
﴿حَلِيمٌ﴾ إذ لم يعجل بالعقوبة على من يمن ويؤذي بصدقته (١).
٢٦٤ - قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ﴾ أراد: ثواب صدقاتكم وأجرها (٢) ﴿بِالْمَنِّ﴾ هو أن تمن بما أعطيت وتعتد به، كأنك إنما تقصد به الاعتداد، وقال ابن عباس: ﴿بِالْمَنِّ﴾ على الله عز وجل (٣). (والأذى) (٤) هو أن يوبخ المعطَى.
وقوله تعالى: ﴿كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ﴾ أخبر الله تعالى أن المن والأذى يبطلان الصدقة، كما تبطل نفقة المنافق الذي إنما أعطى وهو لا يريد بذلك العطاء ما عند الله، إنما يريد (٥) ليوهم أنه مؤمن (٦).
والرياء مصدر المُرَاءاة، يقال: رياء ومراءاة، مثل: راعيته رِعَاءً ومُرَاعَاةً، وهو أن ترائي غيرك بعملك (٧).
قال ابن عباس: يريد كالذي يتصدق لا يرجو لها ثوابًا، ولا يخاف من منعها عقابًا (٨).
وقوله تعالى: ﴿فَمَثَلُهُ﴾ أي: مثل هذا المنافق المرائي {كَمَثَلِ
(٢) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٧٥.
(٣) ذكره عنه الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٥٧٥، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٣٢٦، والرازي ٧/ ٥٧.
(٤) سقطت من (ي).
(٥) في (ي) و (ش): (يعطي).
(٦) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٧٥.
(٧) ينظر في الرياء: "تهذيب اللغة" ٢/ ١٣٢٦ (مادة: رأى)، "المفردات" ١٩٠، "اللسان" ٣/ ١٥٤٤ (مادة: رأى)، "عمدة الحفاظ" ٢/ ٦٢.
(٨) لعله من رواية عطاء التي تقدم الحديث عنها في قسم الدراسة.

صَفْوَانٍ} (١)، وهو الحجر الأملس، ومثله: الصفا. أبو عبيد عن الأصمعي: الصَّفْواء أو (٢) والصَّفْوان والصَّفَا مقصور كلُّه واحدٌ (٣).
والوابل: المطر الشديد، يقال: وَبَلَتِ السماءُ تَبِلُ وَبْلًا، وأرض مَوْبُولَةٌ: أصابها وابل (٤).
والصَّلْد: الأملسُ اليابس، يقال: حَجَرٌ صلْدُ، وجبين صلْدٌ: إذا كان براقًا أملس، وأرض صلد: لا تنبت شيئًا كالحجر الصلد، قال تأبط شرًا (٥) في الحَجَر:
ولَسْتُ بِجُلْبٍ جُلْبِ ريحٍ وقِرةٍ | ولا بصَفًا صلْدٍ عَن الخَيْرِ مَعْزِل (٦) |
(٢) كتبت في (م): (الصفو والصفوان)، وفي بقية النسخ (الصفوا والصفوان).
(٣) نقله عنه في "تهذيب اللغة" ٢/ ٢٠٢٢ (مادة: صفا)، وينظر في المادة نفسها: "المفردات" ٢٨٦ - ٢٨٧، "اللسان" ٤/ ٢٤٦٨ - ٢٤٦٩.
(٤) ينظر في وبل: "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٨٢٩، "المفردات" ٥٢٦، "اللسان" ٨/ ٤٧٥٥ (مادة: وبل).
(٥) ثابت بن جابر بن سفيان الفهمي أبو زهير، من شعراء الصعاليك، وأحد لصوص العرب المغيرين، اشتهر بسرعة العدو حتى إن الخيل لا تلحقه، وسمي تأبط شرًّا؛ لأنه تأبط سيفا وخرج، فقيل لأمه: أين هو؟ فقالت: تأبط شرا وخرج، وقيل غير ذلك. ينظر "الشعر والشعراء" ١/ ٩٣، "وسمط اللالي" ١/ ١٥٨.
(٦) البيت في "ديوانه" ١٧٤، وفي "تفسير الطبري" ٣/ ٦٦، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٧٧، "لسان العرب" ٥/ ٢٩٣٠ (عزل) والجلب: هو السحاب المعترض، تراه كأنه جبل، والمعنى: لست برجل لا نفع فيه، ومع ذلك فيه أذى كالسحاب الذي فيه ريح وقِرٌّ، ولا مطر فيه. ينظر "لسان العرب" ٢/ ٦٤٩ (جلب).

برّاق أصلادِ الجبينِ الأَجْلَهِ (١)
وقال بعض بني أسد في الأرض الصلدة:
وإنِّي لأرجو الوَصْلَ منكِ كَما رَجَا | صَدَى الجَوْفِ (٢) مُرْتَادًا كداه صُلود (٣) |
وهذا مثل ضربه الله تعالى لعمل المنافق وعمل المنّان الموذي، يعنى: أن الناس يرون في الظاهر أن لهؤلاء أعمالًا كما يُرى التُرابُ على هذا الصفوان، فإذا كان يوم القيامة اضمحل كله وبطل؛ لأنه لم يكن لله، كما أذهب الوابل ما كان على الصفوان من التراب، فلا يقدر أحد (من الخلق) (٦) على ذلك التراب الذي أزاله المطر عن الصفا، كذلك هؤلاء في العمل الذي حبط، إذا قدموا على ربهم لم يجدوا شيئًا (٧)، فهو قوله: {لَا
(٢) في (ش): (الخوف).
(٣) ورد البيت غير منسوب في "ديوان الحماسة" ٢/ ١٦٥.
(٤) سقطت من (ي).
(٥) ينظر في صلد: "تهذيب اللغة" ٢/ ٢٠٤٢، "المفردات" ٢٨٩، "اللسان" ٤/ ٢٤٨١.
(٦) سقطت من (ي).
(٧) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٧٨.