
وكذلك يعقوب قائلا: يا بنىّ إن الله اختار لكم هذا الدين (وهو كدين محمد صلّى الله عليه وسلّم في الأصول العامة فاثبتوا على الإسلام ولا تفارقوه) فها هي ذي وصية إبراهيم لبنيه ويعقوب للأسباط فانظروا أيها اليهود هل أنتم تتبعون آباءكم إبراهيم ويعقوب أم لا؟
لكل ما كسب [سورة البقرة (٢) : الآيات ١٣٣ الى ١٣٧]
أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٣) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (١٣٤) وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٣٥) قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٦) فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٣٧)
المفردات:
أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ: أم هنا بمعنى (بل) أكنتم شهداء، والهمزة بمعنى النفي،

أى: ما كنتم شهداء. خَلَتْ: مضت. هُوداً: جمع هائد، أى تائب، وهم اليهود. حَنِيفاً: مائلا عن الباطل إلى الحق. الْأَسْباطِ: الأحفاد، والمراد أبناؤه وذريته.
سبب النزول:
روى أنهم قالوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ألست تعلم أن يعقوب أوصى باليهودية يوم مات فنزلت الآية.
المعنى:
ما كنتم أيها اليهود حاضرين وقت أن احتضر يعقوب وقال لبنيه: أى شيء تعبدونه بعد موتى؟ فأجابوه: نعبد إلهك الله الواحد الفرد الصمد وهو إله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إله واحد لا شريك له، ونحن له مستسلمون ومنقادون لحكمه.
وقد رد الله على اليهود ادعاءهم أنهم نسل الأنبياء وحفدتهم فلا يدخلون النار إلا أياما معدودات بقوله: هذه الأمة قد مضت بما لها وما عليها لا ينتفع بعملها أحد ولا يضر وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى «١» فكما أن هؤلاء السابقين لا ينفعهم إلا عملهم كذلك أنتم لا ينفعكم إلا أعمالكم.
وقال بعض أهل الكتاب: كونوا مع اليهود في دينهم تصلوا إلى الطريق السوى، وقال البعض الآخر (النصارى) : كونوا مع النصارى تصلوا إلى الحق، قل يا محمد ردا عليهم: بل تعالوا إلى ملة أبيكم إبراهيم الذي تدعون أنكم على دينه فهي الملة الحنيفة القائمة على الجادة بلا انحراف ولا نزاع وما كان إبراهيم من المشركين، ها أنتم هؤلاء بعيدون عن ملة إبراهيم.
قولوا أيها المؤمنون: آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط من القرآن والصحف فلا تكن دعوتكم إلى شيء خاص بكم بل ادعوا إلى أصل الدين وروحه الذي لا خلاف فيه ولا نزاع، وهو التسليم بنبوة جميع الأنبياء والمرسلين مع الإسلام لرب العالمين، لا نعبد إلا الله ولا نفرق بين أحد من رسله وما أوتى موسى وعيسى من التوراة والإنجيل وسائر المعجزات، وما أوتى النبيون جميعا لا نفرق بين أحد منهم، كما تفعل اليهود والنصارى فالمؤمن حقيقة هو من يؤمن بكل الكتب والأنبياء ولا يؤمن ببعض ويكفر بالبعض الآخر.