آيات من القرآن الكريم

قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا
ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ

بمعنى (ولكن رحمة ربك تركته غير مذهوب به) وهذا امتنان من الله تعالى ببقاء القرآن محفوظا بعد المنة العظيمة في تنزيله وتحفيظه.
والذي يتبادر لنا من عطف الآيتين على ما سبقهما مع توجيه الخطاب فيهما للنبي ﷺ مثل الآية السابقة لهما مباشرة أنهما جاءتا للتعقيب على هذه الآية لتنبيه النبي ﷺ بعد أن تلقى الجواب عن الروح وكونه من أمر الله إلى أنه ليس عليه إلّا أن يتلقى وحي الله ويبلغه وأنه يتأكد في نفسه ويعلن للناس أنه ليس له من الأمر شيء.
فإذا كان الله تعالى قد اختصه بوحيه وقرآنه فذلك فضل منه ورحمة. وفضله عليه كبير، وإنه لقادر إذا شاء أن يذهب به فلا يستطيع أحد أن يحول دون ذلك أو يجد له على الله نصيرا.
وما قاله الزمخشري من احتمال أن يكون الاستثناء منقطعا وكون الجملة قد تضمنت منا من الله تعالى لا يخلو من وجاهة وليس من شأنه التعارض مع ما تبادر لنا. أما ما روي عن ابن مسعود وابن عمرو فإنه من نوع الأمور المغيبة التي لا يصح الأخذ بها حتى لو صحت عنهما وليس هناك ما يثبت ذلك إلّا بخبر وثيق عن النبي ﷺ وفيه فيما يتبادر لنا تجاوز للمدى الذي قصدت إليه الآيتان لأنهما موجهتان إلى النبي ﷺ وحسب، والله تعالى أعلم.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٨٨ الى ٨٩]
قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (٨٨) وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً (٨٩)
عبارة الآيتين واضحة. وهي قوية في تحديها قوية في تنديدها. فالقرآن سيظل المعجز الممتنع عن التقليد على جميع المخلوقات إنسهم وجنهم ولو تضامنوا معا لأنه وحي الله تعالى ومظهر سره. وقد صرّف فيه للناس من كل مثل وحجة وحقيقة ما يكفي لإقناعهم، وإن أكثرهم أهل لكل تنديد لأنهم يأبون مع ذلك إلّا المماراة والعناد والجحود.

صفحة رقم 428

وقد روى الطبري عن ابن عباس أن الآيتين نزلتا في نفر من اليهود جادلوا النبي ﷺ بالقرآن وقالوا له إنا لا نراه متناسقا كالتوراة وسألوه أن يأتيهم باية غيره شاهدة على نبوته وأنهم قادرون على أن يأتوا بمثله، فقال لهم رسول الله أما وإنكم لتعلمون أنه من عند الله وتجدونه مكتوبا عندكم فأنزل الله الآيتين. وقد توقف ابن كثير في الرواية وقال إن السورة كلها مكية وسياقها مع قريش. واليهود إنما اجتمعوا بالنبي في المدينة. وقال البغوي إن الكفار لما قالوا لو نشاء لقلنا مثل هذا كذبهم الله بالآيتين.
ولقد حكت آية في سورة الأنفال المدنية على سبيل التذكير بمواقف وأقوال كفار مكة قبل الهجرة قولا روى المفسرون أن قائله النضر بن الحارث وهي وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ الأنفال [٣١] حيث يصح أن يقال بشيء من الجزم إن في الآيتين ردا وتكذيبا لكفار مكة وإن رواية نزولهما في صدد جدل اليهود مع النبي وتحديهم إياه غير صحيحة.
على أن وحدة السبك والسياق في الآيتين وما قبلهما وما بعدهما تلهم كما هو المتبادر لنا أنهما لم تنزلا فورا بسبب هذا القول الذي حكته آية الأنفال وأن هذا القول قد صدر عن قائله قبل نزولهما بمدة ما وأنهما جاءتا على سبيل التعقيب والاستطراد بعد الآيات السابقة مباشرة التي نوّه فيها بالقرآن الذي فيه شفاء ورحمة للمؤمنين والتي تقرر أن تنزيله سرّ من أسرار الله وبعد الآيات السابقة لهذه الآيات التي حكى فيها بعض مواقف وأقوال الكفار واستفزازاتهم. ومن المحتمل أن تكونا تضمنتا في الوقت نفسه ردا وتحديا قويين للقائل المتبجح، والله أعلم.
تعليق على إعجاز القرآن وعجز الناس عنه
ولقد تكررت الإشارة إلى عجز الناس عن الإتيان بمثل القرآن كما تكرر تحدي الكفار بالإتيان بحديث أو سورة أو عدة سور من مثله جوابا على ما كانوا ينسبونه إلى النبي ﷺ من افترائه أو تعلمه أو اقتباسه من أساطير الأولين، مثل آيات

صفحة رقم 429

سورة الطور هذه أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٣) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (٣٤) ومثل آية سورة يونس هذه أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٨) ومثل آية سورة هود هذه أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٣) ومثل آيات سورة البقرة هذه وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٣) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (٢٤).
وآيات البقرة مدنية. وهذا يعني أن التحدي تكرر في العهد المكي مرارا ثم تكرر في العهد المدني بالإتيان بأي شيء من مثله مهما قلّ. وآيات البقرة صريحة بأن أحدا لم يحاول إجابة التحدي سابقا، وحاسمة بأن أحدا لن يفعل ذلك في المستقبل.
ولقد تكلم المفسرون وعلماء القرآن كثيرا في موضوع إعجاز القرآن وتحدي الناس بالإتيان بمثله أو بشيء من مثله وعجزهم عن ذلك «١» ومنهم من قال إن العرب وهم فرسان البلاغة والفصاحة قادرون على سبك بعض السور والجمل المماثلة ولكن الله تعالى صرفهم عنه فظهر منهم العجز. ولا نرى هذا وجيها ولا نفهم حكمة الله بتحديه للناس وصرفهم عنه مع قدرتهم عليه. ومنهم من قال إن لغة القرآن أعلى من أفهام العرب وأساليبهم ولذلك عجزوا عن الإتيان بمثله. وهذا يتناقض فيما يبدو لنا مع نصوص قرآنية صريحة بأن لغة القرآن وأساليبه مثل لغة العرب وأساليبهم وفي متناول أفهامهم ليعقلوه ويتدبروه كما جاء في آية سورة ص هذه كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (٢٩) وآيات سورة الزمر هذه وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٧) قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٢٨) وآية سورة فصلت هذه كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ

(١) انظر كتابنا القرآن المجيد ص ١٤٨ وما بعدها والإتقان للسيوطي ج ٢ (النوع الرابع والستون) وتفسير الآيات وتفسير آيات البقرة ويونس وهود والطور المذكورة في المتن في كتب تفسير المنار والطبري والقاسمي وابن كثير والخازن والبغوي والزمخشري والطبرسي.

صفحة رقم 430
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية