آيات من القرآن الكريم

إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ۚ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا
ﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ

لَوْ كَانَتْ مُسَاوِيَةً لِذَاتِ اللَّهِ فِي كَوْنِهِ لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا عَرَضٍ لَكَانَتْ مُسَاوِيَةً لَهُ فِي تَمَامِ الْمَاهِيَّةِ وَذَلِكَ مُحَالٌ.
الثَّانِي: قَوْلُهُ تَعَالَى: قُتِلَ الْإِنْسانُ مَا أَكْفَرَهُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ [عَبَسَ: ١٧- ٢٢] وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ شَيْءٌ مَخْلُوقٌ مِنَ النُّطْفَةِ، وَأَنَّهُ يَمُوتُ وَيَدْخُلُ الْقَبْرَ ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى يُخْرِجُهُ مِنَ الْقَبْرِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْإِنْسَانُ عِبَارَةً عَنْ هَذِهِ الْجُثَّةِ لَمْ تَكُنِ الْأَحْوَالُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ صَحِيحَةً. الثَّالِثُ: قَوْلُهُ: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَى قَوْلِهِ:
يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ [آلِ عِمْرَانَ: ١٦٩، ١٧٠] وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرُّوحَ جِسْمٌ لِأَنَّ الْأَرْزَاقَ وَالْفَرَحَ مِنْ صِفَاتِ الْأَجْسَامِ. الْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ: أَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي أَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَحَيِّزٍ وَلَا حَالٍّ فِي الْمُتَحَيِّزِ مُسَاوَاةٌ فِي صِفَةٍ سَلْبِيَّةٍ وَالْمُسَاوَاةُ فِي الصِّفَةِ السَّلْبِيَّةِ لَا تُوجِبُ الْمُمَاثَلَةَ وَاعْلَمْ أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْجُهَّالِ يَظُنُّونَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الرُّوحُ مَوْجُودًا لَيْسَ بِمُتَحَيِّزٍ وَلَا حَالٍّ فِي الْمُتَحَيِّزِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَثَلًا لِلْإِلَهِ أَوْ جُزْءًا لِلْإِلَهِ وَذَلِكَ جَهْلٌ فَاحِشٌ وَغَلَطٌ قَبِيحٌ وَتَحْقِيقُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي السُّلُوبِ/ لَوْ أَوْجَبَتِ الْمُمَاثَلَةَ لَوَجَبَ الْقَوْلُ بِاسْتِوَاءِ كُلِّ الْمُخْتَلِفَاتِ وَأَنَّ كُلَّ مَاهِيَّتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَشْتَرِكَا فِي سَلْبِ كُلِّ مَا عَدَاهُمَا، فَلْتَكُنْ هَذِهِ الدَّقِيقَةُ مَعْلُومَةً فَإِنَّهَا مَغْلَطَةٌ عَظِيمَةٌ لِلْجُهَّالِ، وَالْجَوَابُ عَنِ الثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْإِنْسَانُ فِي الْعُرْفِ وَالظَّاهِرِ عِبَارَةً عَنْ هَذِهِ الْجُثَّةِ أُطْلِقَ عَلَيْهِ اسْمُ الْإِنْسَانِ فِي الْعُرْفِ، وَالْجَوَابُ عَنِ الثَّالِثِ: أَنَّ الرِّزْقَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يُقَوِّي حَالَهُمْ وَيُكْمِلُ كَمَالَهُمْ وَهُوَ مَعْرِفَةُ اللَّهِ وَمَحَبَّتُهُ بَلْ نَقُولُ هَذَا مِنْ أَدَلِّ الدَّلَائِلِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا لِأَنَّ أَبْدَانَهُمْ قَدْ بَلِيَتْ تَحْتَ التُّرَابِ وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ إِنَّ أَرْوَاحَهُمْ تَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مُعَلَّقَةٍ تَحْتَ الْعَرْشِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرُّوحَ غَيْرُ الْبَدَنِ وَلْيَكُنْ هَذَا آخِرَ كَلَامِنَا فِي هَذَا الْبَابِ وَلْنَرْجِعْ إِلَى عِلْمِ التَّفْسِيرِ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا وَعَلَى قَوْلِنَا قَدْ ذَكَرْنَا فِيهِ احْتِمَالَيْنِ، أَمَّا
الْمُفَسِّرُونَ فَقَالُوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ قَالُوا نَحْنُ مُخْتَصُّونَ بِهَذَا الْخِطَابِ أَمْ أَنْتَ مَعَنَا؟ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «بَلْ نَحْنُ وَأَنْتُمْ لَمْ نُؤْتَ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا» فَقَالُوا مَا أَعْجَبَ شَأْنَكَ يَا مُحَمَّدُ سَاعَةً تَقُولُ: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً [الْبَقَرَةِ: ٢٦٩] وَسَاعَةً تَقُولُ هَذَا. فَنَزَلَ قَوْلُهُ: وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ [لُقْمَانَ: ٢٧] إِلَى آخِرِهِ
وَمَا ذَكَرُوهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ لِأَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَكُونُ قَلِيلًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى شَيْءٍ كَثِيرًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى شَيْءٍ آخَرَ فَالْعُلُومُ الْحَاصِلَةُ عِنْدَ النَّاسِ قَلِيلَةٌ جِدًّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى عِلْمِ اللَّهِ وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى حَقَائِقِ الْأَشْيَاءِ وَلَكِنَّهَا كَثِيرَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الشَّهَوَاتِ الجسمانية واللذات الجسدانية.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٨٦ الى ٨٧]
وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً (٨٦) إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً (٨٧)
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى أَنَّهُ مَا آتَاهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا بَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ لَوْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ ذَلِكَ الْقَلِيلَ أَيْضًا لَقَدَرَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَمْحُوَ حِفْظَهُ مِنَ الْقُلُوبِ وَكِتَابَتَهُ مِنَ الْكُتُبِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ أَمْرًا مُخَالِفًا لِلْعَادَةِ إِلَّا أَنَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَيْهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: احْتَجَّ الْكَعْبِيُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ فَقَالَ وَالَّذِي يَقْدِرُ عَلَى إِزَالَتِهِ وَالذَّهَابِ بِهِ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ قَدِيمًا بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُحْدَثًا. وَهَذَا الِاسْتِدْلَالُ بَعِيدٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْإِذْهَابِ إِزَالَةُ الْعِلْمِ بِهِ عَنِ الْقُلُوبِ وَإِزَالَةُ النقوش الدالة عليه من الْمُصْحَفِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ كَوْنَ ذَلِكَ الْمَعْلُومِ الْمَدْلُولِ مُحْدَثًا وَقَوْلُهُ:
ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلًا أَيْ لَا تَجِدُ مَنْ تَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ فِي رَدِّ شَيْءٍ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ: إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ أَيْ

صفحة رقم 405
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية