آيات من القرآن الكريم

إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ ۖ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ
ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ ﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ

وقيل: التقدير إلا من جهل رأي نفسه وقول نفسه، ثم حذف، مثل: / ﴿وَسْئَلِ القرية﴾ [يوسف: ٨٢].
وقيل: التقدير، إلا من جهل قولُه نفسه، ثم حذف المؤكد وأقام التوكيد مقامه.
ثم قال ﴿وَلَقَدِ اصطفيناه فِي الدنيا﴾.
أي اخترناه للخلة والإمامة.
[ثم قال]. ﴿وَإِنَّهُ فِي الآخرة لَمِنَ الصالحين﴾.
أي: وإن إبراهيم ﷺ لمن المؤدين حقوق الله. وتقدير تعلق حرف الجر: " وإنه صالح، في الآخرة، لمن الصالحين "، ثم حذف.
وقيل: إنه متعلق بالصالحين، والألف واللام ليستا بمعنى " الذي "، ولكنه اسم على حدته كالرجل والغلام.
قوله: ﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ﴾ إلى قوله ﴿وَمَا كَانَ مِنَ المشركين﴾.

صفحة رقم 454

أي واذكروا إذ قال له ربه أسلم، أي أخلص لي العبادة والطاعة.
﴿قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ العالمين﴾: أي قال إبراهيم ﷺ [ و] على محمد مجيباً لربه تعالى: خضعت بالطاعة وأخلصت العبادة لِمالِك جميع الخلق. ومدبرهم.
ويجوز أن يكون العامل في: ﴿وَلَقَدِ اصطفيناه﴾ أي ولقد اخترناه في الدنيا إذ قال له ربه أسلم، قال أسلمت، وهذا كان منه حين قال: ﴿ياقوم إِنِّي برياء مِّمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السماوات والأرض حَنِيفاً﴾ [الأنعام: ٧٨ - ٧٩].
قال الطبري: " وذلك في الوقت الذي قال له ربه فيه: أسلم، من بعد ما امتحنه بالكوكب والقمر والشمس ".
ثم قال تعالى: ﴿ووصى بِهَآ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ﴾.
أي: وأوصى بقوله: ﴿أَسْلَمْتُ لِرَبِّ العالمين﴾ إبراهيم - ﷺ [ و] على محمد - بنيه، وأوصى بها يعقوب ﷺ [ و] على محمد [بنيه].

صفحة رقم 455

والهاء في " بها " تعود على كلمة الإسلام وهي قوله: ﴿أَسْلَمْتُ﴾.
وقيل: تعود على الملة، وكلمة الإسلام أقرب إليها.
[وقيل: بل] أوصاهم باتباع الملة، ف " يعقوب " على هذا معطوف على " إبراهيم ".
وقيل: إن يعقوب مرفوع بإضمار فعل. والتقدير " وقال يعقوب: يا بني إن الله ".
والمعنى في " أَوْصَى " عهد إليهم بذلك، وأمرهم به.
قال ابن عباس: " وصّاهم بالإسلام ".
وفي التشديد في " وصَّى " معنى تكرير الوصية.
وقوله: ﴿إِنَّ الله اصطفى لَكُمُ الدين﴾.
معناه: اختاره لكم. ودخلت الألف واللام في " الدين " لتقدم علمهم به

صفحة رقم 456

وتكرير الوصية عليهم.
ثم قال: ﴿فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ﴾.
أي: فاتقوا الله أن تموتوا إلا على الإسلام.
والمعنى: لا تفارقن هذا الدين أيام حياتكم لأن أحداً لا يدري متى تأتيه منيته، فلذلك قال لهم: لا تموتن إلا وأنتم مسلمون، لأنكم لا تدرون متى يأتيكم الموت، ولم ينههم عن الموت / لأن ذلك ليس إليهم.
وقيل: المعنى: الزموا الإسلام، فإذا أدرككم الموت صادفكم مسلمين.
وعرف المعنى كما عرف في قول العرب / " لا أَرَيَنَّكَ هَا هُنَا ". فالنهي في اللفظ للمتكلم، وفي المعنى للمتكلم أي: لا تكن ها هنا، فإنه من يكن ها هنا أراه.
قال الأخفش: " ﴿بَنِيهِ﴾، قطع، ثم يبتدئ: ﴿وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ﴾، أي: وقال يعقوب: يا بني ".
وقال أبو حاتم وغيره: " الوقف ﴿وَيَعْقُوبُ﴾، ثم يبتدئ ﴿يَابَنِيَّ﴾ ". أي:

