آيات من القرآن الكريم

أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا ۚ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ۩
ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى السَّمَاوَاتِ أَنَّهُ وَجَدَ إِدْرِيسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي السَّمَاءِ وَأَنَّهُ لَمَّا سَلَّمَ عَلَيْهِ قَالَ: مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيءِ الصَّالِحِ
. فَأُخِذَ مِنْهُ أَنَّ إِدْرِيسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ تَكُنْ لَهُ وِلَادَةٌ عَلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ لَهُ وَالِابْنِ الصَّالِحِ، وَلَا دَلِيلَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ قَالَ ذَلِكَ اعْتِبَارًا بِأُخُوَّةِ التَّوْحِيدِ فَرَجَّحَهَا عَلَى صِلَةِ النَّسَبِ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ حِكْمَتِهِ.
عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ سَهْوًا مِنَ الرَّاوِي فَإِنَّ تِلْكَ الْكَلِمَةَ لَمْ تَثْبُتْ فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ». وَقَدْ جَزَمَ الْبُخَارِيُّ فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ بِأَنَّ إِدْرِيسَ جَدُّ نُوحٍ أَوْ جَدُّ أَبِيهِ. وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرَ فِي قَوْلِهِ «مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ» مَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ أَبَا للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
[٥٨]
[سُورَة مَرْيَم (١٩) : آيَة ٥٨]
أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا (٥٨)
الْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيُّ، وَاسْمُ الْإِشَارَةِ عَائِدٌ إِلَىِ الْمَذْكُورِينَ مِنْ قَوْله ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّاء [مَرْيَم: ٢] إِلَى هُنَا. وَالْإِتْيَانُ بِهِ دُونَ الضَّمِيرِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ الْمُشَارَ إِلَيْهِمُ جَدِيرُونَ بِمَا يُذْكَرُ بَعْدَ اسْمِ الْإِشَارَةِ لِأَجْلِ مَا ذُكِرَ مَعَ الْمُشَارِ إِلَيْهِمُ مِنَ الْأَوْصَافِ، أَيْ كَانُوا أَحْرِيَاءَ بِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِمُ وَكَوْنُهُمُ فِي عِدَادِ الْمَهْدِيِّينَ الْمُجْتَبَيْنَ وَخَلِيقِينَ بِمَحَبَّتِهِمُ لِلَّهِ تَعَالَى وَتَعْظِيمِهِمْ إِيَّاهُ.

صفحة رقم 132

وَالْمَذْكُورُ بَعْدَ اسْمِ الْإِشَارَةِ هُوَ مَضْمُونُ قَوْلِهِ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَقَوْلِهِ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا، فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْسَنُ جَزَاءٍ عَلَى مَا قَدَّمُوهُ مِنَ الْأَعْمَالِ، وَمَنْ أُعْطَوْهُ مِنْ مَزَايَا النُّبُوءَةِ والصِّدِيقِيَّةِ وَنَحْوِهِمَا. وَتِلْكَ وَإِنْ كَانَتْ نِعَمًا وَهِدَايَةً وَاجْتِبَاءً فَقَدْ زَادَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بِإِسْنَادِ تِلْكَ الْعَطَايَا إِلَىِ اللَّهِ تَعَالَى تَشْرِيفًا لَهَا، فَكَانَ ذَلِكَ التَّشْرِيفُ هُوَ الْجَزَاءُ عَلَيْهَا إِذْ لَا أَزْيَدُ مِنَ الْمُجَازَى عَلَيْهِ إِلَّا تَشْرِيفُهُ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ مِنَ النَّبِيِّينَ بِيَاءَيْنِ بَعْدَ الْمُوَحَّدَةِ. وَقَرَأَهُ نَافِعٌ وَحْدَهُ بِهَمْزَةٍ بَعْدَ الْمُوَحَّدَةِ.
وَجُمْلَةُ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ مُسْتَأْنَفَةٌ دَالَّةٌ عَلَى شُكْرِهِمُ نِعَمَ اللَّهِ عَلَيْهِمُ وَتَقْرِيبِهِ إِيَّاهُمُ بِالْخُضُوعِ لَهُ بِالسُّجُودِ عِنْدَ تِلَاوَةِ آيَاتِهِ وَبِالْبُكَاءِ.
وَالْمُرَادُ بِهِ الْبُكَاءُ النَّاشِئُ عَنِ انْفِعَالِ النَّفْسِ انْفِعَالًا مُخْتَلِطًا مِنَ التَّعْظِيمِ وَالَخَوْفِ.
وسُجَّداً جَمْعُ سَاجِدٍ. وَبُكِيًّا جَمْعُ بَاكٍ. وَالْأَوَّلُ بِوَزْنِ فُعَّلَ مِثْلُ عُذَّلٍ، وَالثَّانِي وَزَنُهُ فُعُولٌ جَمْعُ فَاعِلٍ مِثْلُ قَوْمٍ قعُود، وَهُوَ يائي لِأَنَّ فِعْلَهُ بَكَى يَبْكِي، فَأَصْلُهُ: بُكُويٌّ. فَلَمَّا اجْتَمَعَ الْوَاوُ وَالْيَاءُ وَسُبِقَ إِحْدَاهُمَا بِالسُّكُونِ قُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً وَأُدْغِمَتْ فِي الْيَاءِ وَحُرِّكَتْ عَيْنُ الْكَلِمَةِ بِحَرَكَةٍ مُنَاسِبَةٍ لِلْيَاءِ. وَهَذَا الْوَزْنُ سَمَاعِيُّ فِي جَمْعِ فَاعِلٍ وَمِثْلِهِ.
وَهَذِهِ الْآيَةُ مِنْ مَوَاضِعِ سُجُودِ الْقُرْآنِ الْمَرْوِيَّةِ عَنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْتِدَاءً بِأُولَئِكَ الْأَنْبِيَاءِ فِي السُّجُودِ عِنْدَ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، فَهُمْ سَجَدُوا كَثِيرًا عِنْدَ تِلَاوَةِ آيَاتِ اللَّهِ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِمُ، وَنَحْنُ نَسْجُدُ

صفحة رقم 133
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية