آيات من القرآن الكريم

قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا
ﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹ

وقال أبو عبيدة: (داهية نكرا) (١)، وأنشد (٢):

قد لقي الأقران منِّي نكرا داهيةً دهياء إدًّا إمرا
وقال الكسائي: (شديدًا عظيمًا) (٣). من أَمِر الأمر إذا كبر أمرا بفتح الميم، والإمر الاسم (٤).
٧٢، ٧٣ - فقال له الخضر محققًا ما كان قال له أولاً: ﴿قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (٧٢) قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ﴾ روى ابن عباس، وأبي بن كعب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "كانت الأوُلى من أمر موسى في النسيان، والثانية العذر، ولو صبر موسى لقص الله علينا أكثر مما قص" (٥). فعلى هذا معنى قوله: ﴿نَسِيتُ﴾ غفلت عن التسليم لك، وترك الإنكار عليك ونسيت ذلك.
وروي عن ابن عباس نفسه أنه قال: (بما تركت من عهدك) (٦). وهو قول الكلبي يقول: (ما تركت من وصيتك) (٧). وعلى هذا القول النسيان
(١) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٤٠٩.
(٢) لم أهتد إلى قائله، وذكرته كتب التفسير واللغة بدون نسبة. انظر: "الطبري" ١٥/ ٢٨٤، "النكت والعيون" ٣/ ٣٢٧، "القرطبي" ١١/ ١٩، "مجاز القرآن" ١/ ٤٠٩، "الدر المصون" ٧/ ٥٢٨، "شواهد الكشاف" ص ١٣٠، "اللسان" (أمر) ١/ ١٢٩.
(٣) "روح المعاني" ١٥/ ٣٣٧.
(٤) "جامع البيان" ١٥/ ٢٨٥، "القرطبي" ١١/ ١٩، "فتح القدير" ٣/ ٤٣٢، "لسان العرب" (أمر) ١/ ١٢٩.
(٥) "جامع البيان" ١٥/ ١٨٤، "النكت والعيون" ٣/ ٣٢٧، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٠٥. وسبق تخريج الحديث في أول القصة.
(٦) "جامع البيان" ١٥/ ٢٨٥، "معالم التنزيل" ٥/ ١٩٠، "النكت والعيون" ٣/ ٣٢٧، "الكشف والبيان" ٣/ ٣٩١ أ.
(٧) "النكت والعيون" ٣/ ٣٢٨، وذكره "بحر العلوم" ٢/ ٣٠٧ بدون نسبة، وكذلك "جامع البيان" ١٥/ ٢٨٥، و"الكشاف" ٢/ ٤٩٣.

صفحة رقم 87

بمعنى: الترك، لا بمعني الغفلة. وروي عن أبي بن كعب نفسه أنه قال: (لم ينسها ولكنها من معاريض الكلام) (١). وهذا القول مروي عن أبي عمرو بن العلاء قال: (ما كان نسي (٢)، ولكن هذا من معاريض الكلام) (٣). ومعني هذا: أنه اعتذر بالنسيان كالعادة في الكلام، وأن لفظ النسيان كثيرًا ما يذكر معترضًا به من غير حقيقة. وقال بعضهم: (أراد أنه لم يقل له: نسيت فيكون كاذبًا، ولكنه قال: ﴿لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ﴾ فأوهمه النسيان تعريضًا) (٤). وقد حصل في قوله: ﴿بِمَا نَسِيتُ﴾ ثلاثة أوجه (٥).
قوله تعالى: ﴿وَلَا تُرْهِقْنِي﴾ قال ابن عباس في رواية عطاء: (تلحقني) (٦). روى سلمة عن الفراء: (رهِقَني الرجل، يَرْهَقني، رهقًا، أي:

(١) "جامع البيان" ١٥/ ٢٨٥، "الكشف والبيان" ٣/ ٣٩١ أ، "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٦٢، "البحر المحيط" ٦/ ١٥٠، "روح المعاني" ١٥/ ٣٣٨.
(٢) في (ص): (مني)، وهو تصحيف.
(٣) لم أقف عليه عن أبي عمرو. وذكره "جامع البيان" ١٥/ ٢٨٥ ونسبه لأبي بن كعب، وكذلك "الكشف والبيان" ٣/ ٣٩١، و"المحرر الوجيز" ٩/ ٣٦٢، و"زاد المسير" ٥/ ١٧١، و"الدر المنثور" ٤/ ٤٢٨.
وذكره "بحر العلوم" ٢/ ٣٠٧، ونسبه لابن عباس، وكذلك "معالم التنزيل" ٥/ ١٩٠، و"النكت والعيون" ٣/ ٣٢٧، و"زاد المسير" ٥/ ١٧١، و"الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٠.
(٤) "المحرر الوجيز" ٩/ ٢٦٢، "بحر العلوم" ٢/ ٣٠٧.
(٥) والقول الأول -والله أعلم- هو الراجح وهو قول جمهور العلماء. قال ابن جرير الطبري ١٥/ ١٨٤: والصواب من القول في ذلك أن يقول أن موسى سأل صاحبه أن لا يؤاخذه بما نسي فيه عهده من سؤاله إياه على وجه ما فعل وسببه لا بما سأله عنه وهو لعهده ذاكرًا للصحيح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأن ذلك معناه من الخبر.
وانظر: "المحرر الوجيز" ٩/ ٣٦٢، "البحر المحيط" ٦/ ١٥٠.
(٦) ذكره الماوردي في "النكت والعيون" ٣/ ٣٢٨ بدون نسبة.

صفحة رقم 88

لَحِقَني وغَشِيَني، وأَرْهَقته إذا أَرْهَقَته غيرك) (١).
وقال أبو إسحاق: (معنى ﴿تُرْهقِنى﴾ تغشيني) (٢). ونحو ذلك قال ابن قتيبة (٣)، وهو قول العامة. ويغشني ويلحقني بمعنى واحد، ومن لحق شيئًا فقد غشيه.
وقال الكلبي في قوله: (﴿وَلَا تُرْهِقْنى﴾ لا تكلفني) (٤) قال أبو زيد: (أرهقتُه عُسْرًا إذا كلَّفته ذاك) (٥). وهذا قريب من الأول، والكلام في هذا الحرف قد سبق عند قوله: ﴿وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ﴾ [يونس: ٢٦].
ومعنى الآية؛ عاملني باليسر لا بالعسر، ولا تضيق عليَّ الأمر في صحبتي إياك (٦).
وقال الفراء في قوله: ﴿وَلَا تُرْهِقْنىِ﴾: (لا تعجلني) (٧).
قال ابن شميل: (أرهَقَني القوم أن أصلِّي، أي: أعْجَلُوني) (٨).
وقال ابن الأعرابي: (إنه لرَهِقٌ أي: سريع إلى الشر سريع الحِدَّة) (٩).
وقال الكسائي: (فيه رَهَق، أي: خفِّة وحدِّة) (١٠). والأحسن في تفسير

(١) "تهذيب اللغة" (رهق) ٢/ ١٤٧٩.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٠٢.
(٣) "غريب القرآن" لابن قتيبة ١/ ٢٦٩.
(٤) "النكت والعيون" ٣/ ٣٢٨، وذكره السمرقندي في "بحر العلوم" ٢/ ٣٠٧ بدون نسبة.
(٥) "تهذيب اللغة" (رهق) ٢/ ١٤٨٩.
(٦) "جامع البيان" ١٥/ ١٨٥، "معالم التنزيل" ٥/ ١٩٠، "البحر المحيط" ٦/ ١٥٠.
(٧) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٥٥.
(٨) "تهذيب اللغة" (رهق) ٢/ ١٤٨٩، "تاج العروس" (رهق) ١٣/ ١٨٣.
(٩) "تهذيب اللغة" (رهق) ٢/ ١٤٨٩، "لسان العرب" (رهق) ٣/ ١٧٥٦.
(١٠) "لسان العرب" (رهق) ٣/ ١٧٥٦.

صفحة رقم 89
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية