آيات من القرآن الكريم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ
ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ ﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷ ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ

[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٥٣ الى ١٥٧]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (١٥٣) وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ (١٥٤) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (١٥٥) الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (١٥٦) أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (١٥٧)
تفسير المفردات
الصبر: توطين النفس على احتمال المكاره، والابتلاء: الاختبار والامتحان، والمراد بالأموال: الأنعام التي كانت معظم ما يتموّله العرب، والمصيبة: كل ما يؤذى الإنسان في نفس أو مال أو أهل، قلّ أو كثر، والصلاة: من الله التعظيم وإعلاء المنزلة عنده وعند الناس، والرحمة: اللطف بما يكون لهم من حسن العزاء، والرضا بالقضاء.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر سبحانه افتتان الناس بتخويل القبلة، وأقام الحجة على المشاغبين، وبيّن فوائد التحويل للمؤمنين، ومن أهمها البشارة، وكون ذلك طريقا للهداية، لما فى الفتن من تمييز الخبيث من الطيب، والمسلم من المنافق، ثم قفى على ذلك بالأمر بذكره وشكره على هذه النعم، ليستبين للناس أن تحويل القبلة الذي صوّره السفهاء بصورة النقمة هو نعمة كبرى، ومنة عظمى.
بيّن في هذه الآيات أن هذه النعم التي يجب ذكرها وشكرها تقرن بضروب من البلاء وألوان من المصايب، من أعظمها ما يلاقيه أهل الحق من مقارعة أشياع الباطل

صفحة رقم 21

كما حدث ذلك حين كان المؤمنون في قلة من العدد والعدد تناوئهم الأمم جمعاء، وقد تألب عليهم المشركون حتى أخرجوهم من ديارهم وأموالهم، كما لاقوا من أهل الكتاب عنتا وكيدا لهذا كله أمر عباده أن يستعينوا على مقاومة ذلك كله بالصبر والصلاة، إذ في الصبر تربية ملكة الثبات وتعوّد تحمل المشاقّ، فيهون على النفس احتمال ما تلاقيه من المكاره في سبيل تأييد الحق ونصر الفضيلة، ويظهر أثر ذلك في ثبات الإنسان على إثبات حقّ أو إزالة باطل، أو الدعوة إلى عقيدة أو تأييد فضيلة، ومصارعة الشدائد لأجل ذلك، وعلى هذا جرى النبي ﷺ وصحبه عليهم الرحمة والرضوان، حتى فازوا بعاقبة الصبر، ونصرهم الله نصرا مؤزّرا على قلتهم وضعفهم عن جميع الأمم التي حواليهم.
وفي الصلاة التوجه إلى الله ومناجاته وحضور القلب معه سبحانه، واستشعار المصلى للهيبة والجلال وهو واقف بين يدى ربه كما
جاء في الحديث «اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك».
وهو بهذا الشعور المالك للبّه المالئ لقلبه، يستسهل في سبيله كل صعب، ويستخفّ بكل كرب، ويحتمل كل بلاء، ويقاوم كل عناء. فلا تتوق نفسه إلا لما يرضى ربه الذي يلجأ إليه في الملمّات، ويركن إليه إذا أفزعته النائبات.
وليست الصلاة التي عناها الكتاب الكريم هى مجرد القيام والركوع والسجود، والتلاوة باللسان خاصة، والتي نشاهد من معتاديها الإصرار على الفواحش والمنكرات واجتراح السيئات، إذ لا أثر لها مما وصفه الله بقوله: «إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ» وقوله: «إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً، إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً، وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً إِلَّا الْمُصَلِّينَ» ومن ثمّ نرى الذين يصلون هذه الصلاة أضعف الناس قلوبا وأشدهم اضطرابا إذا عرض لهم شىء على غير ما يرومون، وما كان للمصلى أن يكون ضعيف القلب عادم الثقة بالله، والله يبرئه من ذلك ويقول: «إِلَّا الْمُصَلِّينَ».

صفحة رقم 22

الإيضاح
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) أي استعينوا على إقامة دينكم والدفاع عنه، وعلى سائر ما يشق عليكم من مصايب الحياة، بالصبر وتوطين النفس على احتمال المكاره، وبالصلاة التي تكبر بها الثقة بالله عزّ اسمه، وتصغر بمناجاته فيها كل المشاقّ.
وإنما خصّ الصبر والصلاة بالذكر، لأن الصبر أشد الأعمال الباطنة على البدن، والصلاة أشد الأعمال الظاهرة عليه، إذ فيها خضوع واستسلام لله، وتوجه بالقلب إليه، واستشعار لعظمة الخالق،
وقد روى أنه ﷺ كان إذا حزبه أمر «اشتدّ عليه» فزع إلى الصلاة وتلا هذه الآية.
(إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) أي إن الله ناصرهم ومجيب دعوتهم، ومن كان الله ناصره فلا غالب له، أما الجازع فقلبه لاه عن ذكر الله، والقلب اللاهي ممتلىء بهموم الدنيا وأكدارها، وإن حاز الدنيا بحذافيرها.
وقد جرت سنة الله أن الأعمال العظيمة لا تنجح إلا بالثبات والدأب عليها، ومدار ذلك كله الصبر، فمن صبر فهو على سنة الله والله معه، فيسهّل له العسير من أمره، ويجعل له فرجا من ضيقه، ومن لم يصبر فليس الله معه، لأنه تنكّب عن سنته، فلن يبلغ قصده وغايته.
(وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ) أي ولا تتحدثوا في شأنهم، فتقولوا: إنهم أموات، بل هم أحياء في عالم غير عالمكم، ولكن لا تشعرون بحياتهم، إذ ليست في عالم الحس الذي يدرك بالمشاعر، بل هى حياة غيبية تمتاز بها أرواح الشهداء على سائر أرواح الناس وبها يرزقون وينعمون، ولا نعرف حقيقة هذه الحياة ولا الرزق الذي يكون فيها، ولا نبحث عن ذلك لأنه من عالم الغيب، فنفوض أمره إلى الله، وقيل إنها حياة روحانية محضة لا ندرك سرها.

صفحة رقم 23

وقد أبان سبحانه في هذه الآية جزاء ما يلاقيه المؤمن في تأييد الدعوة إلى دينه مما يصل به أحيانا إلى القتل في التغلب على من يصدّ الناس عن الدعوة ويقاتل في الدفاع عن الباطل، فذكر ما أعد له من النعيم المقيم، والرزق المتواصل، والحياة التي لا يعرف كنهها إلا علام الغيوب، جزاء ما فعل لتأييد حجة الله البالغة، والجهر بالحق، والصدع بأمر ربه، فكان له ما كان مما لم تره عين، ولا سمعت به أذن، ولا خطر على قلب بشر.
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ) أي والله لنمتحننكم ببعض ضروب الخوف من الأعداء وبعض المصايب المعتادة في المعاش، كالجوع ونقص الثمار، إذ كان أحدهم يؤمن فيفصل من أهله وعشيرته ويخرج صفر اليدين، حتى لقد بلغ من جوعهم أن كانوا يتبلغون بتمرات يسيرات، ولا سيما في غزوتي الأحزاب وتبوك، وبنقص الأنفس بالقتل والموت من اجتواء المدينة، فقد كانت حين الهجرة بلد وباء وحمى ثم حسن مناخها.
وفي الآية إيماء إلى أن الانتساب إلى الإيمان لا يقتضى سعة الرزق وبسط النفوذ وانتفاء المخاوف، بل كل ذلك يجرى بحسب السنن التي سنها الله لخلقه، فتقع المصايب متى وجدت أسبابها، وكامل الإيمان يتأدب بمقاومة الشدائد، ويتهذّب بوقوع الكوارث.
(وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) أي وبشر الصابرين الذين يقولون هذه المقالة المعبرة عن الإيمان بالقضاء والقدر- بالظفر بحسن العاقبة في أمورهم كلها بحسب ما وضع من السنن في الكون. والصبر لا ينافى ما يحدث من الحزن حين حلول المصيبة، فإن ذلك من الرقة والرحمة الطبيعيين فى الإنسان،
وقد جاء في الصحيحين أن النبي ﷺ بكى عند ما حضر ولده إبراهيم الموت، فقيل له: أليس قد نهيتنا عن ذلك؟ قال: إنها الرحمة، ثم قال:

صفحة رقم 24
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية