آيات من القرآن الكريم

قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا
ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄ ﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙﰚ ﰜﰝﰞﰟﰠﰡﰢﰣ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ

هَذَيْنِ الْجَبَلَيْنِ خَلْقًا أَشْبَاهَ الْبَهَائِمِ يَفْتَرِسُونَ الدَّوَابَّ وَالْوُحُوشَ، لَهُمْ أَنْيَابٌ وَأَضْرَاسٌ كَالسِّبَاعِ، يَأْكُلُونَ الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبَ، وَكُلَّ ذِي رُوحٍ، خُلِقَ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ يَزْدَادُ خَلْقٌ كَزِيَادَتِهِمْ، ولا شك أنهم سيملؤون [١] الأرض ويظهرون عليها [٢] وَيُفْسِدُونَ فِيهَا، فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا.
قَالَ مَا مَكَّنِّي فيه ربي خير، [ثم] [٣] قال: اعمدوا [٤] إِلَيَّ الصُّخُورَ وَالْحَدِيدَ وَالنُّحَاسَ حَتَّى أَعْلَمَ عِلْمَهُمْ، فَانْطَلَقَ حَتَّى تَوَسَّطَ بِلَادَهُمْ فَوَجَدَهُمْ عَلَى مِقْدَارٍ وَاحِدٍ يَبْلُغُ طُولُ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ مِثْلَ نِصْفِ الرَّجُلِ الْمَرْبُوعِ مِنَّا، لَهُمْ مَخَالِيبُ كَالْأَظْفَارِ فِي أَيْدِينَا وَأَنْيَابٌ وأضراس كالسباع، ولهم هلب [٥] من الشعر في أجسادهم يُوَارِيهِمْ وَيَتَّقُونَ بِهِ مِنَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أُذُنَانِ عَظِيمَتَانِ يَفْتَرِشُ إِحْدَاهُمَا وَيَلْتَحِفُ بِالْأُخْرَى ويصيف في إحداهما ويشتور فِي الْأُخْرَى، يَتَسَافَدُونَ تَسَافُدَ الْبَهَائِمِ حَيْثُ الْتَقَوْا، فَلَمَّا عَايَنَ ذَلِكَ ذُو الْقَرْنَيْنِ انْصَرَفَ إِلَى مَا بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ فَقَاسَ مَا بَيْنَهُمَا فَحُفِرَ لَهُ الْأَسَاسُ حَتَّى بَلَغَ الْمَاءَ، وَجَعَلَ حَشْوَهُ الصَّخْرَ وَطِينَهُ النُّحَاسَ، يُذَابُ فَيَصُبُّ عَلَيْهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ عِرْقٌ مِنْ جَبَلٍ تَحْتَ الأرض.
قوله تعالى: مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: فَسَادُهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَخْرُجُونَ أَيَّامَ الربيع إلى [أرض هؤلاء الذين شكوهم إلى ذي القرنين] [٦] فَلَا يَدَعُونَ فِيهَا شَيْئًا أَخْضَرَ إلا أكلوه ولا يابسا إلّا احتملوه، وَأَدْخَلُوهُ أَرْضَهُمْ، وَقَدْ لَقُوا مِنْهُمْ أَذًى شَدِيدًا وَقَتْلًا.
وَقِيلَ: فَسَادُهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْكُلُونَ النَّاسَ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ سَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ عِنْدَ خُرُوجِهِمْ.
فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ «خَرَاجًا» بِالْأَلِفِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ خَرْجاً بِغَيْرِ أَلِفٍ وَهُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، أَيْ جُعْلًا وَأَجْرًا مِنْ أَمْوَالِنَا. قال أبو عمرو: [و] الخرج ما تبرعت به، والخراج مَا لَزِمَكَ أَدَاؤُهُ. وَقِيلَ: الْخَرَاجُ على الأرض والخرج عَلَى الرِّقَابِ. يُقَالُ: أَدِّ خَرْجَ [٧] رَأْسِكَ وَخَرَاجَ مَدِينَتِكَ.
عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا، أَيْ حاجزا فلا يصلون إلينا.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٩٥ الى ٩٨]
قالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً (٩٥) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ نَارًا قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً (٩٦) فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً (٩٧) قالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (٩٨)
قالَ، لَهُمْ ذُو الْقَرْنَيْنِ، مَا مَكَّنِّي فِيهِ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ مَكَّنَنِي بِنُونَيْنِ ظَاهِرَيْنِ. وَقَرَأَ الْآخَرُونَ

(١) في- ب- «سيملكون». [.....]
(٢) في المطبوع «علينا».
(٣) زيادة عن- ب-.
(٤) في المطبوع وط «اعدوا».
(٥) أي كثرة من الشعر، وفي المطبوع «هدب».
(٦) ما بين الحاصرتين في المطبوع «أرضهم» وفي المخطوط «الأرض» والمثبت مع الزيادة عن «الوسيط» ٣/ ١٦٧ وبها يتضح المعنى.
(٧) في المخطوط «ذا خرج».

صفحة رقم 216

بِنُونٍ وَاحِدَةٍ مُشَدَّدَةٍ عَلَى الْإِدْغَامِ، أَيْ مَا قَوَّانِي عَلَيْهِ، رَبِّي خَيْرٌ، مِنْ جُعْلِكُمْ، فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ، مَعْنَاهُ إِنِّي لَا أُرِيدُ الْمَالَ بَلْ أَعِينُونِي بِأَبْدَانِكُمْ وَقُوَّتِكُمْ، أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً، أَيْ سَدًّا، قَالُوا: وَمَا تِلْكَ الْقُوَّةُ؟
قَالَ: فَعَلَةٌ وَصُنَّاعٌ يُحْسِنُونَ الْبِنَاءَ وَالْعَمَلَ، وَالْآلَةُ. قَالُوا: وَمَا تِلْكَ الْآلَةُ؟ قال:
آتُونِي، أَعْطُوْنِي وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ ائْتُونِي أَيْ جِيئُونِي، زُبَرَ الْحَدِيدِ، أَيْ: قِطَعَ الْحَدِيدِ، وَاحِدَتُهَا زُبْرَةٌ، فَآتَوْهُ بِهَا وَبِالْحَطَبِ وَجَعَلَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فَلَمْ يَزَلْ يَجْعَلُ الْحَدِيدَ عَلَى الْحَطَبِ وَالْحَطَبَ عَلَى الْحَدِيدِ، حَتَّى إِذا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ بِضَمِّ الصَّادِّ وَالدَّالِّ، وَجَزَمَ أَبُو بَكْرٍ الدال، وقرأ الآخرون بفتحهما [١]، وَهُمَا الْجَبَلَانِ، سَاوَى أَيْ: سَوَّى بَيْنَ طَرَفَيِ الْجَبَلَيْنِ. قالَ انْفُخُوا.
وَفِي الْقِصَّةِ أَنَّهُ جَعَلَ الْفَحْمَ وَالْحَطَبَ فِي خِلَالِ زُبَرِ الْحَدِيدِ ثُمَّ قَالَ: انْفُخُوا يَعْنِي فِي النَّارِ، حَتَّى إِذا جَعَلَهُ نَارًا، أَيْ صَارَ الْحَدِيدُ نَارًا، قالَ آتُونِي، قَرَأَ حَمْزَةُ وَأَبُو بَكْرٍ وَصْلًا، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِقَطْعِ الْأَلِفِ. أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً، أَيْ آتَوْنِي قطرا أفرغ عليه، والإفراغ الصبّ والقطر هُوَ النُّحَاسُ الْمُذَابُ، فَجَعَلَتِ النَّارُ تَأْكُلُ الْحَطَبَ وَيَصِيرُ النُّحَاسُ مَكَانَ الْحَطَبِ حَتَّى لَزِمَ الْحَدِيدُ النُّحَاسَ.
قَالَ قَتَادَةُ: هُوَ كَالْبُرْدِ الْمُحَبَّرِ [٢] طَرِيقَةٌ سَوْدَاءُ وَطَرِيقَةٌ حَمْرَاءُ، وَفِي الْقِصَّةِ أَنَّ عَرْضَهُ كَانَ خَمْسِينَ ذِرَاعًا وَارْتِفَاعَهُ مِائَتَيْ ذِرَاعٍ وَطُولُهُ فَرْسَخٌ.
فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ، أَنْ يَعْلُوهُ مِنْ فَوْقِهِ لِطُولِهِ وَمَلَاسَتِهِ، وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً، من أسفله لشدته وصلابته. وَقَرَأَ حَمْزَةُ فَمَا اسْتَطَاعُوا بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ أَدْغَمَ تَاءَ الافْتِعَالِ فِي الطَّاءِ.
قالَ، يَعْنِي ذَا الْقَرْنَيْنِ، هذا، السد، رَحْمَةٌ، نِعْمَةٌ، مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي، قِيلَ:
[يَوْمُ] [٣] الْقِيَامَةِ. وَقِيلَ: وَقْتُ خُرُوجِهِمْ. جَعَلَهُ دَكَّاءَ، قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ دَكَّاءَ بِالْمَدِّ والهمز، أرضا ملساء، وقرأ الآخرون [دكاء] [٤] بِلَا مَدٍّ أَيْ: جَعَلَهُ مَدْكُوكًا مُسْتَوِيًا مَعَ وَجْهِ الْأَرْضِ، وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا.
«١٣٧٦» وَرَوَى قَتَادَةُ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ «أَنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ يَحْفِرُونَهُ كُلَّ يَوْمٍ حَتَّى إِذَا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاعَ الشَّمْسِ قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمُ: ارْجِعُوا فَسَتَحْفِرُونَهُ [٥] غَدًا فَيُعِيدُهُ اللَّهُ كَمَا كَانَ، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ مُدَّتُهُمْ حَفَرُوا حَتَّى إِذَا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاعَ الشَّمْسِ، قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمُ: ارْجِعُوا فَسَتَحْفِرُونَهُ غدا إن شاء الله،

