
فيحيا بإذن الله، ويخبرهم عن القاتل، والقصة تبدأ بالآية [ (٦٧) من سورة البقرة] وهي قصة مثيرة فعلا، يعجب منها السامع، ويحرص على طلبها.
فضلها:
فضل هذه السورة عظيم، وثوابها جسيم، ويقال لها: «فسطاط القرآن» لعظمها وبهائها، وكثرة أحكامها ومواعظها،
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة» «١»
وقال أيضا: «اقرؤوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة» «٢»
أي السحرة.
وفي صحيح البستي عن سهل بن سعد، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن لكل شيء سناما، وإن سنام القرآن سورة البقرة، ومن قرأها في بيته ليلا لم يدخل الشيطان بيته ثلاث ليال، ومن قرأها نهارا لم يدخل الشيطان بيته ثلاثة أيام».
صفات المؤمنين وجزاء المتقين
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١ الى ٥]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الم (١) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (٢) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤)أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥)
(٢) رواه مسلم عن أبي أمامة الباهلي.

الإعراب:
الم أحرف مقطعة مبنية غير معربة، وكذلك سائر حروف الهجاء في أوائل السور.
ذلِكَ ذا: اسم إشارة مبني في موضع رفع، وهو إما مبتدأ والْكِتابُ خبره، وإما خبر مبتدأ مقدر، وتقديره: هو ذلك الكتاب. والْكِتابُ بدل من ذلك أو عطف بيان.
لا رَيْبَ فِيهِ لا: نافية للجنس، ورَيْبَ اسمها المنصوب. وفِيهِ متعلق بمحذوف خبر تقديره: كائن. هُدىً إما مرفوع على أنه خبر مبتدأ مقدر، وتقديره: هو هدى، أو منصوب على أنه حال من «ذا» أو من الْكِتابُ أو من الضمير في فِيهِ.
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ إما بالجر صفة للمتقين أو بدل منهم، وإما بالرفع على أنه مبتدأ، وخبره أُولئِكَ عَلى هُدىً أو على أنه خبر مبتدأ مقدر، وتقديره هم الذين وإما بالنصب على تقدير «أعني» ويُؤْمِنُونَ صلته.
أُولئِكَ عَلى هُدىً بالرفع على أنه مبتدأ، وعَلى هُدىً خبره، أو خبر الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ إذا جعل الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ مبتدأ.
البلاغة:
ذلِكَ الْكِتابُ الإشارة بالبعيد عن القريب للتنبيه على علو شأنه.
هُدىً لِلْمُتَّقِينَ مجاز مرسل أو عقلي، أسند الهداية للقرآن، لأنه سبب الهداية، والهادي في الحقيقة هو الله تعالى.
أُولئِكَ عَلى هُدىً وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ للعناية بشأن المتقين. رَبِّهِمْ للحصر فيهم «١».
المفردات اللغوية:
الْكِتابُ القرآن العظيم. ذلِكَ الْكِتابُ قال عامة المفسرين: تأويل قول الله تعالى: ذلِكَ الْكِتابُ: هذا الكتاب لا رَيْبَ فِيهِ لا شك في أنه من عند الله هُدىً هداية ورشاد لِلْمُتَّقِينَ الذين وقوا أنفسهم مما يضرها، فالتزموا الأوامر الإلهية وتجنبوا النواهي والمحظورات.

يُؤْمِنُونَ الإيمان: هو التصديق الجازم المقترن بإذعان النفس وقبولها، ويدل عليه العمل. وبِالْغَيْبِ ما غاب عن الإنسان من حساب وجزاء وجنة ونار وغيرها. وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ الإتيان بها مستكملة شروطها وأركانها.
يُوقِنُونَ اليقين: هو الاعتقاد الذي لا يقبل الشك، وهو حقيقة العلم.
التفسير والبيان
معنى البسملة إعلان بأن جميع ما في السورة من الله تعالى، لا من إنسان، أنزلها برحمته لهداية الناس إلى ما فيه الخير والسعادة في الدنيا والآخرة. وهي لا شك آية من القرآن بإجماع الصحابة الذين حرصوا عند جمع المصحف ألا يكتبوا فيه أي شيء من غير القرآن.
وقد استفتح الله هذه السورة بالحروف المقطعة، تنبيها لوصف القرآن وإشارة إلى إعجازه، وتحديا دائما على الإتيان بأقصر سورة من مثله، وإثباتا قاطعا إلى أنه كلام الله الذي لا يضارعه شيء من كلام البشر، فكأن الله يقول للعرب الذين نزل القرآن بلغتهم: كيف تعجزون عن الإتيان بمثله، مع أنه كلام عربي، مركب من الحروف الهجائية التي ينطق بها كل عربي، ومع ذلك عجزتم عن مجاراته. هذا هو رأي المحققين من العلماء الذين قالوا: إنما ذكرت هذه الحروف في أوائل السور التي ذكرت فيها، بيانا لإعجاز القرآن، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله، هذا مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها «١».
قال الزمخشري: ولم ترد كلها مجموعة في أول القرآن، وإنما كررت ليكون

أبلغ في التحدي والتبكيت، كما كررت قصص كثيرة، وكرر التحدي بالصريح في أماكن «١».
ومما يدل على كون الم مكونة من الحروف المقطعة:
قول النّبي صلّى الله عليه وسلّم: «من قرأ حرفا من كتاب الله تعالى فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول:
الم حرف، لكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف» «٢».
ثم وصف الله تعالى القرآن بأوصاف ثلاثة:
الأول- أنه الكتاب الكامل في كل ما اشتمل عليه من معان ومقاصد وقصص وعبر وتشريعات غير قابلة للنقض.
والثاني- أنه لا شك في كونه حقا من عند الله، لمن أمعن النظر وأصغى بقلبه.
والثالث- أنه مصدر هداية وإرشاد للمؤمنين المتقين، الذين يتقون عذاب الله، بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، فهم المنتفعون به.
ثم أبان الله تعالى أربع صفات للمتقين الذين ينتفعون بالقرآن، وهم الذين يؤمنون ويصدقون بالغيبيات التي أخبر عنها القرآن من البعث والحساب والصراط والجنة والنار وغيرها، فلا يقفون عند مجرد الماديات والمحسوسات التي يدركها العقل إدراكا قريبا، وإنما يدركون أيضا ما وراء المادة من عوالم أخرى كالروح والجن والملائكة، وعلى رأسها وجود الله ووحدانيته.
ثم يؤدون الصلاة على الوجه الأكمل بشروطها وأركانها وآدابها وخشوعها،
(٢) رواه الترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

فالصلاة بدون خشوع وتأمل في المقروء فيها وتدبر للمعاني القرآنية وخشية لله جسم بلا روح.
ثم ينفقون في وجوه البر والإحسان من الأموال كالزكاة والصدقة وسائر النفقات الواجبة شرعا، فيتحقق الرخاء لجميع الناس، وتتطهر الأموال مما شابها من شبهات، ويكتمل البناء المنشود شرعا: بناء الفرد بالصلاة التي هي عماد الدين، وبناء المجتمع بالزكاة وتوابعها التي هي أساس التقدم ورقي الحياة وسعادة الأمة. فالآية عامة في كل غيب أخبر به الرسول صلّى الله عليه وسلّم أنه كائن، وعام في كل صلاة فرضا كانت أو نفلا، وعام في كل نفقة.
ثم إن أولئك المتقين هم الذين يصدقون بجميع ما أنزل على النّبي محمد صلّى الله عليه وسلّم وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، ويصدقون أيضا تصديقا جازما لا شك فيه بالآخرة وما تضمه من بعث الأجساد والأرواح معا من القبور، وحساب وجزاء وميزان وصراط وجنة ونار.
وهؤلاء الموصوفون بما ذكر من الإيمان الحق بالغيب، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والاعتقاد باليوم الآخر، والإيمان بالقرآن وبالكتب المنزلة قبله (وهي التوراة والإنجيل والزبور والصحف)، هم على نور وهداية من ربهم، وعلى منزلة عالية عند الله، وهم الفائزون بالدرجات العالية في جنات الخلود.
فقه الحياة أو الأحكام:
هذه صفات المؤمنين ومنهاجهم وقانونهم في الحياة الإسلامية: إيمان شامل كامل بكل ما غاب علمه عنهم، كذات الله تعالى وملائكته والدار الآخرة، مما أخبر عنه القرآن العظيم وأرشد إليه الدليل السليم، والإيمان مقرون بالعمل الصالح: وهو إقامة الصلاة المفروضة، والإنفاق في سبيل الله في الجهاد، وعون