صفحة رقم 457

وقال كل واحد منهما: ﴿يَابَنِيَّ إِنَّ الله اصطفى لَكُمُ الدين﴾.
ثم قال: " تعالى ﴿ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الموت﴾.
﴿أَمْ﴾ بمعنى الألف، أي: أكنتم حاضرين يا معشر اليهود والنصارى المكذبين بمحمد ﷺ / إذ نزل بيعقوب الموت حين قال لبنيه: ما تعبدون من بعد موتي؟ قالوا: نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وهو جده - وإسماعيل - وهو عمه - وإسحاق - وهو أبوه - صلوات الله عليهم [و] على محمد.
وقدم إسماعيل لأنه أكبر من إسحاق.
﴿إلها وَاحِداً﴾؛ أي: معبوداً واحداً، لا نشرك به شيئاً.
﴿وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾: أي: خاضعون متذللون بالعبادة له.
وروي أنه لم يقبض الله نبياً قط حتى يخيّره بين الموت والحياة، فلما

صفحة رقم 458

خيّر يعقوب عليه السلام قال: أنظرني / حتى أسأل ولدي، وأوصيهم ففعل الله ذلك. فجمع يعقوب ولده وهم إثنا عشر - وهم الأسباط -، وجمع أولادهم فقال لهم: إنه قد حضرتْ وفاتي، وأنا أريد أن أسألكم وأوصيكم: فما تعبدون من بعدي؟ فأجابوه بما حكى الله تعالى عنهم، فدعا لهم ثم قبضه الله صلوات الله عليه وعليهم أجمعين وعلى محمد.
فمعنى الكلام: إنكم يا أهل الكتابين لم تحضروا ذلك - ولا شاهدتموه فكفرتم بغير علم ولا يقين فادَّعَيْتُمْ على أنبياء الله الأباطيل ونحلتموهم إلى اليهودية والنصرانية، وإنما بعثهم الله [بالحنيفية المسلمة، وبذلك وصّوا بنيهم] فلو حضرتم ذلك وسمعتموه لعلمتم أنهم على غير ما تنحلونهم من الدين.
وهذه الآيات نزلت تكذيباً من الله لليهود والنصارى في دعواهم إبراهيم / ويعقوب أنهما كانا على ملتهم.

صفحة رقم 459

وقرأ يحيى بن يعمر والحسن وأبو رجاء والجحذري " وإله أبيك " بلفظ التوحيد. فيحتمل أن يكون جمعاً مسلماً، فيكون كالقراءة التي عليها الجماعة. ويحتمل أن يكون موحداً وإبراهيم بدل منه وإسماعيل وإسحاق عطف على الأب وهما في القول الأول بدل الجمع الذي قبلهما.
وجمع " إبراهيم " وإسماعيل " عند سيبويه والخليل: " بَرَاهيمُ " و " سَمَاعِيلُ ".
وحكى الكوفيون " بَرَاهِمَةٌ " و " سَمَاعِلَةٌ "، فالهاء بدل من الياء كزنادقة وزناديق.
وجمعهما عند المبرد: " أَبَارِهٌ " و " أَسَامِعٌ " و " أَبَارِيهٌ " و " أَسَامِيعٌ ". قال: لأن الهمزة ليس هذا موضوع زيادتها.

