
﴿أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا﴾ قوله عز وجل: ﴿أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل﴾. أما دلوك الشمس ففيه تأويلان: أحدهما: أنه غروبها، وأن الصلاة المأمور بها صلاة المغرب، ومنه قول ذي الرمة:
(مصابيح ليست باللواتي تقودها | نجومٌ ولا بالآفات الدوالك) |

(هذا مُقام قَدَامي رباح | ذَيّبَ حتى دَلَكت بَراح) |
(ظَلَّت تَجُودُ يَدَاها وهِيَ لاَهِيَةٌ | حتى إذا جَنَحَ الإِظْلاَمُ والغَسَقُ) |
(إن هذا الليل قد غسقا............................................)
وفي الصلاة المأمور بها قولان: أحدهما: أنها صلاة المغرب، وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك الثاني: هي صلاة العشاء الآخرة، قاله أبو جعفر الطبري. ثم قال ﴿وقرآن الفَجْر إنّ قرآن الفجْر كان مشهوداً﴾ في ﴿قرآن﴾ تأويلان: أحدهما: أقم القراءة في صلاة الفجر، وهذا قول أبي جعفر الطبري. الثاني: معناه صلاة الفجر، فسماها قرآناً لتأكيد القراءة في الصلاة، وهذا قول أبي اسحاق الزجاج. ﴿إن قرآن الفجر كان مشهوداً﴾ فيه قولان: أحدهما: إن من الحكمة أن تشهده بالحضور إليه في المساجد، قاله ابن بحر. الثاني: ان المراد به ما رواه أبو هريرة عن النبي ﷺ أنه قال: (تشهده ملائكة صفحة رقم 263

الليل وملائكة النهار) وفي هذا دليل على أنها ليست من صلاة الليل ولا من صلاة النهار. قوله عز وجل: ﴿ومن الليل فتهجد به نافلة لك﴾ أما الهجود فمن أسماء الأضداد، وينطلق على النوم وعلى السهر، وشاهد انطلاقه على السهر قول الشاعر:
(ألا زارت وأهْلُ مِنىً هُجُود | ولَيْتَ خَيَالَهَا بِمِنىً يعُود) |
(أَلا طَرَقَتْنَا والرِّفَاقُ هُجُود | فَبَاتَتْ بِعُلاَّت النّوالِ تجود) |

أحدها: أن المقام المحمود الشفاعة للناس يوم القيامة، قاله حذيفة بن اليمان. الثاني: أنه إجلاسه على عرشه يوم القيامة، قاله مجاهد.
صفحة رقم 265
الثالث: أنه إعطاؤه لواء الحمد يوم القيامة. ويحتمل قولاً رابعاً: أن يكون المقام المحمود شهادته على أمته بما أجابوه من تصديق أو تكذيب، كما قال تعالى ﴿وجئنا بك على هؤلاء شهيداً﴾ [النساء: ٤١].
صفحة رقم 266