
[قال الفراء: (وهو مصدر تحولت، ذكر على أصله)] (١) (٢). يعني بحذف الزوائد، كالصغر والعوج. ونحو هذا قال الزجاج: (أي لا يريدون عنها تحويلا) (٣).
قال ابن عباس: (لا يريدون أن يتحولوا عنها، كما ينتقل الرجل من دار إذا لم توافقه إلى دار أخرى، والجنة ليست هكذا) (٤).
وقال مجاهد في قوله: (حِوَلًا) (متحولا) (٥). يعني بالتحول المصدر، وذكر الزجاج وجهين آخرين في الحول، أحدهما: قال: (يقال: قد حال من مكانه حِوَلاً، كما قالوا في المصادر: صَغُرَ صِغَرًا، وعَظُم عِظَمًا وعادني حبها عِوَدًا، فعلى هذا الحِوَل الحِيلَةُ، فيكون المعنى على هذا: لا يحتالون منزلا غيرها) (٦).
١٠٩ - قوله تعالى: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ﴾ الآية. روى عكرمة عن ابن عباس، قال: (قالت قريش لليهود: أعطونا شيئًا نسأل عنه هذا الرجل. فقالوا: سلوه عن الروح، فنزلت: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ﴾ إلى قوله: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٨٥]، فقالوا: أوتينا علمًا كثيرًا، أوتينا التوراة، فأنزل الله: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ﴾ الآية) (٧).
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٦١.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣١٥.
(٤) "معالم التنزيل" ٥/ ٢١٢.
(٥) "جامع البيان" ١٦/ ٣٨، "المحرر الوجيز" ٩/ ٤١٨، "الدر المنثور" ٤/ ٤٥٨، "فتح القدير" ٣/ ٤٥٢.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣١٥.
(٧) "المحرر الوجيز" ٩/ ٤١٩، "معالم التنزيل" ٥/ ٢١٢، "زاد المسير" ٥/ ٢٠١، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٦٩، "أسباب النزول" للوحدي ص ٣٠٨.

ومعنى المداد في اللغة: المجيء شيئًا بعد شيء على اتصال، ومنه يقال للزيت الذي يوقد به السراج: مداد (١).
قال الأخطل (٢):
رأوا بارقات بالأكف كأنها | مصابيح سرج أوقدت بمداد |
قال ابن عباس: (يريد أن كلماته أعظم من أن يكون لها أمد) (٥). والكلام القديم صفة من صفات ذاته (٦)، فلا يجوز أن يكون لكلامه غاية
(٢) البيت للأخطل، غياث بن غوث بن الصلت التغلبي.
سرج: السراج الزاهر الذي يزهر بالليل، والمسرجة التي توضع فيها الفتيلة. انظر: "لسان العرب" (مدد) ٧/ ٤١٥٦.
(٣) ذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" ٥/ ٢٠١، والطبري في "مجمع البيان" ٦/ ٧٧٠، والشوكاني في "فتح القدير" ٣/ ٤٥٤، وذكر نحوه الأزهري في "تهذيب اللغة" (مد) ٤/ ٣٣٦١.
(٤) "جامع البيان" ١٦/ ٣٩، "معالم التنزيل" ١٥/ ٢١٢، "زاد المسير" ٥/ ٢٠١.
(٥) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" ١٦/ ٣٩، "معالم التنزيل" ١٥/ ٢١٢، "المحرر الوجيز" ٩/ ٤٢٠، "لباب التأويل" ٤/ ٢٣٧، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٢٠، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٦٩.
(٦) الكلام صفة من صفات الله عز وجل نثبتها كما أثبتها لنفسه من غير تحريف ولا تعطيل =

ومنتهى، كما ليس له غاية وحد، فأوصاف ذاته غير محدودة أيضًا. وهذا رد على اليهود حين ادعوا أنهم أوتوا العلم الكثير، وكأنه قيل لهم: أي: شيء الذي أوتيتم في علم الله، فكلماته التي لا تنفذ ولا تتناهى، كما لو كتبت بماء البحار وأضعاف ذلك. وقال ابن عباس في تفسير ﴿كَلِمَاتُ رَبِّي﴾: (يريد مواعظ الشكر (١) مني، أو مواعيد ربي وعلمه في خلقه) (٢).
وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا﴾ أي: بمثل البحر في كثرة مائه مدادا زيادة له.
وأراد لو جئنا بمثله مدادًا له، والمدد: كل شيء زاد في شيء. يقال أمددناهم بمدد أي: بقوم يزيدون في عددهم. قال الزجاج: (﴿مَدَدًا﴾ منصوب على التمييز، يقول: ملؤ هذا، ومثل هذا ذهبًا، أي: من الذهب) (٣). كقوله: ﴿أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا﴾ [المائدة: ٩٥] قال ابن الأنباري: (ويجوز أن يكون ﴿مَدَدًا﴾ منصوب على المصدر لجئنا بتقدير: لمدد البحر بمثله مددا، كما تقول: جاء فلان ركضا. قال: ويجوز أن يكون نائبا عن الحال بتقدير: لو جئنا بمثله مادين) (٤).
وانظر: "شرح العقيدة الطحاوية" ١/ ١٧٢، "القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى" للشيخ: محمد بن عثيمين ص ٣٣، "العقيدة الواسطية" ص ٤٣.
(١) في (ص): (الشك)، وهو تصحيف.
(٢) "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٦٩.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣١٦.
(٤) ذكر نحوه بلا نسبة في "المحتسب" ٢/ ٣٥، "إملاء ما من به الرحمن" ص ٤٠٥، =