صفحة رقم 460

وأجاز أحمد بن يحيى: " بِرَاهٌ " / كما يجوز في التصغير " بُرَيْهٌ ".
وجمع إسحاق أَسَاحِيقٌ. وحكى الكوفيون أَسَاحِقَةٌ وأَسَاحِيقٌ وَيَعْقُوبٌ وَيَعَاقِيبٌ، وَيَعَاقِبَةٌ وَيَعَاقِبٌ ".
ولا يجوز عند أحد حذف الهمزة من " إسرائيل "، ويقال في جمعه: " أساريل ".
وحكى الكوفيون " أَسَارِلَةٌ " و " أَسَارِلٌ "، وجمعه كله مسلماً أحسن.
وقوله: ﴿إلها وَاحِداً﴾.
نصب على الحال أو على البدل من " إله " الأول.
فإذا كان حالاً كان تقديره: نعبد إلهك في حال انفراده ووحدانيته.
وأجاز يعقوب الوقف على ﴿آبَائِكَ﴾ ويبتدئ: ﴿إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ﴾، ينصب

صفحة رقم 461

ذلك على إضمار فعل.
ومن قرأ (أَبِيكَ) بالتوحيد وقف على (إِسْحَاقَ).
ثم قال تعالى: ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ﴾.
أي: قد مضت، أي: إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب صلوات الله عليهم وعلى محمد، وولدهم / قد مضوا، فَدَعُوا ذكرهم والكذب عليهم يا معشر اليهود والنصارى، ولا تنحلوهم الكفر واليهودية والنصرانية. والأمة الجماعة هاهنا.
وإنما قيل لمن مضى وانقرض: " قد خلا " لتخليه من الدنيا وانفراده من الإنس والبشر. وأصله: من " خَلاَ الرَّجُلُ " إذا صار بالمكان الذي لا أنيس به.
ثم قال: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ﴾ أي: عملت.
﴿وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
أي: لا تؤاخذون بذنوبهم ولا يؤاخذون بذنوبكم، فدعوا ما تنحلونهم من الأديان.

صفحة رقم 462

قال الأخفش: " ﴿قَدْ خَلَتْ﴾ وقف التمام ".
وقال أبو حاتم: " ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ﴾ هذا الوقف الكافي الحسن ".
ثم قال تعالى: ﴿وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نصارى تَهْتَدُواْ﴾.
أي: قالت اليهود: كونوا هوداً، وقالت النصارى: كونوا نصارى تهتدوا.
وقال بعض العلماء: " أو " هذه [يقال لها المصنفة] ليست التي للتخيير ولا للإباحة ولا للشك ".
والمعنى: " وقال صنف: كونوا هوداً، وقال صنف: كونوا نصارى. وروي أن ابن صوريا الأعور قال لرسول الله [عليه السلام] ما الهدى إلا ما نحن عليه فاتّبِعنا يا محمد تهتدي. وقالت النصارى مثل ذلك. فأنزل الله تعالى هذه الآية، ثم قال

صفحة رقم 463

لرسوله عليه السلام: ﴿قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً﴾، أي: بل نتبع ملة إبراهيم حنيفاً لأن معنى ﴿كُونُواْ هُوداً﴾: اتّبعوا دين اليهودية]. والتقدير: بل نتبع أهل ملة إبراهيم.
وقال أبو عبيدة: " هو نصب على الإغراء، و ﴿حَنِيفاً﴾ نصب على الحال ".
وقيل: على " أعني "، لأن الحال لا يكون من المضاف إليه.
وقوله: ﴿هُوداً﴾ جمع هائد كحالٍ وحُولٍ.
وقيل: هو مصدر يؤدي عن الجمع كقولك: " قوم صُومٌ "، و " قوم عدلٌ "، فيكون / المعنى ذوي هود.
وقيل: الأصل يهود ثم حذفت الياء.
ومعنى ﴿حَنِيفاً﴾ / مائلاً عن الكفر إلى الإيمان.
وقيل: الحنيف الحاج.
وقيل: الحنيف المخلص.
ثم قال: ﴿وَمَا كَانَ مِنَ المشركين﴾.

صفحة رقم 464

أي: لم يكن ممن يدين بعبادة الأوثان.
قال ابن / مسعود: " سميت اليهود يهوداً لقول موسى ﷺ ﴿ إِنَّا هُدْنَآ إِلَيْكَ﴾ [الأعراف: ١٥٦].
وسميت النصارى نصارى لقول عيسى ﷺ: ﴿ مَنْ أنصاري إِلَى الله﴾ [آل عمران: ٥٢].
تم الجزء [الثالث]

صفحة رقم 465
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية