
العهد فريق منهم؟ لا - ما ينبذ ذلك العهد فريق منهم فينقضه = على الإيمان منهم بأن ذلك غير جائز لهم = ولكن أكثرهم لا يصدقون بالله ورسله، ولا وعده ووعيده. وقد دللنا فيما مضى من كتابنا هذا على معنى"الإيمان"، وأنه التصديق. (١)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٠١) ﴾
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (ولما جاءهم)، أحبار اليهود وعلماءها من بني إسرائيل - (رسول)، يعني بالرسول: محمدا صلى الله عليه وسلم. كما:-
١٦٤٣ - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي في قوله: (ولما جاءهم رسول)، قال: لما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم.
* * *
وأما قوله: (مصدق لما معهم)، فإنه يعني به أن محمدا ﷺ يصدق التوراة والتوراة تصدقه، في أنه لله نبي مبعوث إلى خلقه.
* * *
وأما تأويل قوله: (ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم)، فإنه للذي هو مع اليهود، وهو التوراة. فأخبر الله جل ثناؤه أن اليهود لما جاءهم رسول الله ﷺ من الله بتصديق ما في أيديهم من التوراة، أن محمدا ﷺ نبي لله، (نبذ فريق)، يعني بذلك: أنهم جحدوه ورفضوه بعد أن كانوا به مقرين، حسدا منهم له وبغيا عليه. وقوله: (من الذين أوتوا الكتاب). وهم علماء اليهود الذين أعطاهم الله العلم بالتوراة وما فيها. ويعني بقوله: (كتاب الله)، التوراة.

وقوله: (وراء ظهورهم)، (١) جعلوه وراء ظهورهم. وهذا مثل، يقال لكل رافض أمرا كان منه على بال:"قد جعل فلان هذا الأمر منه بظهر، وجعله وراء ظهره"، يعني به: أعرض عنه وصد وانصرف، كما:-
١٦٤٤ - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم)، قال: لما جاءهم محمد ﷺ عارضوه بالتوراة فخاصموه بها، فاتفقت التوراة والقرآن، فنبذوا التوراة وأخذوا بكتاب آصف، وسحر هاروت وماروت. (٢) فذلك قوله الله: (كأنهم لا يعلمون).
* * *
ومعنى قوله: (كأنهم لا يعلمون)، كأن هؤلاء الذين نبذوا كتاب الله من علماء اليهود - فنقضوا عهد الله بتركهم العمل بما واثقوا الله على أنفسهم العمل بما فيه - لا يعلمون ما في التوراة من الأمر باتباع محمد ﷺ وتصديقه. وهذا من الله جل ثناؤه إخبار عنهم أنهم جحدوا الحق على علم منهم به ومعرفة، وأنهم عاندوا أمر الله فخالفوا على علم منهم بوجوبه عليهم، كما:-
١٦٤٥ - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب)، يقول: نقض فريق من الذين أوتوا الكتاب"كتاب الله وراء ظهورهم، كأنهم لا يعلمون) : أي أن القوم كانوا يعلمون، ولكنهم أفسدوا علمهم، وجحدوا وكفروا وكتموا.
* * *
(٢) في تفسير ابن كثير ١: ٢٤٧ زيادة، بعد قوله: "وماروت، فلم يوافق القرآن، فذلك قول الله". وآصف: كان كاتب سليمان. وكان يعلم الاسم الأعظم، وكان يكتب كل شيء بأمر سليمان. ويدفنه تحت كرسيه، فلما مات سليمان أخرجته الشياطين، فكتبوا بين كل سطرين سحرا وكفرا (ابن كثير ١: ٢٤٨).