آيات من القرآن الكريم

يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ ۖ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ
ﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭ

وقال الزجّاج: «هو تضعيف في زل» فيجيء التضعيف على هذا في الفاء، وقرأ الأعمش «وزلزلوا ويقول الرسول» بالواو بدل حتى، وفي مصحف ابن مسعود «وزلزلوا ثم زلزلوا ويقول الرسول»، وقرأ نافع «يقول» بالرفع، وقرأ الباقون «يقول» بالنصب، ف حَتَّى غاية مجردة تنصب الفعل بتقدير إلى أن، وعلى قراءة نافع كأنها اقترن بها تسبيب فهي حرف ابتداء ترفع الفعل، وأكثر المتأولين على أن الكلام إلى آخر الآية من قول الرسول والمؤمنين، ويكون ذلك من قول الرسول على طلب استعجال النصر لا على شك ولا ارتياب، والرَّسُولُ اسم الجنس، وذكره الله تعظيما للنازلة التي دعت الرسول إلى هذا القول، وقالت طائفة: في الكلام تقديم وتأخير، والتقدير حتى يقول الذين آمنوا متى نصر الله فيقول الرسول أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ، فقدم الرسول في الرتبة لمكانته ثم قدم قول المؤمنين لأنه المتقدم في الزمان.
قال القاضي أبو محمد: وهذا تحكم، وحمل الكلام على وجهه غير متعذر، ويحتمل أن يكون أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ إخبارا من الله تعالى مؤتنفا بعد تمام ذكر القول.
قوله عز وجل:
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢١٥ الى ٢١٧]
يَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (٢١٥) كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٢١٦) يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢١٧)
السائلون هم المؤمنون، والمعنى يسألونك ما هي الوجوه التي ينفقون فيها وأين يضعون ما لزم إنفاقه، و «ما» يصح أن تكون في موضع رفع على الابتداء، و «ذا» خبرها، فهي بمعنى الذي، ويُنْفِقُونَ صلة، وفيه عائد على «ذا» تقديره ينفقونه، ويصح أن تكون ماذا اسما واحدا مركبا في موضع نصب ب يُنْفِقُونَ، فيعرى من الضمير، ومتى كانت اسما مركبا فهي في موضع نصب لا ما جاء من قول الشاعر: [الطويل].

وماذا عسى الواشون أن يتحدّثوا سوى أن يقولوا إنّني لك عاشق
فإن عسى لا تعمل، فماذا في موضع رفع وهو مركب إذ لا صلة لذا.
قال قوم: هذه الآية في الزكاة المفروضة، وعلى هذا نسخ منها الوالدان ومن جرى مجراهما من الأقربين.
وقال السدي: «نزلت هذه الآية قبل فرض الزكاة، ثم نسختها الزكاة المفروضة»، ووهم المهدوي على السدي في هذا فنسب إليه أنه قال إن الآية في الزكاة المفروضة، ثم نسخ منها الوالدان، وقال ابن

صفحة رقم 288

جريج وغيره: هي ندب، والزكاة غير هذا الإنفاق، فعلى هذا لا نسخ فيها، واليتم فقد الأب قبل البلوغ، وتقدم القول في المسكين وابْنِ السَّبِيلِ، وما تَفْعَلُوا جزم بالشرط، والجواب في الفاء، وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «يفعلوا» بالياء على ذكر الغائب، وظاهر الآية الخبر، وهي تتضمن الوعد بالمجازاة، وكُتِبَ معناه فرض، وقد تقدم مثله، وهذا هو فرض الجهاد، وقرأ قوم «كتب عليكم القتل».
وقال عطاء بن أبي رباح: «فرض القتال على أعيان أصحاب محمد، فلما استقر الشرع وقيم به صار على الكفاية»، وقال جمهور الأمة: أول فرضه إنما كان على الكفاية دون تعيين.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: واستمر الإجماع على أن الجهاد على أمة محمد فرض كفاية، فإذا قام به من قام من المسلمين سقط عن الباقين، إلا أن ينزل العدو بساحة للإسلام، فهو حينئذ فرض عين، وذكر المهدوي وغيره عن الثوري أنه قال: الجهاد تطوع. وهذه العبارة عندي إنما هي على سؤال سائل وقد قيم بالجهاد. فقيل له: ذلك تطوع وال كُرْهٌ بضم الكاف الاسم، وفتحها المصدر.
وقال قوم «الكره» بفتح الكاف ما أكره المرء عليه، و «الكره» ما كرهه هو.
وقال قوم: هما بمعنى واحد.
وقوله تعالى وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً الآية، قال قوم عَسى من الله واجبة، والمعنى عسى أن تكرهوا ما في الجهاد من المشقة وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ في أنكم تغلبون وتظهرون وتغنمون وتؤجرون، ومن مات مات شهيدا، وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا الدعة وترك القتال وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ في أنكم تغلبون وتذلون ويذهب أمركم، وفي قوله تعالى وَاللَّهُ يَعْلَمُ الآية قوة أمر.
وقوله تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ الآية، نزل في قصة عمرو بن الحضرمي، وذلك أن رسول الله ﷺ بعث سرية عليها عبد الله بن جحش الأسدي مقدمه من بدر الأولى، فلقوا عمرو بن الحضرمي ومعه عثمان بن عبد الله بن المغيرة وأخوه نوفل المخزوميان والحكم بن كيسان في آخر يوم من رجب على ما ذكر ابن إسحاق، وفي آخر يوم من جمادى الآخرة على ما ذكره الطبري عن السدي وغيره. والأول أشهر، على أن ابن عباس قد ورد عنه أن ذاك كان في أول ليلة من رجب والمسلمون يظنونها من جمادى، وأن القتل في الشهر الحرام لم يقصدوه، وأما على قول ابن إسحاق فإنهم قالوا إن تركناهم اليوم دخلوا الحرم فأزمعوا قتالهم، فرمى واقد بن عبد الله عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله، وأسر عثمان بن عبد الله والحكم، وفر نوفل فأعجزهم، واستسهل المسلمون هذا في الشهر الحرام خوف فوتهم، فقالت قريش: محمد قد استحل الأشهر الحرم، وعيروا بذلك، وتوقف النبي ﷺ وقال: ما أمرتكم بقتال في الأشهر الحرم، فنزلت هذه الآية.
وذكر المهدوي أن سبب هذه الآية أن عمرو بن أمية الضمري قتل رجلين من بني كلاب في رجب فنزلت، وهذا تخليط من المهدوي. وصاحبا عمرو كان عندهما عهد من النبي صلى الله عليه وسلم، وكان عمرو قد أفلت من قصة بئر معونة، وذكر الصاحب بن عباد في رسالته المعروفة بالأسدية أن عبد الله بن

صفحة رقم 289

جحش سمي أمير المؤمنين في ذلك الوقت، لكونه مؤمرا على جماعة من المؤمنين، وقِتالٍ بدل عند سيبويه، وهو بدل الاشتمال.
وقال الفراء: هو خفض بتقدير عن.
وقال أبو عبيدة «هو خفض على الجوار»، وقوله هذا خطأ، وفي مصحف عبد الله بن مسعود «يسألونك عن الشهر الحرام عن قتال فيه» بتكرير عن، وكذلك قرأها الربيع والأعمش، وقرأ عكرمة «عن الشهر الحرام قتل فيه قل قتل» دون ألف فيهما، والشَّهْرِ في الآية اسم الجنس، وكانت العرب قد جعل الله لها الشَّهْرِ الْحَرامِ قواما تعتدل عنده، فكانت لا تسفك دما ولا تغير في الأشهر الحرم، وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، وروى جابر بن عبد الله أن النبي ﷺ لم يكن يغزو فيها إلا أن يغزى، فذلك قوله تعالى قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ، وصَدٌّ مبتدأ مقطوع مما قبله، والخبر أَكْبَرُ، والْمَسْجِدِ معطوف على سَبِيلِ اللَّهِ، وهذا هو الصحيح.
وقال الفراء: صَدٌّ عطف على كَبِيرٌ، وذلك خطأ، لأن المعنى يسوق إلى أن قوله وَكُفْرٌ بِهِ عطف أيضا على كَبِيرٌ، ويجيء من ذلك أن إخراج أهل المسجد منه أكبر من الكفر عند الله، وهذا بين فساده، ومعنى الآية على قول الجمهور: إنكم يا كفار قريش تستعظمون علينا القتال في الشهر الحرام، وما تفعلون أنتم من الصد عن سبيل الله لمن أراد الإسلام ومن كفركم بالله وإخراجكم أهل المسجد عنه كما فعلوا برسول الله ﷺ وأصحابه أكبر جرما عند الله.
وقال الزهري ومجاهد وغيرهما: قوله قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ منسوخ بقوله وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً [التوبة: ٣٦]، وبقوله: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ [التوبة: ٥].
وقال عطاء: «لم تنسخ، ولا ينبغي القتال في الأشهر الحرم»، وهذا ضعيف.
وقوله تعالى: وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ المعنى عند جمهور المفسرين، والفتنة التي كنتم تفتنون المسلمين عن دينهم حتى يهلكوا أشد اجتراما من قتلكم في الشهر الحرام، وقيل: المعنى والفتنة أشد من أن لو قتلوا ذلك المفتون، أي فعلكم على كل إنسان أشد من فعلنا.
وقال مجاهد وغيره: الْفِتْنَةُ هنا الكفر أي كفركم أشد من قتلنا أولئك.

صفحة رقم 290
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية