آيات من القرآن الكريم

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا ۚ أُولَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ
ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ ﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ

الْفِعْلِ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ، وَقَالَ الْأَخْفَشُ: الْهُودُ: جَمْعٌ هَائِدٍ، مِثْلَ عَائِدٍ وَعُودٍ وَحَائِلٍ وَحُولٍ، أَوْ نَصارى، وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ قَالُوا: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ يَهُودِيًّا [١] وَلَا دِينَ إِلَّا [دِينُ] [٢] الْيَهُودِيَّةِ، وَقَالَتِ النَّصَارَى: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا وَلَا دِينَ إِلَّا [دِينُ] [٣] النَّصْرَانِيَّةِ، وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي وَفْدِ نجران [و] كانوا نَصَارَى، اجْتَمَعُوا فِي مَجْلِسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الْيَهُودِ، فَكَذَّبَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ، أَيْ: شَهَوَاتُهُمُ الْبَاطِلَةُ الَّتِي تَمَنَّوْهَا عَلَى اللَّهِ بِغَيْرِ الْحَقِّ، قُلْ: يَا مُحَمَّدُ هاتُوا، أَصْلُهُ: آتُوا، بُرْهانَكُمْ: حُجَّتَكُمْ عَلَى مَا زَعَمْتُمْ، إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ، ثُمَّ قَالَ رَدًّا عَلَيْهِمْ:
بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ، أَيْ: لَيْسَ كَمَا قَالُوا بَلْ الْحُكْمُ لِلْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ، [أَيْ: أَخْلَصَ دِينَهُ لِلَّهِ، وَقِيلَ: أَخْلَصَ عِبَادَتَهُ لِلَّهِ، وَقِيلَ: خَضَعَ وَتَوَاضَعَ لِلَّهِ] [٤]، وَأَصْلُ الْإِسْلَامِ الِاسْتِسْلَامُ وَالْخُضُوعُ، وَخَصَّ الْوَجْهَ لِأَنَّهُ إِذَا جَادَ بِوَجْهِهِ فِي السُّجُودِ لَمْ يَبْخَلْ بِسَائِرِ جَوَارِحِهِ، وَهُوَ مُحْسِنٌ: فِي عَمَلِهِ، وَقِيلَ: مُؤْمِنٌ، وَقِيلَ: مُخْلِصٌ، فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ.
قَوْلُهُ: وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ، نَزَلَتْ فِي يَهُودِ الْمَدِينَةِ وَنَصَارَى أَهْلِ نَجْرَانَ، وَذَلِكَ أَنَّ وَفْدَ نَجْرَانَ لِمَا قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُمْ أَحْبَارُ الْيَهُودِ فَتَنَاظَرُوا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ، فَقَالَتْ لَهُمُ الْيَهُودُ: مَا أَنْتُمْ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الدِّينِ، وَكَفَرُوا بِعِيسَى وَالْإِنْجِيلِ، وَقَالَتْ لَهُمُ النَّصَارَى: مَا أَنْتُمْ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الدِّينِ، وَكَفَرُوا بِمُوسَى وَالتَّوْرَاةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ، وَكِلَا الفريقين يقرؤون الكتاب، وقيل: مَعْنَاهُ لَيْسَ فِي كُتُبِهِمْ [٥] هَذَا الِاخْتِلَافُ، فَدَلَّ تِلَاوَتُهُمُ الْكِتَابَ وَمُخَالَفَتُهُمْ مَا فِيهِ عَلَى كَوْنِهِمْ عَلَى الْبَاطِلِ، كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ، يَعْنِي: آبَاءَهُمُ الَّذِينَ مَضَوْا، مِثْلَ قَوْلِهِمْ، قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي عَوَامُّ النَّصَارَى، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: يَعْنِي مُشْرِكِي الْعَرَبِ، كَذَلِكَ قَالُوا فِي نَبِيِّهِمْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ: إِنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ مِنَ الدِّينِ، وَقَالَ عَطَاءٌ: أُمَمٌ كَانَتْ قَبْلَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، مِثْلَ قَوْمِ نُوحٍ وَهُودٍ وَصَالِحٍ وَلُوطٍ وَشُعَيْبٍ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، قَالُوا لِنَبِيِّهِمْ: إِنَّهُ لَيْسَ عَلَى شَيْءٍ، فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ: يَقْضِي بَيْنَ الْمُحِقِّ وَالْمُبْطِلِ [٦]، فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ: مِنَ الدِّينِ.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١١٤ الى ١١٥]
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ مَا كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاَّ خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (١١٤) وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ (١١٥)
قَوْلُهُ: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ، الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي طَيْطُوسَ بْنِ إِسْبِيسَبَانُوسَ الرُّومِيِّ وَأَصْحَابِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ غَزَوْا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَتَلُوا مُقَاتَلِتَهُمْ وَسَبَوْا ذَرَّارِيهِمْ وَحَرَّقُوا التَّوْرَاةَ وَخَرَّبُوا بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَقَذَفُوا فِيهِ الْجِيَفَ وَذَبَحُوا فِيهِ الْخَنَازِيرَ، فَكَانَ خَرَابًا إِلَى أَنْ بَنَاهُ الْمُسْلِمُونَ فِي أَيَّامِ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: هُوَ بُخْتُنَصَّرُ وَأَصْحَابُهُ غَزَوُا الْيَهُودَ وَخَرَّبُوا بيت المقدس،

(١) في المطبوع وحده «هودا».
٢ زيادة في نسخ المطبوع.
٣ زيادة في نسخ المطبوع.
(٤) زيد في نسخ المطبوع.
(٥) في المخطوط «كتابهم».
(٦) زيد في المخطوط «يوم القيامة».

صفحة رقم 156

وَأَعَانَهُمْ عَلَى ذَلِكَ النَّصَارَى طَيْطُوسُ [١] الرُّومِيُّ وَأَصْحَابُهُ مِنْ أَهْلِ الرُّومِ، قَالَ السُّدِّيُّ: مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ قَتَلُوا يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا، وَقَالَ قتادة: حملهم بغض الْيَهُودِ عَلَى مُعَاوَنَةِ بُخْتُنَصَّرَ الْبَابِلِيِّ الْمَجُوسِيِّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمَنْ أَظْلَمُ، أَيْ: أَكْفَرُ [وَأَعْتَى] [٢] مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ، يَعْنِي: بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَمُحَارِيبَهُ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ مَا كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ، وَذَلِكَ أَنَّ بَيْتَ الْمَقْدِسِ مَوْضِعُ حَجِّ النَّصَارَى وَمَحَلُّ زيارتهم، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَمْ يَدْخُلْهَا، يَعْنِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ، بَعْدَ عِمَارَتِهَا رُومِيٌّ إِلَّا خائفا لو علم به قتل، وَقَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ: لَا يَدْخُلُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ أَحَدٌ مِنَ النَّصَارَى إلا متنكرا [٣] لَوْ قُدِرَ عَلَيْهِ لَعُوقِبَ، قَالَ السُّدِّيُّ: [٤] : أُخِيفُوا بِالْجِزْيَةِ. وَقِيلَ: هَذَا خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ، أَيْ:
أَجْهَضُوهُمْ بِالْجِهَادِ حَتَّى لَا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَّا خَائِفًا مِنَ الْقَتْلِ أو السبي، أَيْ: مَا يَنْبَغِي، لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ: عَذَابٌ وَهَوَانٌ، قَالَ قَتَادَةُ: هُوَ الْقَتْلُ لِلْحَرْبِيِّ وَالْجِزْيَةُ للذمي، قال مقاتل والكلبي:
يفتح [٥] مدائنهم الثلاث [٦] قُسْطَنْطِينِيَّةُ وَرُومِيَّةُ وَعَمُّورِيَةُ، وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ، وهو النَّارُ، وَقَالَ عَطَاءٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ: نَزَلَتْ فِي مُشْرِكِي مَكَّةَ، وَأَرَادَ بِالْمَسَاجِدِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ مَنَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ مِنْ حَجِّهِ وَالصَّلَاةِ فِيهِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، [وَإِذَا منعوا من يعمره بذكره فَقَدْ سَعَوْا فِي خَرَابِهِ] [٧]، أُولئِكَ مَا كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ، يَعْنِي: أَهْلَ مَكَّةَ، يَقُولُ أَفْتَحُهَا عَلَيْكُمْ حَتَّى تَدْخُلُوهَا وَتَكُونُوا أَوْلَى بِهَا مِنْهُمْ، فَفَتَحَهَا عليهم.
ع «٧٥» وَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَادِيًا يُنَادِي: «أَلَا لَا يَحُجَّنَّ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ مُشْرِكٌ»، فَهَذَا خَوْفُهُمْ، وَثَبَتَ فِي الشَّرْعِ أَنْ لَا يُمَكَّنَ مُشْرِكٌ مِنْ دُخُولِ الْحَرَمِ، لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ الذُّلُّ وَالْهَوَانُ وَالْقَتْلُ وَالسَّبْيُ والنفي.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ع ٧»
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: خَرَجَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ قَبْلَ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ إِلَى الْكَعْبَةِ، فَأَصَابَهُمُ الضَّبَابُ وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَتَحَرَّوُا الْقِبْلَةَ وَصَلَّوْا، فَلَمَّا ذَهَبَ الضَّبَابُ اسْتَبَانَ لَهُمْ

٧٥- ع أخرجه البخاري ٣٦٩ ومسلم ١٣٤٧ وغيرهما في أثناء حديث ويأتي في مطلع سُورَةِ التَّوْبَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى.
٧٦- ع أخرجه ابن مردويه من حديث الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابن عباس بنحوه كما في «تفسير ابن كثير» (١/ ١٦٤).
وإسناده ساقط لأجل الكلبي وورد بنحوه أخرجه الترمذي ٣٤٥ وابن ماجه ١٠٢٠ والطيالسي ١١٤٥ والدارقطني (١/ ٢٧٢) وأبو نعيم (١/ ١٧٩) والطبري (١٨٤٣) و (١٨٤٥) والبيهقي (٢/ ١١) من حديث عامر بن ربيعة وفيه أشعث بن سعيد، وبه أعلّه الترمذي، وتوبع عند الطيالسي، وإنما علته عاصم بن عبيد الله، وهو واه.
- وورد من حديث جابر أخرجه الدارقطني (١/ ٧٢) والحاكم (١/ ٢٠٦) والبيهقي (٢/ ١٠ و١٢) وإسناده ضعيف لضعف أبي سهل.
- وورد من طرق ضعيفة تبلغ بالحديث درجة الحسن كما قال الحافظ ابن كثير (١/ ١٦٣) وانظر مزيد الكلام عليه في تفسير ابن كثير وتفسير الشوكاني ٢١١ وكلاهما بتخريجي، والله الموفق.
(١) في المطبوع «ططوس».
(٢) سقط من المطبوع.
(٣) في المطبوع «مستنكرا».
(٤) في المطبوع وحده «سيدى» وفي المخطوط «سدي» وكلاهما خطأ.
(٥) في المطبوع «تفتح». [.....]
(٦) في المطبوع «الثلاثة».
(٧) ما بين المعقوفتين في المطبوع «وإذا مَنَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم من أن يعمره يذكر الله فقد سعوا في خرابهم».

صفحة رقم 157
معالم التنزيل
عرض الكتاب
المؤلف
محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي -بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
5
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية