
بالله من الشهداء.
﴿إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً﴾ أي: ذو خبر وعلم بأمورهم وأفعالهم " بصيراً " بتدبيرهم وسياستهم.
وروي أنهم قالوا للنبي ﷺ: من يشهد لك بأنك رسول الله فأنزل الله [ تعالى] :﴿ قُلْ كفى بالله شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾ الآية.
قال تعالى: ﴿وَمَن يَهْدِ الله فَهُوَ المهتد﴾.
أي: من يهده الله للإيمان فهو المهتدي للرشد والحق ومن يضلله عن الإيمان ولا يوفقه فلن تجد له يا محمد أولياء من دون الله [ تعالى] ينصرونه من عذاب الله [سبحانه].
﴿وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القيامة على وُجُوهِهِمْ﴾.
أي: نجمعهم ليوم القيامة من بعد تفرقهم في قبورهم.

﴿على وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً﴾. أي: عمياً عن كل شيء يسرهم ولكنهم يرون، ودل على رؤيتهم قوله: ﴿وَرَأَى المجرمون النار﴾ [الكهف: ٥٣].
قوله: " وبكماً " أي: بكماً عن الحجة فلا ينطقون بحجة ولكنهم يتكلمون ودل على كلامهم قوله: ﴿دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً﴾ [الفرقان: ١٣].
قوله: " وصماً " أي: صماً عن سماع ما يسرهم. وهم يسمعون ودل على سماعهم قوله: ﴿سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً﴾ [الفرقان: ١٢].
وقيل: إنهم في حال حشرهم إلى الموقف عمي وبكم وصم. ثم يحدث الله [ تعالى] لهم سمعاً وبصراً ونطقاً في أحوال أخر.
وقوله: ﴿على وُجُوهِهِمْ﴾ معناه: أنهم يحشرون صاغرين.
وقيل: بل معناه: أنهم يحشرون يمشون على وجوههم لأن الذي أمشاهم على أرجلهم يقدر أن يمشيهم على وجوههم، وعلى ما يشاء من أعضائهم.
ثم قال: ﴿مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ / كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً﴾.

أي: مصيرهم إلى جهنم ومسكنهم جهنم وقال ابن عباس معناه: هم وقودها. ومعنى خبت: سكنت، قاله ابن عباس. وعنه أيضاً: كلما أحرقتهم يسعر لهم حطبها، فإذا أحرقتهم فلم تبق منهم شيئاً صارت جمراً تتوهج، فذلك خبوها، فإذا بدلوا خلقاً جديداً عاودتهم.
وقال مجاهد: " خبت " طفيت "، وقال قتادة: معناه كلما أحرقت جلودهم بدلوا جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب.
وأهل اللغة يقولون: خبت النار، تخبو خبوءاً إذا سكن لهبها، فإن سكن لهبها وعلا جمرها، قيل: كبت تكبو كبوءاً. فإن طفى بعض الجمر وسكن اللهب قيل خمدت تخمد خموداً. فإن طفيت لها قيل: همدت تهمد هموداً.