١٣٧٦- أخرجه ابن ماجه ٤١٩٩ والحاكم ٤/ ٤٤٨ والواحدي في «الوسيط» ٣/ ١٦٨ من طريق قتادة عن أبي رافع به.
- وصححه الحاكم على شرطهما، وسكت الذهبي.
- وقال البوصيري: إسناده صحيح، رجاله ثقات.
- وقال ابن كثير في «تفسيره» ٣/ ١١٠: إسناده جيد قوي ولكن متنه في رفعه نكارة لأن ظاهر الآية يقتضي أنهم لم يتمكنوا من ارتقائه ولا نقبه، لإحكام بنائه وصلابته، ثم ذكر ابن كثير أحاديث صحيحة مثل «فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ ومأجوج مثل هذا» وهذا متفق عليه، وفيه أن ما فتح من الردم شيء يسير، فهو يخالف ما ذكره المصنف من الحديث، وأنه يظهر لهم شعاع الشمس، والله أعلم، وانظر بقية كلام ابن كثير. عند هذه الآية بتخريجي، وانظر «تفسير الشوكاني» ١٥٣٠.
(١) في المطبوع «بفتحها».
(٢) في المطبوع «كالبر والبحر» والمثبت عن المخطوطتين، وعبارة البغوي «كالبرد الحبير» ٣/ ١٦٨.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) في المخطوط «فتستفتحونه» وعبارة الطبري «فتحفرونه».

صفحة رقم 217

وَاسْتَثْنَى فَيَعُودُونَ إِلَيْهِ وَهُوَ كَهَيْئَتِهِ حِينَ تَرَكُوهُ، فَيَحْفِرُونَهُ فَيَخْرُجُونَ عَلَى الناس، فيتتبعون الْمِيَاهَ وَيَتَحَصَّنُ النَّاسُ فِي حُصُونِهِمْ مِنْهُمْ فَيَرْمُونَ بِسِهَامِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرْجِعُ فِيهَا كَهَيْئَةِ الدَّمِ فَيَقُولُونَ قَهَرْنَا أَهْلَ الْأَرْضِ وَعَلَوْنَا أَهْلَ السَّمَاءِ فَيَبْعَثُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نَغَفًا [١] فِي أَقْفَائِهِمْ فَيَهْلِكُونَ، وَإِنَّ دَوَابَّ الْأَرْضِ لَتَسْمُنُ وَتَشْكَرُ مِنْ لُحُومِهِمْ شَكَرًا».
«١٣٧٧» أَخْبَرْنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ ثَنَا مُسْلِمُ بن الحجاج ثنا محمد بن مهران الرازي ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ الطَّائِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ، فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذلك فينا، قال: «مَا شَأْنُكُمْ» ؟ قُلْنَا: يَا رَسُولَ الله ذكرت الدجال الغداة [٢] فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ، فَقَالَ: «غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ؟ إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ، وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَكُلُّ امْرِئٍ حَجِيجُ نَفْسِهِ، وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ عَيْنُهُ الْيُمْنَى [٣] طَافِيَةٌ كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ، فَعَاثَ يَمِينًا وَعَاثَ شِمَالًا، يَا عِبَادَ اللَّهِ فَاثْبُتُوا» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا لَبْثُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قال: «أربعون يوما أول يَوْمٌ كَسَنَةٍ وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ» [قُلْنَا:
يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَيَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ؟ قَالَ: لَا اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ] [٤]، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا إِسْرَاعُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: «كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ، فَيَأْتِي عَلَى القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون لَهُ، فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ وَالْأَرْضَ فَتُنْبِتُ فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرًى وَأَسْبَغَهُ [٥] ضُرُوعًا وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ، ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ، قَالَ: فينصرف عنهم فيصبحون مملحين لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ فَيَقُولُ لَهَا أَخْرِجِي كُنُوزَكِ فَيَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ، ثُمَّ يَدْعُو رَجُلًا مُمْتَلِئًا شَبَابًا فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ، ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وجهه يضحك، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ الله المسيح ابن مريم، فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيِّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ [٦] وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ مِثْلُ جُمَانِ اللُّؤْلُؤِ، فَلَا يحل لكافر يجد رِيحِ [٧] نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ، فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ، ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى قَوْمٌ قَدْ عصمهم الله

١٣٧٧- إسناده صحيح على شرط مسلم.
- وهو في «شرح السنة»
٤١٥٦ بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح مسلم» ٢٩٣٧ عن محمد بن مهران بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد ٤/ ١٨١- ١٨٢ عن الوليد بن مسلم به.
- وأخرجه ابن ماجه ٤٠٧٥ من طريق يحيى بن حمزة عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بن جابر به.
(١) النغف: دود يكون في أنوف الإبل والغنم، والواحدة نغفة. [.....]
(٢) في المطبوع «ذات غداة».
(٣) زيد في المطبوع.
(٤) سقط من المخطوط.
(٥) في المخطوط «وأشبعه».
(٦) تضحف في المطبوع «مهرب ودستين».
(٧) في المطبوع «من ريح نفسه» وفي المخطوط «ريحه» والمثبت عن «شرح السنة».

صفحة رقم 218

فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الْجَنَّةِ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي لَا يَدَانِ [١] لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ، وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا، وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُ [٢] : لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ، وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللَّهِ وَأَصْحَابُهُ حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لِأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لِأَحَدِكُمُ الْيَوْمَ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمُ النَّغَفَ [٣] فِي رِقَابِهِمْ فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْأَرْضِ فَلَا يَجِدُونَ فِي الْأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلَّا مَلَأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ، فَيُرْسِلُ اللَّهُ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ، فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ مَطَرًا لَا يَكُنُّ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ فيغسل الأرض، حتى يتركها كالزلقة [٤]، ثم يقال للأرض أنبتي ثمرك [٥]، وَرُدِّي بَرَكَتَكِ، فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنَ الرُّمَّانَةِ وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا وَيُبَارَكُ فِي الرِّسْلِ حَتَّى أَنَّ اللِّقْحَةَ من الإبل لتكفي ألفا مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْبَقَرِ لَتَكْفِي الْقَبِيلَةَ مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْغَنَمِ لَتَكْفِي الْفَخِذَ مِنَ النَّاسِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ وَيَبْقَى شِرَارُ الناس يتهارجون [فيها] [٦] تَهَارُجَ الْحُمُرِ، فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ».
«١٣٧٨» وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الحجاج ثنا علي بن حجر السعدي ثنا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَ مَا ذَكَرْنَا وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ:
«لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ ثُمَّ يَسِيرُونَ حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى جَبَلِ الْخَمْرِ [٧] وَهُوَ جَبَلُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَيَقُولُونَ لَقَدْ قَتَلْنَا مَنْ فِي الْأَرْضِ هَلُمَّ فَلْنَقْتُلْ مَنْ فِي السَّمَاءِ، فَيَرْمُونَ بِنُشَّابِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرُدُّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نُشَّابَهُمْ مَخْضُوبَةً دَمًا».
وَقَالَ وهب: إنهم يَأْتُونَ الْبَحْرَ فَيَشْرَبُونَ مَاءَهُ وَيَأْكُلُونَ دَوَابَّهُ، ثُمَّ يَأْكُلُونَ الْخَشَبَ وَالشَّجَرَ، وَمَنْ ظَفِرُوا بِهِ مِنَ النَّاسِ، وَلَا يَقْدِرُونَ أَنْ يَأْتُوا مَكَّةَ وَلَا الْمَدِينَةَ وَلَا بَيْتَ الْمَقْدِسِ.
«١٣٧٩» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [٨] الْمُلَيْحِيُّ أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يوسف

١٣٧٨- إسناده صحيح على شرط مسلم.
- وهو في «شرح السنة» بإثر ٤١٥٦ بهذا الإسناد.
- وفي «صحيح مُسْلِمٌ» ٢٩٣٧ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ السعدي به.
١٣٧٩- إسناده صحيح على شرط البخاري، أحمد هو ابن حفص بن عبد الله بن راشد السلمي، إبراهيم هو ابن طهمان، قتادة هو ابن دعامة.
- وهو في «صحيح البخاري» ١٥٩٣ عن أحمد بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد ٣/ ٢٧ و٤٨ و٦٤ وابن خزيمة ٢٥٠٧ والحاكم ٤/ ٤٥٣ من طريق أبا بن يزيد عن قتادة به.
- وأخرجه أبو يعلى ١٠٣٠ وأحمد ٣/ ٢٧- ٢٨ وابن خزيمة ٢٥٠٧ وابن حبان ٦٨٣٢ من طريق عمران القطان عن قتادة به.
(١) تصحف في المطبوع «لا بد» وفي المخطوط «لا يؤذن».
(٢) في المطبوع «فيقولون».
(٣) النغف: دود يكون في أنوف الإبل والغنم، والواحدة نغفة.
(٤) في المطبوع «كالزلفة».
(٥) في المطبوع «ثمرتك».
(٦) سقط من المطبوع. [.....]
(٧) كذا في المطبوع و «شرح السنة» والخمر هنا: الشجر الملتف الذي يستر من فيه، وقع في المخطوط «الجمر».
(٨) زيادة عن المخطوط.

صفحة رقم 219
معالم التنزيل
عرض الكتاب
المؤلف
محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي -بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
5
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية