آيات من القرآن الكريم

وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَىٰ ۚ إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا
ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ ﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ ﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊ ﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖ

العاقل فضلا عن ترغيب الغير عنها قدم الخبر على المبتدأ للاهتمام والاولى كونه مبتدأ وأنت فاعله سد مسد الخبر لئلا يلزم الفصل بين الصفة وما يتعلق بها وهو عن كذا فى تفسير الشيخ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ والله لئن لم ترجع عما كنت عليه من النهى عن عبادتها لَأَرْجُمَنَّكَ بالحجارة حتى تموت او تبعد عنى وقيل باللسان يعنى الشتم والذم ومنه الرجيم المرمى باللعن واصل الرجم الرمي بالرجام بالكسر وهى الحجارة وَاهْجُرْنِي عطف على ما دل عليه لارجمنك اى فاحذرنى واتركني مَلِيًّا اى زمانا طويلا سالما منى ولا تكلمنى من الملاوة وهو الدهر قالَ ابراهيم وهو استئناف بيانى سَلامٌ عَلَيْكَ [سلام بر تو يعنى ميروم ووداع ميكنم] فهو سلام مفارقة لا سلام لطف واحسان لانه ليس بدعاء له كقوله (سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ) على طريقة مقابلة السيئة بالحسنة ودل على جواز متاركة المنصوح إذا اظهر اللجاج. والمعنى سلمت منى لا اصيبك بمكروه بعد ولا أشافهك بما يؤذيك ولكن سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي السين للاستقبال او لمجرد التأكيد اى استدعيه ان يغفر لك بان يوفقك للتوبة ويهديك الى الايمان كما يلوح به تعليل قوله (وَاغْفِرْ لِأَبِي) بقوله (إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ) والاستغفار بهذا المعنى للكافر قبل تبيين انه يموت على الكفر مما لا ريب فى جوازه وانما المحظور استدعاؤه له مع بقائه على الكفر فانه مما لا مساغ له عقلا ولا نقلا واما الاستغفار له بعد موته على الكفر فلا يأباه قضية العقل وانما الذي يمنعه السمع ألا يرى الى انه عليه السلام قال لعمه ابى طالب (لا أزال استغفر لك ما لم أنه عنه) فنزل قوله تعالى (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) الآية ولا اشتباه فى ان هذا الوعد من ابراهيم وكذا قوله (لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) وما ترتب عليهما من قوله (وَاغْفِرْ لِأَبِي) انما كان قبل انقطاع رجائه عن إيمانه لعدم تبين امره (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ) إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا اى بليغا فى البر والألطاف يقال حفيت به بالغت وتحفيت فى إكرامه بالغت وَأَعْتَزِلُكُمْ اى أتباعد عنك وعن قومك بالمهاجرة بديني حيث لم يؤثر فيكم نصائحى وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ اى تعبدون وَأَدْعُوا رَبِّي اى اعبده وحده عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا اى بدعائى إياه خائبا ضائع السعى وفيه تعريض لشقائهم فى عبادتهم آلهتهم

حاجت ز كسى خواه كه محتاجانرا بي بهره نكرداند از انعام عميم
وفى تصدير الكلام بعسى اظهار التواضع ومراعاة حسن الأدب فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ بالمهاجرة الى الشام قال فى تفسير الشيخ فارخل من كوئى الى الأرض المقدسة وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ابن إسحاق بدل من فارقه من أقربائه الكفرة لا عقيب المجاوزة والمهاجرة فان المشهور ان الموهوب حينئذ إسماعيل لقوله (فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ) اثر دعائه بقوله (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) ولعل تخصيصهما بالذكر لانهما شجرة الأنبياء او لانه أراد ان يذكر إسماعيل بفضل على انفراده وَكُلًّا جَعَلْنا نَبِيًّا اى كل واحد منهم جعلناه نبيا لا بعضهم دون بعض فكلا مفعول أول لجعلنا قدم عليه للتخصيص لكن لا بالنسبة الى من عداهم بل بالنسبة الى بعضهم وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا كل خير دينى ودنيوى

صفحة رقم 337

مما لا يوهب لاحد من العالمين وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا ثناء حسنا رفيعا فان لسان الصدق هو الثناء الحسن على ان يكون المراد باللسان ما يوجد به من الكلام ولسان العرب وإضافته من اضافة الموصوف الى الصفة اى يفتخر بهم الناس ويثنون عليهم استجابة لدعوته بقوله وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ اعلم ان فى الآيات إشارات منها الرفق وحسن الخلق فان الهادي الى الحق يجب ان يكون رفيقا فان العنف يوجب اعراض المستمع وفى الحديث (اوحى الله الى ابراهيم ان يا خليل حسن خلقك ولو مع الكفار تدخل مداخل الأبرار فان كلمتى سبقت لمن حسن خلقه بان اظله تحت عرشى واسكنه حظيرة القدس وادنيه من جوارى) : قال الصائب

كذشت عمرو نكردى كلام خود را نرم ترا چهـ حاصل ازين آسياى دندانست
ومنها المتابعة قال ابو القاسم الطريق الى الحق المتابعة من علت مرتبته اتبع الكتاب ومن نزل عنهم اتبع الرسول عليه السلام ومن نزل عنهم اتبع الصحابة رضى الله عنهم ومن نزل عنهم اتبع اولياء الله والعلماء بالله واسلم الطرق الى الله طريق الاتباع لان سهل بن عبد الله قال أشد ما على النفس الاقتداء فانه ليس للنفس فيه نفس ولا راحة ومنها العزلة قال ابو القاسم من أراد السلامة فى الدنيا والآخرة ظاهرا وباطنا فليعتزل قرناء السوء واخدان السوء ولا يمكنه ذلك الا بالالتجاء والتضرع الى ربه فى ذلك ليوفقه لمفارقتهم فان المرأ مع من أحب قال بعض الكبار العزلة سبب لصمت اللسان فمن اعتزل عن الناس لم يجد من يحادثه فاداه ذلك الى صمت اللسان وهى على قسمين عزلة المريدين بالأجسام عن الأغيار وعزلة المحققين بالقلوب عن الأكوان فليست قلوبهم محالا لغير علم الله الذي هو شاهده الحاصل فيها من المشاهدة ونية اهل العزلة اما اتقاء شر الناس واما اتقاء شره المتعدى إليهم وهو ارفع من الاول إذ سوء الظن بالنفس اولى من سوء الظن بالغير واما إيثار صحبة المولى على صحبة السوي فاعلى المعتزلين من اعتزل عن نفسه إيثار الصحبة ربه فمن آثر العزلة على المخالطة فقد آثر ربه على غيره ولم يعرف أحد ما يعطيه الله من المواهب والاسرار والعزلة تعطى صمت اللسان لا صمت القلب إذ قد يتحدث المرء فى نفسه بغير الله ومع غير الله فلهذا حعل الصمت ركنا برأسه من اركان الطريق وحال العزلة التنزيه عن الأوصاف سالكا كاد المعتزل يكون صاحب يقين مع الله تعالى حتى لا يكون له خاطر متعلق بخارج بيت عزلته والهجرة سبب للعزلة عن الأشرار من هاجر فى طلب رضى الله أكرمه الله فى الدنيا والآخرة فعلى العاقل ان يجتهد فى تحصيل الرضى بالهجرة والخلوة والعزلة ونحوها: قال الصائب
در مشرب من خلوت اگر خلوت كور است بسيار به از صحبت ابناى زمانست
ومنها ان من فارق محبوبه ابتغاء لمرضاة الله تعالى فان الله تعالى يجعل له بدلا خيرا من ذلك وأحب فيأنس به ويتوحش عما الف به فيما مضى فيحصل الحل والعقد على مراد الله اللهم اجعلنا من المنقطعين إليك والمستوحشين عما سواك والسالكين الى سبيل الفناء والطالبين لرضاك وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى قدم ذكره على إسماعيل لئلا ينفصل عن ذكر يعقوب

صفحة رقم 338
روح البيان
عرض الكتاب
المؤلف
إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي , المولى أبو الفداء
الناشر
دار الفكر - بيروت
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية