آيات من القرآن الكريم

فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا ۖ قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا
ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ ﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹ ﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄ ﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ

موسى لفتاه «ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ» من المكان الذي نطلبه «فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً» ٦٤ حتى وصلا إلى الصخرة، فإذا رجل مسجّى بثوب وهو المعني بقوله تعالى «فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا» هو الخضر عليه السلام واسمه بليا بن ملكان، وقالوا إن من عرف اسمه واسم أبيه ومات مسلما دخل الجنة، نقله الباجوري في حاشيته على شرح ابن قاسم، ونقل ابن زياد في فتاويه غاية بلوغ المرام عن العلامة أحمد بن زيد الجيش من كتب (علي عليه السلام ولد في ١٠ رجب سنة ٣٠ من عام الفيل دخل الجنة) والله يرزق من يشاء بغير حساب إذا أراد فعل، ثم وصف ذلك العبد بقوله «آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً» ٦٥ وهو الإخبار بالمغيبات التي خصه الله بها، قالوا فلم عليه موسى فقال عليه السلام، وانا بأرضنا السلام، ثم رد عليه وقال من أنت؟ قال موسى، قال موسى بني إسرائيل، قال نعم، قال وما شأنك «قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً» ٦٦ وقد ثبت عن حضرة الرسول أن هذا هو الخضر عليه السلام، روى البخاري عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلّي الله عليه وسلم إنما سمي خضرا لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز تحته خضراء (الفروة القطعة من النبات اليابس المجتمع، وتطلق على وجه الأرض أيضا) قالوا وكنيته أبو العباس وكان من أبناء الملوك الأقدمين الذين تزهدوا وتركوا الدنيا، قالوا قال يا موسى أما يكفيك التوراة والوحي وتكليم الله لك، قال إن ربي أرسلني إليك، ثم قال له من أين عرفتني موسى نبي إسرائيل، قال عرّفني الذي أرسلك إليّ ثم «قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً» ٦٧ يا موسى لأني على علم علمنيه ربي لا تعرفه «وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً» ٦٨ ولا تقدر أن تعرفه لأنك على علم علمكه الله لا أعلمه أنا وقد أعمل بخلافه لأنك تنظر إلى ظاهر الأمور وأنا إلى باطنها «قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً» استثنى عليه السلام لعدم وثوقه من نفسه بالصبر، ثم قال «وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً» ٦٩ من الأمور ولا أخالفك في شيء تريده لأني جئتك متعلما
«قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ» يتعلق بصفات الألوهية الذي لا يحل السؤال عنه

صفحة رقم 192

لأن ما أفعله مخالف ظاهره لظاهر الشرع، لأني سأفعله مبدئيا وان أنكرته، وقرىء تسألنّي بفتح اللام وتشديد النون وثبوت الياء فيه وفيما قبله إجماعا، بخلاف ياء (نبغ) لأن منهم من حذفها ومنهم من أثبتها وعليه الوقف والقراءة في المصاحف بتخفيف النون وإسكان اللام «حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً» ٧٠ فأبينه لك من تلقاء نفسي، فرضي موسى على هذا الشرط وترافقا «فَانْطَلَقا» يمشيان على ساحل البحر، فمرت بهما سفينة، فكلموهما أن يحملوهما فعرفوا الخضر فحملوهما بغير نول، فلم ير موسى إلا الخضر عمد إلى لوح من السفينة، فقلعه، وذلك قوله تعالى «حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها» ثقبها فالتفت إليه موسى وقال له قوم حملونا بغير نول تعمد إلى سفينتهم فتخرقها، وهو قوله تعالى «قالَ أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً» ٧١ كبيرا عظيما يقال امر الأمر إذا كبر، ومنه قول أبي جهل لعنه الله أمر أمر ابن أبي كبشة يعني محمدا صلّى الله عليه وسلم وأبو كبشة زوج مرضعته حليمة، فيكون أباه من الرضاع، ولم ينسبه لأبيه عبد الله استحقارا به حقره الله في ناره «قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً» ٧٢ وقد وعدتني بالصبر واشترطته عليك وعدم السؤال فلم توف بالشرط «قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي» تحملني وتغشني «مِنْ أَمْرِي عُسْراً» ٧٣ فلا تشدد وتعسر علي متابعتك واعف عن هفوتي وعاملني باليسر والسهولة، وإنما قال له ذلك لأنه لم ير الماء دخل السفينة من الثقب، ولم يعارضه أهلها بذلك لأنهم يعرفونه لا يعمل شيئا عبثا، قالوا وجاء عصفور فوقع على خرق السفينة فنقر في البحر نقرة، فقال الخضر لموسى ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر، وإنما اعترض عليه موسى لأن فعله مخالف للظاهر، ولا يجوز للأنبياء السكوت على ما يرونه مخالفا لشريعتهم وهم معذورون إذا لم يصبروا لا سيما وأن في عمله ذلك خطر على أهل السفينة الراكبين فيها ومضرة على أصحابها، وكلا الأمرين غير جائز بل ممنوع شرعا بحسب الظاهر، ثم خرجا من السفينة وصارا يمشيان على الساحل، فأبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان فأمسكه واقتلع رأسه من جئته بيده فمات حالا،

صفحة رقم 193

وهو قوله تعالى «فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ قالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً» ٧٤ منكرا عظيما لا يتلافى وهو بخلاف خرق السفينة إذ يمكن تلافيه ولأنه قد لا يؤدي إلى الهلاك، وتقرأ نكرا بضم الكاف وسكونها «قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ» أكد إنكاره عليه بأن واللام لقوله «لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً» ٧٥ وإنما زاد في جملته هذه (لك) لأنه نقض العهد مرتين، فلما أحس موسى بانفعال الخضر من اعتراضه عليه ثانيا، لأن في هذه الجملة تعنيفا له «قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً» ٧٦ إذا فارقتني لوضوح العذر ولا لوم عليك البتة «فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ» بسقط لشدة ميلانه للانهدام «فَأَقامَهُ» أشار إليه بيده فاعتدل «قالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً» ٧٧ لأنهم لم يضيفونا ولم يطعمونا فلبسوا بأهل لتعمل لهم ذلك عفوا، قالوا إن هذه القرية (أنطاكية) مدفن الرجل الصالح حبيب النجار من أصحاب عيسى عليه السلام، قال أبي بن كعب: قال النبي صلّى الله عليه وسلم كانت الأولى من موسى نسيانا والثانية شرطا والثالثة عمدا «قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ» لأني لا أقدر على مصاحبتك لعدم صبرك على ما ترى مني وعدم علمك نتيجته ولكن «سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً» ٧٨ روى البخاري ومسلم عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم رحمة الله علينا وعلى موسى (وكان إذا ذكر أحدا من الأنبياء بدأ بنفسه) لولا أنه عجل لرأى العجب ولكنه أخذته من صاحبه ذمامه (حياء وإشفاق من الذم واللوم) فقال (إن سألتك) الآية، فلو صبر لرأى العجب. قال تعالى مبينا ما استنكره السيد موسى بقوله «أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ» قيل كانوا عشرة خمسة منهم زمنى وخمسة يعملون بها «فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها» حتى لا يأخذها أحد منهم «وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ» قال
سعيد بن جبير: كان ابن عباس يقرأ (وكان أمامهم ملك) وليس بشيء «يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً» ٧٩ لم تتكرر هذه الكلمة بالقرآن

صفحة رقم 194
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية