
الأَلبَابِ} (١) وإضافته إلى أولي الألباب يدل على أن (٢) المراد به النظر والتفكر، وزعموا أن في حرف أبي: (تتذكر) بالتاء (٣). والمعنى: أولا يتدبر ويتفكر هذا الجاحد في أول خلقه. ومن قرأ بالتخفيف من الذكر أراد هذا المعنى أيضا، وقد ترد الخفيفة أيضًا بهذا المعنى كقوله: ﴿إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ﴾ (٤)، ﴿فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ﴾ (٥). ثم أقسم أنه يحشرهم.
٦٨ - فقال: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ﴾ أي: لنجمعنهم في المعاد. قال الكلبي: (يعني الذين أنكروا البعث) (٦).
وقوله تعالى: ﴿وَالشَّيَاطِينَ﴾ أي: ولنحشرن الشياطين قرناء معهم قال المفسرون: (يحشر كل كافر مع شيطان في سلسلة) (٧). وذلك أن ذكر حشر الشياطين مع حشرهم يدل على أنهم يجمعون معهم.
وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا﴾ قال المفسرون: (في جهنم) (٨). وذلك أن حول الشيء يجوز أن يكون خارجه، ويجوز أن يكون
(٢) قوله: (أن) ساقط من نسخة (س).
(٣) "المحرر الوجيز" ٩/ ٥٠٦، "الكشاف" ٢/ ٤١٨، "زاد المسير" ٥/ ٢٥٢، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٣١، "البحر المحيط" ٦/ ٢٠٧، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٠٤.
(٤) سورة المزمل (١٩)، وسورة الإنسان (٢٩).
(٥) سورة المدثر (٥٥)، وسورة عبس (١٢).
(٦) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة انظر: "المحرر الوجيز" ٩/ ٥٠٦، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٤٥، "زاد المسير" ٥/ ٢٥٢، "لباب التأويل" ٤/ ٢٥٤.
(٧) "معالم التنزيل" ٥/ ٢٤٥، "الكشاف" ٢/ ٤١٨، "زاد المسير" ٥/ ٢٥٢، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٣٢، "البحر المحيط" ٦/ ٢٠٨.
(٨) "معالم التنزيل" ٥/ ٢٤٥، "زاد المسير" ٥/ ٢٥٢، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٣٣.

داخله يقال: جلس القوم حول البيت، وحوالي البيت إذا جلسوا داخله مطيقين به. قال ابن الأنباري: (ويجوز أن يجثون حول جهنم قبل أن يدخلوها) (١).
وقوله تعالى: ﴿جِثِيًّا﴾ مستوفزين على الركب. قاله مجاهد، وسفيان (٢). وقال السدي: (قياما) (٣). أراد قياما على الركب وذلك لضيق المكان لا يمكنهم أن يجلسوا ولا أن يقوموا أيضا. وهو جمع: جاثٍ من قولهم: جَثَا على ركبته (٤) يَجْثُو جُثُوًا فهو جَاثٍ (٥). قال الله تعالى: ﴿وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً﴾ [الجاثية: ٢٨] ويجمع الجَاثِي جُثِيَا كما قلنا في البكي، وأصله فعول وقد تقدم القول فيه (٦). وقال ابن عباس في قوله: ﴿جِثِيّا﴾: (جماعات جماعات) (٧).
(٢) "زاد المسير" ٥/ ٢٥٣ "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٣٣ "البحر المحيط" ٦/ ٢٠٨.
(٣) "معالم التنزيل" ٥/ ٢٤٥، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٤٦، "زاد المسير" ٥/ ٢٥٣، "الدر المنثور" ٤/ ٥٠٤.
(٤) في (س): (ركبتيه).
(٥) جثا: أي: جلس على ركبتيه للخصومة ونحوها.
انظر: "تهذيب اللغة" (جثا) ١/ ٥٣٨، "الصحاح" (جثا) ٦/ ٢٢٩٨، "المفردات في غريب القرآن" (جثا) ٨٨، "لسان العرب" (جثا) ١/ ٥٤٦.
(٦) عند قوله سبحانه في سورة مريم الآية رقم: (٥٨): ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا﴾.
(٧) "معالم التنزيل" ٥/ ٢٤٥، "زاد المسير" ٥/ ٢٥٣، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٣٣، "البحر المحيط" ٦/ ٢٠٨.