
(لا يملكون الشفاعة) جملة مستأنفة لبيان بعض ما يكون في ذلك اليوم من الأمور؛ والضمير راجع إلى الفريقين. وقيل للمتقين خاصة وقيل للمجرمين خاصة والأول أولى، والمعنى أنهم لا يملكون أن يشفعوا لغيرهم. وقيل لا يملك غيرهم أن يشفع لهم. والأول أولى.
(إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً) هذا الاستثناء متصل على الوجه الأول، أي لا يملك الفريقان المذكوران الشفاعة إلا من تحلى واستأهل واستعد لذلك بما يصير به من جملة الشافعين لغيرهم، بأن يكون مؤمناً متقياً، فهذا معنى اتخاذ العهد عند الله.
وقيل معناه أن الله أمره بذلك، كقولهم: عهد الأمير إلى فلان بكذا إذا

أمره به وقال ابن عباس: شهادة أن لا إله إلا الله ويبرأ من الحول والقوة ولا يرجو إلا الله. وعنه قال: " من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة " وقيل غير ذلك.
وأما على الوجه الثاني فالاستثناء منقطع لأن التقدير لا يملك المجرمون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً، وهم المسلمون والأول أوجه، وبه جزم البيضاوي كالكشاف. وقيل متصل على هذا الوجه أيضاً، والتقدير لا يملك المجرمون الشفاعة إلا من كان منهم مسلماً، ودلت الآية على حصول الشفاعة لأهل الكبائر.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أدخل على مؤمن سروراً فقد سرني، ومن سرني فقد اتخذ عند الرحمن عهداً فلا تمسه النار، إن الله لا يخلف الميعاد ".
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة قال، قال رسول الله (- ﷺ -) " من جاء بالصلوات الخمس يوم القيامة قد حافظ على وضوئها ومواقيتها وركوعها وسجودها لم ينقص منها شيئاً، جاء وله عند الله عهد أن لا يعذبه، ومن جاء قد انتقص منها شيئاً فليس له عند الله عهد إن شاء رحمه وإن شاء عذبه ".