بمقابحها، وطاهر الآية لا يقتضي ذلك، لكن مثله إذا حكى، فتصحيحه مفوض إلى فكرة قارئه ومتأملة، والله أعلم..

صفحة رقم 231
تفسير الراغب الأصفهاني
عرض الكتاب
المؤلف
أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهانى
تحقيق
هند بنت محمد سردار
الناشر
كلية الدعوة وأصول الدين - جامعة أم القرى
سنة النشر
1422
عدد الأجزاء
2
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية