
إثما، ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر، إما بعذاب فى الدنيا يأتيه من حيث لا يحتسب، وإما بعذاب فى الآخرة لا قبل له بدفعه، وحينئذ يعلم أنه كان فى ضلال مبين، ويندم، ولات ساعة مندم.
ندم البغاة ولات ساعة مندم | والبغي مرتع مبتغيه وخيم |
(ويزيد الله الذين اهتدوا هدى) أي ويزيد الله الذين اهتدوا إلى الإيمان هدى بما ينزل عليهم من الآيات، عوضا مما منعوا من زينة الدنيا كرامة لهم من ربهم، كما بسط للضالين فيها لهوانهم عليه.
ومجمل هذا- إن من كان فى الضلالة من الفريقين يمهله الله وينفّس له فى حياته ليزداد فى الإثم والغىّ ويجمع له عذاب الدارين، ومن كان فى الهداية منهما يزيد الله فى هدايته ويجمع له خيرى السعادتين.
(والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير مردا) أي والطاعات التي بها تنشرح الصدور، وتستنير القلوب، وتصل إلى القرب من الله، ونيل رضوان- خير عند ربك منفعة وعاقبة مما منع به أولئك الكفرة من النعم الفانية التي يفخرون بها من مال وولد وجاه ومنافع تحصل منها، فإن عاقبة الأولين السعادة الأبدية، وعاقبة أولئك الحسرة الدائمة والعذاب المقيم.
وخلاصة هذا- إن الطاعات التي يبقى ثوابها لأهلها خير عند ربهم جزاء وخير عاقبة من مقامات هؤلاء المشركين بالله وأنديتهم التي بها يفخرون على أهل الإيمان فى الدنيا.
[سورة مريم (١٩) : الآيات ٧٧ الى ٨٠]
أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً (٧٧) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (٧٨) كَلاَّ سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا (٧٩) وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً (٨٠) صفحة رقم 79

تفسير المفردات
أطلع الغيب؟ من قولهم اطلع الجبل إذا ارتقى إلى أعلاه: أي أظهر له علم الغيب؟ عهدا: أي عملا صالحا، كلا: كلمة زجر وتنبيه إلى الخطأ، سنكتب ما يقول:
أي سنظهر له أنا كتبنا، ونمد له من العذاب: أي سنطيل له العذاب الذي يستحقه ونرثه ما يقول: أي نسلب ذلك منه بموته ونأخذه أخذ الوارث ما يرثه، والمراد بما يقول مدلوله ومصداقه، وهو ما أوتيه فى الدنيا من المال والولد، فردا: أي لا يصحبه مال ولا ولد.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر سبحانه الدلائل على صحة البعث، ثم أورد شبه المنكرين له وأجاب عنها بما فيه مقنع لكل ذى لب- قفّى على ذلك بذكر مقالتهم التي قالوها استهزاء وطعنا فى القول بالحشر والبعث.
أخرج البخاري ومسلم والترمذي والطبراني وابن حبان عن خبّاب بن الأرت قال: «كنت رجلا قينا (حدادا) وكان لى على العاص بن وائل دين فأتيته أتقاضاه فقال لا والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد، فقلت لا والله لا أكفر بمحمد صلّى الله عليه وسلّم حتى تموت ثم تبعث، قال فإنى إذ متّ ثم بعثت جئتنى ولى ثمّ مال وولد فأعطيك، فأنزل الله تعالى: أفرأيت الآية».
الإيضاح
(أفرأيت الذى كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا) أي انظر إلى حال هذا الكافر، وأعجب من مقالته الشنيعة، وجرأته على الله، إذ قال لأعطينّ فى الآخرة مالا وولدا.
ولما كان ما ادعاه لا يحصل له العلم له إلا بأحد أمرين- الاطلاع على الغيب أو اتخاذ العهد- ولم يحصل له واحد منهما، فتكون دعوى لا برهان عليها، وهذا ما عناه سبحانه بقوله: