آيات من القرآن الكريم

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ
ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ

قَالَ: النِّفَاقُ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ قَالَ: نَكَالٌ مُوجِعٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ قَالَ: يُبَدِّلُونَ وَيُحَرِّفُونَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِثْلَ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَوَّلًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ أَلِيمٌ فَهُوَ الْمُوجِعُ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ مِثْلَهُ أَيْضًا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَيْ رِيبَةٌ وَشَكٌّ فِي أَمْرِ اللَّهِ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً رِيبَةً وَشَكًّا وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ قَالَ: إِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّهُ بَابُ النِّفَاقِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ قَالَ: هَذَا مَرَضٌ فِي الدِّينِ وَلَيْسَ مَرَضًا فِي الْأَجْسَادِ وَهُمُ الْمُنَافِقُونَ، والمرض: الشك الذي دخلهم فِي الْإِسْلَامِ. وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ وَطَاوُسٍ أَنَّ المرض: الرياء.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١١ الى ١٢]
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (١١) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ (١٢)
وَإِذا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الظَّرْفِ وَالْعَامِلُ فِيهِ قَالُوا الْمَذْكُورُ بَعْدَهُ. وَفِيهِ مَعْنَى الشَّرْطِ. وَالْفَسَادُ ضِدُّ الصَّلَاحِ، وَحَقِيقَتُهُ الْعُدُولُ عَنِ الِاسْتِقَامَةِ إِلَى ضِدِّهَا. فَسَدَ الشَّيْءُ يَفْسُدُ فَسَادًا وَفُسُودًا فَهُوَ فَاسِدٌ وَفَسِيدٌ.
وَالْمُرَادُ فِي الْآيَةِ: لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بِالنِّفَاقِ وَمُوَالَاةِ الْكَفَرَةِ وَتَفْرِيقِ النَّاسِ عن الإيمان بمحمد صلّى الله عليه وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنِ، فَإِنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ فَسَدَ مَا فِي الْأَرْضِ بِهَلَاكِ الْأَبْدَانِ وَخَرَابِ الدِّيَارِ وَبُطْلَانِ الذَّرَائِعِ، كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ عِنْدَ ثَوَرَانِ الفتن والتنازع. وإِنَّما مِنْ أَدَوَاتِ الْقَصْرِ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي عِلْمِ الْمَعَانِي. وَالصَّلَاحُ ضِدُّ الْفَسَادِ.
لِمَا نَهَاهُمُ اللَّهُ عَنِ الْفَسَادِ الَّذِي هُوَ دَأْبُهُمْ أَجَابُوا بِهَذِهِ الدَّعْوَى الْعَرِيضَةِ، وَنَقَلُوا أَنْفُسَهُمْ مِنَ الِاتِّصَافِ بِمَا هِيَ عَلَيْهِ حَقِيقَةً وَهُوَ الْفَسَادُ، إِلَى الِاتِّصَافِ بِمَا هُوَ ضِدٌّ لِذَلِكَ وَهُوَ الصَّلَاحُ، وَلَمْ يَقِفُوا عِنْدَ هَذَا الْكَذِبِ الْبَحْتِ وَالزُّورِ الْمَحْضِ، حَتَّى جَعَلُوا صِفَةَ الصَّلَاحِ مُخْتَصَّةً بِهِمْ خَالِصَةً لَهُمْ، فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ أَبْلَغَ رَدٍّ لِمَا يُفِيدُهُ حَرْفُ التَّنْبِيهِ مِنْ تَحَقُّقِ مَا بَعْدَهُ، وَلِمَا فِي إِنَّ مِنَ التَّأْكِيدِ، وَمَا فِي تَعْرِيفِ الْخَبَرِ مَعَ تَوْسِيطِ ضَمِيرِ الْفَصْلِ مِنَ الْحَصْرِ الْمُبَالَغِ فِيهِ بِالْجَمْعِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ مِنَ الْأُمُورِ الْمُفِيدَةِ لَهُ، وَرَدَّهُمْ إِلَى صفة الفساد التي هم مُتَّصِفُونَ بِهَا فِي الْحَقِيقَةِ رَدًّا مُؤَكَّدًا مُبَالَغًا فِيهِ بِزِيَادَةٍ عَلَى مَا تَضَمَّنَتْهُ دَعْوَاهُمُ الْكَاذِبَةُ مِنْ مُجَرَّدِ الْحَصْرِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ إِنَّمَا. وَأَمَّا نَفْيُ الشُّعُورِ عَنْهُمْ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا يُظْهِرُونَ الصَّلَاحَ مَعَ عِلْمِهِمْ أَنَّهُمْ عَلَى الْفَسَادِ الْخَالِصِ، ظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ يَنْفُقُ عَلَى النَّبِيِّ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ وَيَنْكَتِمُ عَنْهُ بُطْلَانُ مَا أَضْمَرُوهُ، وَلَمْ يَشْعُرُوا بِأَنَّهُ عَالِمٌ بِهِ، وَأَنَّ الْخَبَرَ يَأْتِيهِ بِذَلِكَ مِنَ السَّمَاءِ، فَكَانَ نَفْيُ الشُّعُورِ عَنْهُمْ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ لَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُمْ لَا يَشْعُرُونَ بِأَنَّهُمْ عَلَى الْفَسَادِ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ فَسَادَهُمْ كَانَ عِنْدَهُمْ صَلَاحًا لِمَا اسْتَقَرَّ فِي عُقُولِهِمْ مِنْ مَحَبَّةِ الْكُفْرِ وَعَدَاوَةِ الْإِسْلَامِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: الْفَسَادُ هُنَا: هُوَ الْكُفْرُ وَالْعَمَلُ بِالْمَعْصِيَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَيْ إِنَّمَا نُرِيدُ الْإِصْلَاحَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: إِذَا رَكِبُوا مَعْصِيَةً فَقِيلَ لَهُمْ لَا تَفْعَلُوا كَذَا، قَالُوا: إِنَّمَا نَحْنُ عَلَى الْهُدَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ

صفحة رقم 50
فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني
الناشر
دار ابن كثير، دار الكلم الطيب - دمشق، بيروت
سنة النشر
1414
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية