
مريم، فإنه ذهب يطعن فطعن في الحجاب" (١). والآية مفسرة في قصة يحيى في هذه السورة (٢). قال ابن عباس والمفسرون: (كلمهم عيسى بهذا ثم سكت فلم يتكلم حتى بلغ المدة التي يتكلم فيها الصبيان) (٣).
٣٤ - قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ﴾ قال أبو إسحاق: (أي ذلك الذي قال ﴿إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ﴾ الآيات، هو عيسى بن مريم، لا ما يقول النصارى من أنه ابن الله وأنه إله) (٤). ﴿قَوْلَ الْحَقِّ﴾ ﴿الْحَقِّ﴾ هاهنا يجوز أن يراد به الله تعالى، وهو قول مجاهد (٥). ويرتفع (قَوْل) على أنه نعت لعيسى (٦)، أي: ذلك عيسى بن مريم قول الله، أي: كلمته، والكلمة قول، ويجوز أن يضاف القول إلى الحق (٧)، ومعناه: القول الحق، كما قيل: ﴿حَقُّ الْيَقِينِ﴾ [الواقعة: ٩٥، الحاقة ٥١]، و ﴿وَعْدَ الصِّدْقِ﴾ [الأحقاف: ١٦]، و ﴿الدَّارُ
(٢) عند قوله سبحانه في الآية رقم (١٥): ﴿وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا﴾.
(٣) "بحر العلوم" ٢/ ٣٢٣، "المحرر الوجيز" ٩/ ٤٦٦، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٣٠، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٠٤، "الدر المنثور" ٤/ ٤٨٨.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٢٩.
(٥) "جامع البيان" ١٦/ ٨٣، "النكت والعيون" ٣/ ٣٧٢، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٠٥ ذكره بدون نسبة.
(٦) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٦٨، "إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ٣١٣، "إملاء ما من به الرحمن" ١/ ١٤٤، "الدر المصون" ٧/ ٥٩٨.
(٧) "جامع البيان" ١٦/ ٨٣، "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٦٨.

الْآخِرَةِ} [يوسف: ١٠٩] وعلى هذا يجوز أن يرتفع ﴿قَوْلَ الْحَقِّ﴾ على النعت لعيسى كما ذكرنا، ويجوز أن يرتفع على أنه خبر ابتداء مضمر (١)، دل عليه قوله: ﴿ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ﴾ والمعنى: هذا الكلام قول الحق، أي: هذا الذي ذكرنا من صفته، وأنه ابن مريم قول الحق، ومن قرأ: قَوْلَ الحق، بالنصب فهو نصب على المصدر (٢)، أي: قال قول الحق.
[وقال أبو علي: (أما النصب فهو أن قوله: ﴿ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ﴾ هو يدل على: أَحقُّ قَولَ الحَقّ] (٣). وتقول: هذا زيدُ الحقّ لا الباطل؛ لأن قول هذا زيد، بمنزله أحُقُّ، كأنك قلت: أحُقُّ الحَقَّ، وأَحَقُّ قَولَ الحَقِّ) (٤).
ويكون على هذا التقدير اعتراضا بين الصفة والموصوف؛ لأن التقدير: ذلك عيسى بن مريم الذي فيه. وقال الفراء: (وإن نصبت القول وهو في النية من نعت عيسى كان صوابا، كأنك قلت: هذا عبد الله الأَسَدَ عَاديًا، كما تقول: أَسَدًا عَاديِا) (٥).
وقوله تعالى: ﴿الَّذِي﴾ هو هو من نعت عيسى ﴿فِيهِ يَمْتَرُونَ﴾ أي: يشكون فيختلفون، فيقول قائل: هو ابن الله، ويقول آخر: هو الله (٦). ثم
(٢) قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، ونافع، وحمزة، والكسائي: (قولُ الحق) رفعا. وقرأ عاصم، وابن عامر: (قولَ الحق) نصبا.
انظر: "السبعة" ص ٤٠٩، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٠١، "التبصرة" ص ٢٥٦.
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من نسخة (س).
(٤) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٠٢.
(٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٦٨.
(٦) "تفسير القرآن" للصنعاني ٢/ ٨، "جامع البيان" ١٦/ ٨٣ - ٨٤، "النكت والعيون" ٣/ ٣٧٢، "معالم التزيل" ٥/ ٢٣١.